العنف في المدارس: أزمة تربية أم انهيار تعليم؟

رغم مرور أسبوع واحد فقط على بداية العام الدراسي، سجّلت المدارس عدة حوادث عنف أثارت قلق الأسر والمجتمع التربوي على حد سواء، مشاجرات بين الطلاب، اعتداءات لفظية وجسدية، وتجاوزات تنذر بوجود خلل في منظومة الانضباط والتواصل داخل البيئة التعليمية.
فتحت جريدة "النهار المصرية" هذا الملف الشائك، وحرصت على الاستماع إلى آراء خبراء التعليم والتربية، إلى جانب أخصائيين في علم النفس والسلوك، بهدف فهم أعمق لأسباب تنامي هذه الظاهرة في هذا التوقيت المبكر؟ وكيف يمكن للمدرسة والأسرة والمجتمع أن يتكاتفوا للحد من هذه السلوكيات السلبية قبل تفاقمها؟ في هذا التحقيق، نسلط الضوء على جذور العنف المدرسي، ونستعرض سُبل الوقاية والعلاج.
بسبب التنمر والضرب
أثار مقطع فيديو متداول جدلًا واسعًا، ظهرت فيه فتاة تُدعى "مريم" وهي تتلفظ بألفاظ نابية وتقوم بتصرفات غير لائقة وسط مجموعة من الطالبات أمام إحدى المدارس، وبعد أقل من 24 ساعة، تقدمت سيدة ببلاغ يفيد بتعرض ابنتها لإصابة في الرأس نتيجة اعتداء من الطالبات المشاركات في الفيديو.
تحركت وزارة الداخلية فورًا، وتبين أن المشاجرة وقعت فعلًا أمام المدرسة بسبب خلاف حول اللعب، وبضبط الطالبة المعتدية، أقرت بالواقعة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها، وأكدت الأجهزة الأمنية متابعتها الدقيقة لمثل هذه الحوادث لحماية الطلاب من العنف والتنمر.
مزاح تحول لمشاجرة
شهدت مدرسة هورين الثانوية التابعة لمركز بركة السبع بمحافظة المنوفية واقعة خطيرة بعدما أصيب طالب بجرح قطعي في ساعده الأيسر إثر اعتداء زميله عليه بأداة حادة (كتر) خلال مزاح تطور إلى مشادة كلامية حادة على سلم المدرسة.
تم نقل الطالب المصاب إلى مستشفى بركة السبع المركزي لتلقي الإسعافات، بينما حاول الطالب المعتدي الفرار بالقفز من سور المدرسة، إلا أن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبطه، وتبين إصابته بخدوش سطحية.
تم تحرير محضر بالواقعة، وأُخطرت النيابة العامة التي باشرت التحقيق في الحادث لاتخاذ الإجراءات القانونية.
مشاجرة فيصل المدرسية
اندلعت مشاجرة أمام مدرسة حسام الدين الحديثة بمنطقة فيصل – الجيزة، بين عدد من الطلاب وبعض الأهالي، ما تسبب في حالة من الفوضى أمام المدرسة، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تُظهر جانبًا من الاشتباك، مما أثار تفاعلًا واسعًا وغضبًا بين المتابعين.
تلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا بالواقعة، وعلى الفور انتقل رجال المباحث إلى موقع الحادث، وتم ضبط عدد من المتورطين في المشاجرة، وجارٍ استكمال التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
فراغ تربوي ومجتمعي
قال الدكتور محمد عبدالعزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، إن تفشي ظاهرة العنف داخل المدارس مع بداية العام الدراسي يعود إلى مجموعة من الأسباب المتشابكة، في مقدمتها ارتفاع الكثافة الطلابية داخل الفصول، والنقص الحاد في أعداد المعلمين، مما يخلق بيئة غير آمنة تفتقر إلى الرقابة والانضباط.
وأضاف "عبد العزيز"، في تصريحات لـ"جريدة النهار"، أن غياب التفاعل الحقيقي بين الطالب والمعلم، ووجود فراغ تعليمي وتربوي كبير داخل المدرسة، يفتح الباب أمام السلوكيات السلبية، مؤكدًا أن الطفل إذا لم يشعر بأنه يتلقى خدمة تعليمية حقيقية، فإنه يتحول إلى عنصر فوضوي داخل المؤسسة التعليمية.
