يوسف شاهين.. مخرج اصطدم بالرقابة والسلطات الدينية والسياسية فصنع من المنع أيقونات سينمائية

تمر اليوم الذكرى السنوية لرحيل المخرج الكبير يوسف شاهين، الذي غيّبه الموت في مثل هذا اليوم 27 يوليو من عام 2008، بعد أن ترك وراءه إرثًا فنيًا فريدًا، فهولم يكن مجرد مخرج صاحب رؤية فنية مختلفة، بل كان واحدًا من أكثر المبدعين إثارة للجدل في تاريخ السينما المصرية، لا سيما بعد مواجهاته المتكررة مع الرقابة والسلطات الدينية والسياسية، والتي تسببت في منع عدد من أفلامه، أبرزها فيلم "العصفور"، الذي تناول أسباب نكسة 1967 وهاجم الحكام العرب، وما زال حتى اليوم محظورًا من العرض. كما أثيرت ضده حملات شرسة بعد تقديمه "المهاجر"، الذي رأى البعض أنه يقترب من قصة نبي الله يوسف، وفيلم "المصير" الذي تناول حياة الفيلسوف ابن رشد، ورغم ذلك ظل "شاهين" متمسكًا برؤيته، مؤمنًا بأن دور السينما يتجاوز الترفيه إلى مساءلة الواقع والتاريخ والمجتمع.
مشوار بدأ بـ"الله معنا".. وانتهى بـ"هي فوضى"
ولد يوسف جبرائيل شاهين عام 1926 في الإسكندرية لأب لبناني وأم من أصول يونانية. عشق السينما منذ طفولته، وسعى إلى دراستها أكاديميًا في معهد باسادينا المسرحي بالولايات المتحدة. وعاد إلى مصر وهو في الثالثة والعشرين من عمره ليخرج أول أفلامه "بابا أمين" عام 1950، بمساعدة المخرج الإيطالي أروغو أورفانيللي، ثم انطلق سريعًا ليصبح أحد أبرز صناع السينما في العالم العربي.
35 فيلمًا و12 عملاً في قائمة أفضل 100 فيلم مصري
على مدار أكثر من خمسين عامًا، أخرج شاهين 35 فيلمًا روائيًا طويلًا وخمسة أفلام قصيرة، تمثل علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية. أفلامه لم تكتف بتحقيق النجاح المحلي، بل وصلت إلى العالمية، ودخل 12 منها ضمن قائمة "أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية"، من بينها: الأرض، باب الحديد، الناصر صلاح الدين، صراع في الوادي، إسكندرية ليه، العصفور، المهاجر، حدوتة مصرية.
المخرج والممثل.. عبقرية تتجلى في "قناوي"
لم يكتف يوسف شاهين بالإخراج فقط، بل خاض تجربة التمثيل في عدد من أعماله، أبرزها دوره العبقري في فيلم باب الحديد عام 1958، والذي جسد فيه شخصية "قناوي"، بائع الصحف المضطرب نفسيًا. ويقول شاهين عن هذه التجربة: "لم أمثل إلا مرة واحدة بجد، في باب الحديد، وكان اختيار المنتج، أما باقي المرات فكانت مجرد لقطات عابرة".
السينما كنافذة للحياة.. وتجربة ذاتية في "رباعية الإسكندرية"
أبدع شاهين في تقديم سيرته الذاتية ومشواره الحياتي من خلال ما يعرف بـ"رباعية الإسكندرية"، التي ضمت أفلام: إسكندرية ليه، حدوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان، إسكندرية نيويورك. استعرض من خلالها التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشها، ومواقفه الفكرية، في قالب سينمائي غير تقليدي.
الموسيقى والغناء.. أدوات سرد لا غنى عنها
استخدم شاهين الموسيقى والغناء كعنصرين أساسيين في أعماله، وتعاون مع كبار المطربين والمؤلفين، فقدم فريد الأطرش وشادية في أنت حبيبي، فيروز والأخوين رحباني في بياع الخواتم، ماجدة الرومي في عودة الابن الضال، ولطيفة في سكوت ح نصور.
صدامات مع السلطة والرقابة.. و"العصفور" ما زال ممنوعًا
لم يكن يوسف شاهين مخرجًا تقليديًا، بل كان فنانًا مشاكسًا، اصطدم أكثر من مرة مع الرقابة والسلطات الدينية والسياسية، وتعرضت بعض أفلامه للمنع داخل مصر، منها "العصفور" الذي تناول أسباب نكسة 1967، و"المهاجر" الذي فُسر على أنه تجسيد لقصة نبي الله يوسف، وكذلك "المصير" الذي تناول حياة الفيلسوف ابن رشد.
جوائز عالمية ومحلية.. ولكن حب الجمهور الأهم
حصد يوسف شاهين العديد من الجوائز الدولية المرموقة، أبرزها جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان عام 1997، والجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج، وجائزة لجنة التحكيم من مهرجان برلين عن إسكندرية ليه، بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية عام 1994.
لكن رغم هذا الزخم من التكريمات، ظل يقول: "أهدي كل جائزة حصلت عليها إلى الشعب المصري، حب الناس أهم من كل الجوائز، فهم من ساندوني طوال خمسين عامًا".
"هي فوضى".. آخر صرخة فنية
أنهى يوسف شاهين مشواره بفيلم هي فوضى عام 2007، والذي شاركه في إخراجه تلميذه خالد يوسف، وجاء العمل بمثابة صرخة ضد الفساد والقمع، كاشفًا عن مجتمع على حافة الانفجار، في طرح استشرافي سبق ثورة يناير بأعوام.