النهار
الإثنين 30 يونيو 2025 05:49 مـ 4 محرّم 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
هاري كين أول لاعب إنجليزي يسجل 40 هدفا موسمين على التوالي موعد مباراة مانشستر سيتي أمام الهلال في كأس العالم للأندية محافظ المنوفية يقدم واجب العزاء لوالد سائق حادث الطريق الإقليمي بمنزله بطملاي المنظمة العربية للتنمية الزراعية تعزز الشراكات الإقليمية لدعم نظم الغذاء في منطقتي المتوسط والشرق الأوسط محافظ أسيوط يعتمد تنسيق القبول بالثانوي الفني بجميع تخصصاته خلافات الجيرة وراء إصابة شخصين في مشاجرة بقليوب نائب وزير الصحة يترأس اجتماعاً بمستشفى العلمين لبحث جاهزيته لتقديم خدمات السياحة العلاجية تقدمت 50 مركزًا عالميًا.. وزير التعليم العالى يُكرم جامعة عين شمس لتألقها بتصنيف QS لعام 2025 وفاة معلمة في حادث سير ببني سويف.. «نقابةالمعلمين»: كل الدعم لأسرة الفقيدة الأزهر بالغربية يواصل زياراته الميدانية لدعم الحلقات الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم رئيس جامعة عين شمس يهنىء الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 30 يونيو استعدادًا للعام الدراسي الجديد.. مدير تعليم الجيزة: لا للتبرعات.. والشؤون القانونية بانتظار المخالفين

عربي ودولي

”سلام ترامب” بوابة لنهب معادن الكونغو ورواندا

اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا
اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا

شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، في 27 يونيو، توقيع اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، برعاية أمريكية ودعم قطري.

يهدف الاتفاق إلى إنهاء صراع دام ثلاثة عقود في شرق الكونغو، ويؤكد التزام الطرفين بوقف الأعمال العدائية ونزع سلاح الجماعات المسلحة، فاتحًا آفاقًا للتعاون الاقتصادي والإنساني، إذ حظي الاتفاق بإشادة دولية كنقطة تحول نحو الاستقرار.

وينص الاتفاق على بنود أساسية تشمل احترام سيادة كل بلد وحظر الأعمال العدائية، انسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو خلال 90 يومًا، وإنشاء آلية تنسيق أمني مشترك خلال 30 يومًا. كما يسهل عودة اللاجئين والنازحين ويوفر الوصول الإنساني، ويطلق إطارًا للتكامل الاقتصادي الإقليمي لجذب الاستثمارات، خاصة الأمريكية، إلى قطاعي التعدين في البلدين.

وخلف ابتسامة السلام التي ارتسمت على وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إثر رعايته لاتفاق السلام، تتوارى أجندة استراتيجية أبعد ما تكون عن النوايا الإنسانية المعلنة؛ فبينما يظهر الاتفاق كخطوة نحو إنهاء صراع دام عقودًا، يكشف الواقع عن اندفاع أمريكي محموم للهيمنة على ثروات معدنية هائلة تقدر بنحو 24 تريليون دولار، تتركز في قلب القارة الإفريقية.

ولا يمكن لأي مراقب قراءة هذا "السلام الزائف" إلا في سياق سباق النفوذ العالمي، ومحاولة واشنطن الحثيثة لإزاحة الصين من ساحة الموارد الاستراتيجية، تمهيدًا لوضع اليد على المناجم التي تغذي الصناعات الدقيقة من التكنولوجيا إلى الطائرات والصواريخ، تنفيذًا لشعار "أمريكا أولاً" بوجهه الاستعماري الجديد.

رحلة "ترامب" للسيطرة على الكنز الإفريقي

لم يقتصر اتفاق السلام الموقع في واشنطن على الترتيبات الأمنية فحسب، بل تضمنت بنوده جوانب اقتصادية مهمة تؤكد الأهمية الاستراتيجية للمعادن في المنطقة.

ووفقًا لمسعد بولس، المستشار الكبير للرئيس ترامب في الشؤون الأفريقية، كان هدف واشنطن هو توقيع اتفاق السلام بالتزامن مع صفقات المعادن الحيوية.

وبموجب هذا الاتفاق، منحت الكونغو الديمقراطية ورواندا نفسيهما ثلاثة أشهر لإطلاق إطار يهدف إلى توسيع التجارة الخارجية والاستثمار، مع التركيز بشكل خاص على سلاسل توريد المعادن الحيوية والإقليمية.