وأشار أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، إلى أن المناهج التعليمية الحالية تمثل عبئًا إضافيًا على التلاميذ، حيث تم إعدادها دون مراعاة للفروق العمرية أو المعايير العالمية، مما يجعلها منفصلة تمامًا عن الواقع، وأوضح أن هذه المناهج تضع الطالب في صراع دائم مع قدراته، في وقت قد يعاني فيه أصلًا من ضغوط اقتصادية أو مشكلات أسرية خارج أسوار المدرسة.
وتابع: "الطفل يأتي إلى المدرسة وهو مثقل بأزمات مجتمعية، بعضها يصل إلى حد الجوع أو الحرمان، مما يؤدي إلى تراكم الضغوط النفسية عليه، وبالتالي يكون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات عنيفة".
وأكد أستاذ التربية أن حل مشكلة العنف داخل المدارس لا يمكن أن يتحقق من خلال الإجراءات الشكلية، بل يبدأ من معالجة جذور الأزمة، والتي تتمثل في إصلاح شامل للمنظومة التعليمية، بداية من تخفيف كثافة الفصول، وزيادة عدد المعلمين، مرورًا بتطوير المناهج بما يتناسب مع احتياجات الطلاب، وانتهاءً بتوفير بيئة تعليمية جاذبة تحترم الطالب وتدفعه نحو التعلم.
وانتقد عبدالعزيز ما وصفه بـ"تغاضي وزارة التربية والتعليم عن الأسباب الحقيقية للمشكلة"، مشددًا على أن أي إصلاح مجتمعي حقيقي يجب أن ينطلق من داخل المدرسة، باعتبارها مرآة للمجتمع.
رصد الظاهرة..
قالت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، رغم أن العام الدراسي بالكاد بدأ، إلا أننا لاحظنا وقوع أكثر من حالة عنف بين الطلاب داخل المدارس، وهو مؤشر مقلق يكشف أن العنف لم يعد يرتبط بالضغوط أو الامتحانات كما كنا نعتقد سابقًا، بل أصبح ظاهرة متجذرة تظهر منذ اليوم الأول للعودة إلى الدراسة، وهذا يعكس أن هناك خللًا أعمق في البناء التربوي والاجتماعي ينعكس سريعًا على سلوك الأطفال داخل الفصول.
وأشارت "خضر"، في تصريحات لـ "جريدة النهار"، أحد الأسباب الرئيسية هو غياب القدوة، وانعدام البرامج التربوية الموجهة للأطفال، سواء عبر الإعلام أو داخل الأسرة، زمان كنا نتابع برامج مثل بابا شارو، وماما سميحة، وأبلة فضيلة، وكلها كانت توجه الطفل وتزرع فيه القيم من دون مباشرة أو وعظ، أما اليوم، فالأطفال يتعرضون لمحتوى يومي مليء بالعنف، سواء في مسلسلات أو برامج أو على السوشيال ميديا، دون رقابة حقيقية من الأسرة أو المدرسة، ما يجعلهم يعتبرون العنف سلوكًا طبيعيًا أو وسيلة للتعبير.
وأنهت أستاذه علم الاجتماع حديثها قائله: الحل يبدأ من البيت، قبل المدرسة، لابد أن تعود الأم لتلعب دورها التربوي، حتى وإن كانت امرأة عاملة، لا بد أن تجد وقتًا لتطبطب على أولادها، تحكي لهم، تسمعهم، وتغرس فيهم الطمأنينة، كما نحتاج لإعلام رشيد يعيد تقديم محتوى أطفال هادف، ويخاطب الأمهات أيضًا بوعي، بعيدًا عن الدعوات السطحية والمبالغات التي نشاهدها الآن في بعض البرامج، لا يمكننا أن نحمّل السوشيال ميديا كل الذنب، في الوقت الذي غاب فيه الإعلام التربوي الحقيقي، ولم تعد هناك نماذج يُحتذى بها في البيت أو في الشارع.