المولد النبوي الشريف.. تاريخه ومظاهر الأحتفال به

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف له تاريخ طويل وموثق في كتب التاريخ الإسلامي، وقد اختلف المؤرخون في تحديد أول من ابتدع أو نظم الاحتفال به بشكل رسمي، لكن أغلب الروايات ترده إلى العصور الفاطمية والأيوبيـة وما بعدها.
في العهد الفاطمي (القرن الرابع والخامس الهجري) تشير المصادر إلى أن الخلفاء الفاطميين بمصر كانوا أول من نظم احتفالات عامة بالمولد النبوي، حيث جعلوه من بين الأعياد الرسمية مثل عيد الغدير وعيد النيروز.
يقول المقريزي (ت 845هـ) في الخطط المقريزية: "كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي كثيرة… منها: موسم مولد النبي ﷺ … وكان للخلفاء به اعتناء عظيم."
في العهد الأيوبي (القرن السادس الهجري) أكثر من اشتهر بإحياء المولد النبوي هو الملك المظفر أبو سعيد كوكبري صاحب أربل (ت 630هـ).
وصف ابن كثير في البداية والنهاية (ج13 ص 137) احتفاله قائلاً: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا… وكان مع ذلك رجلًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عادلًا." كذلك ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان (ج5 ص 348) عن مظاهر المولد عند الملك المظفر.
في العصر المملوكي (القرن السابع–التاسع الهجري) استمر الاحتفال في مصر بعد صلاح الدين الأيوبي، خاصة في عهد المماليك.
أورد السخاوي (ت 902هـ) في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع أن العلماء كانوا يقرون المولد لما فيه من اجتماع على الذكر والصدقات. المقريزي يصف في الخطط أن الاحتفالات في القاهرة تضمنت توزيع الأطعمة والحلوى وإقامة مجالس الإنشاد.
في العصر العثماني (القرن العاشر الهجري وما بعده) دخل الاحتفال بالمولد إلى إسطنبول وانتشر في أنحاء العالم الإسلامي. السلطان أحمد الثالث (ت 1149هـ) جعل ليلة المولد مناسبة رسمية وأطلق عليها "ليلة المولد الشريف". ذكر الجبرتي في عجائب الآثار عن مظاهر المولد في مصر العثمانية أنه كان يقام في الأزهر والبيوت والمساجد الكبرى.
في الأزهر الشريف والدول الإسلامية الحديثة أصبح المولد جزءًا من الثقافة الشعبية والدينية، حيث تُقام حلقات الذكر والإنشاد وتوزيع الحلوى.
شيخ الأزهر جاد الحق (ت 1416هـ) ذكر في فتواه أن الاحتفال بالمولد "مظهر من مظاهر الفرح بميلاد الرسول ﷺ إذا خلا من المحرمات".
الاحتفال بالمولد النبوي تطوّر عبر القرون، واحتفظ كل عصر ودولة بسماته الخاصة، لكن يمكن تلخيص طرق الاحتفال في ثلاث مستويات: الرسمية – الشعبية – الدينية.
الاحتفالات الرسمية (منذ الفاطميين حتى العثمانيين)
الفاطميون (مصر): يقام موكب رسمي من قصر الخلافة، توزع الصدقات، وتجتمع الناس على قراءة السيرة والمدائح.
الأيوبيون (أربل): الملك المظفر كان يقيم مأدبات ضخمة، يدعو فيها العلماء والفقهاء، ويُنشد الشعر والمديح النبوي.
المماليك والعثمانيون (مصر والشام): مواكب دينية، حلقات ذكر، توزيع الحلوى والخبز، وتزيين الشوارع بالأنوار.
الاحتفالات الشعبية
انتشار حلاوة المولد في مصر والشام (مثل عرائس المولد والحصان الحلاوي).
الأسواق والمواسم التجارية حول يوم المولد.
تجمع الأسر لإعداد أطعمة خاصة بالمناسبة.
إقامة حلقات للإنشاد والمدائح في الساحات والطرقات.
الاحتفالات الدينية
تلاوة سيرة النبي ﷺ (خاصة كتب المولد مثل البرزنجي والهمزية للبوصيري).
إقامة مجالس الذكر والإنشاد الصوفي.
دروس وعظ وإرشاد عن السيرة النبوية.
تزيين المساجد والمآذن بالأنوار.
صدقات على الفقراء والمساكين.
المقريزي في الخطط وصف أن المولد في مصر المملوكية كان يجمع بين "إطعام الناس" و"المدائح النبوية".
ابن كثير عن الملك المظفر قال: "كان يعمل المولد الشريف ويحتفل به احتفالًا هائلًا، ويتصدق بما له من الأموال العظيمة."
الجبرتي في عجائب الآثار ذكر أن في مصر العثمانية كان يقام في الأزهر ومساجد القاهرة بالأنوار والذكر والإنشاد.
المقريزي – الخطط المقريزية (ج1 ص 490 وما بعدها).
ابن كثير – البداية والنهاية (ج13 ص 137).
ابن خلكان – وفيات الأعيان (ج5 ص 348).
السخاوي – القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع.
الجبرتي – عجائب الآثار في التراجم والأخبار.