في ذكرى ميلاده.. أنور وجدي عاشق السينما الذي صنع مجده من الحلم وترك قلبه بين ليلى مراد وليلى فوزي

في مثل هذا اليوم ولد نجم من طراز خاص، رسم ملامح المجد بموهبته وعزيمته، وسكن وجدان عشاق الفن رغم رحيله المبكر، تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان الكبير أنور وجدي، أحد صُنّاع العصر الذهبي للسينما المصرية، الذي جمع بين الموهبة والدهاء، بين الفنان الحالم والرجل العاشق، فخلّد اسمه في سجل من أضاءوا شاشة السينما بالحب والنور.
لم يكن طريق أنور وجدي إلى الشهرة مفروشًا بالورود، بل بدأه شابًا هاويًا في بعض الفرق الصغيرة، يحلم بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث هوليوود عاصمة السينما، كان يرى أن مكانه الطبيعي بين الكبار هناك، فحاول تحقيق الحلم بوسيلة مجنونة حين أقنع صديقين له بالسفر خلسة، فتسللوا إلى إحدى البواخر في بورسعيد، لكن محاولتهم فشلت وتم القبض عليهم وإعادتهم.
وعندما علم والده السوري بما حدث وبإصراره على العمل في الفن، طرده من المنزل، ليبدأ الشاب العنيد رحلته في شوارع القاهرة باحثًا عن فرصة تثبت أن الفن ليس مجرد حلم، بل حياة كاملة.
ومع الوقت، أصبحت السينما وطنه الحقيقي، فتألق كاتبًا وممثلًا ومخرجًا ومنتجًا، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يصنع مجده بنفسه، في أفلام أصبحت أيقونات للسينما المصرية والعربية مثل ليلى بنت الفقراء، ليلى بنت الأغنياء، حبيب الروح، بنت الأكابر، قلبي دليلي، وغزل البنات، إلى جانب دويتوه الشهير مع الطفلة فيروز الذي لا يزال واحدًا من أجمل ما قدّمته السينما المصرية في القرن الماضي.
ورغم أن النجاح كان عنوان مسيرته، فإن حياته العاطفية كانت أشبه بفيلم طويل تتداخل فيه المشاعر والتناقضات. فقد جمعته قصة حب عاصفة بالفنانة ليلى مراد، التي أصبحت شريكته في الفن والحياة، وكان لقاؤهما الأول عام 1943 في فيلم من الجاني، لتبدأ بينهما علاقة رقيقة تحت رقابة والدها، تحوّلت تدريجيًا إلى حب كبير تُوّج بالزواج.
كانت ليلى مراد نجمة الغناء الأولى، وكان هو فارس السينما الطموح، فشكّلا معًا ثنائيًّا استثنائيًّا أمام الكاميرا وخلفها، لكن الصراع بين النجاح والغيرة أنهى هذا الحب الجميل بطلاقٍ ترك جرحًا في قلب كل منهما، وخلّد قصتهما في ذاكرة الجمهور.
بعد انفصاله عن ليلى مراد، دخل أنور وجدي مرحلة جديدة في حياته مع الفنانة ليلى فوزي، التي لُقبت بـ جميلة الجميلات، وقد أثار زواجهما الكثير من الجدل في خمسينيات القرن الماضي. فقد تم عقد قرانهما في باريس داخل السفارة المصرية يوم 6 أغسطس عام 1954، بعد انتهاء عدتها مباشرة، وكان المهر خمسةً وعشرين قرشًا فقط، فيما قدّم لها مجموعة مجوهرات فاخرة بقيمة ثلاثة آلاف جنيه، ووعدها بأن يكون فيلم العاشق الولهان هدية زواجهما، حيث تؤدي فيه دور أميرة من أسرة محمد علي تقع في حب شاب فقير.
قصة لقائهما تعود إلى عام 1943 أيضًا، حين عملت ليلى فوزي معه في فيلم من الجاني، وكان يزورها بصحبة عائلتها باستمرار، ليعبّر بطريقة غير مباشرة عن رغبته في الزواج منها، لكن والدها رفض بسبب صغر سنها، فانقطعت العلاقة مؤقتًا قبل أن يجمعهما القدر مجددًا بعد سنوات طويلة، حين أصبح كلاهما نجمًا كبيرًا.
ورغم أن الحظ ابتسم لأنور وجدي فحقق ثروة تجاوزت عشرة آلاف جنيه، وكان يُعرض له في وقتٍ واحد أكثر من اثني عشر فيلمًا، إلا أن المرض لم يمهله كثيرًا، فقد ورث عن والده وشقيقاته مرضًا نادرًا في الكلى يُعرف باسم الكلية متعددة الكيسات، بدأ يشعر بأعراضه في بداية الخمسينيات، لكنه ظل يتجاهلها حتى اشتد عليه الألم، فنصحه الأطباء بالسفر إلى فرنسا للعلاج، وهناك، رغم محاولات الأطباء، لم يكن لهذا المرض علاج في ذلك الوقت، ففارق الحياة شابًا وهو في قمة مجده الفني.
رحل أنور وجدي تاركًا وراءه سيرةً تمتلئ بالطموح والإصرار والحب، وسينما لا تزال حتى اليوم شاهدة على موهبة لا تتكرّر، لم يكن مجرد ممثل، بل رمزًا لعصرٍ كان الفن فيه رسالة والحب فيه قدرًا، وحين يُذكر اسمه تُذكر معه ملامح الزمن الجميل الذي لن يعود.