ونص الاتفاق على أن التوقيع النهائي للإطار الاقتصادي سيتم في حدث منفصل بالبيت الأبيض، بعد إحراز تقدم في المحادثات الجارية في الدوحة بين الحكومة الكونغولية وحركة "إم 23".

وبهذا الاتفاق، يرى محللون أن الرئيس الأمريكي نجح في اقتحام "أرض الكنوز"، بخطوة استباقية هدفها غير المعلن طرد الشركات الصينية التي تهيمن على 80% من إنتاج المعادن في الكونغو الديمقراطية.

وقد استنسخ ترامب وصفة الصين في الاستيلاء على هذه المعادن، والتي تقوم على مبدأ "البنية الأساسية مقابل التنقيب"، حيث سرعان ما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 4 مليارات دولار لمشروع "ممر لوبيتو"، وهي مبادرة بنية تحتية تربط ساحل أنغولا الأطلسي بجمهورية الكونغو الديمقراطية عبر زامبيا.

ولم يضيع ترامب الوقت، فبينما كانت إحدى أيدي وشانطن توقع اتفاقية السلام، شرعت يدٍ أخرى على الفور في عقد اتفاقية لاستغلال المعادن مع الكونغو الديمقراطية، واتفاقية ثانية منفصلة مع رواندا.

المعادن محفز السلام الزائف

ويعود الصراع الممتد لثلاثين عامًا بين رواندا والكونغو الديمقراطية إلى الدعم العلني لحركة "إم 23" المعارضة لنظام الحكم في كينشاسا، حيث نجحت هذه الحركة خلال العام الحالي في السيطرة على أجزاء واسعة من شرق الكونغو، مما هدد بإشعال صراع مباشر بين البلدين.

وقد اكتسبت رواندا نفوذاً كبيراً في مجال استخراج المعادن في شرق الكونغو من خلال دعمها لجماعة "إم 23" المتمردة التي تقاتل جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية.

واحتكرت "إم 23" تصدير الكولتان إلى رواندا، والذي يباع بعد ذلك في السوق الدولية، حيث تشير التقديرات إلى أن المتمردين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية صدروا ما لا يقل عن 150 طنًا متريًا من الكولتان إلى رواندا بشكل احتيالي العام الماضي، وهو ما وصفه خبراء الأمم المتحدة بأنه "أكبر عملية فساد لسلسلة توريد المعادن في المنطقة".

وسعت الولايات المتحدة جاهدة لتعزيز مرونة سلسلة التوريد وضمان وصول الأمريكيين إلى هذه المعادن الأساسية.

ونتيجة لاتفاق السلام، تجري الولايات المتحدة حاليًا مفاوضات بشأن اتفاقية معادن مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، واتفاقية منفصلة مع رواندا، يتوقع الخبراء أن تدر مليارات الدولارات من الاستثمارات الأمريكية على المنطقة.

وبالنسبة للحكومة الأمريكية، كان الوصول إلى المعادن الثمينة في المنطقة حافزًا للمساعدة في إنهاء الحرب، حيث أن إنهاءه سيزيل أحد أكبر العوامل المعرقلة للاستثمار في المنطقة، مما يفتح الباب أمام زيادة استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في وسط إفريقيا.

مخططات أمريكية وطموحات الشركات الكبرى

ومن بين الشركات التي تستعد للاستفادة من السلام المستدام في المنطقة هي شركة "كوبولد ميتالز"، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاستكشاف مواقع تعدين جديدة، إذ أعلنت الشركة مؤخرًا أنها ستوسع عملياتها لتشمل جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وفي مايو الماضي، أفادت التقارير أن "كوبولد" توصلت إلى اتفاق مبدئي لشراء حصة شركة تعدين أسترالية في منجم ليثيوم كونغولي.

ويكتسب اهتمام شركة "كوبولد" بالكونغو أهمية بالغة، إذ ساهم كبار المستثمرين فيها في جهود ترامب السياسية؛ فقد تبرع كل من مارك أندريسن، الذي تمتلك شركته أكبر حصة في شركة "كوبولد للمعادن"، وبن هورويتز، وهو ممول آخر من شركة "كوبولد"، بمبلغ 2.5 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية، كما ساهم مالكو الشركة بمليون دولار في حفل تنصيب ترامب.

بالإضافة إلى دعم المعاملات التجارية لأولئك الذين ساهموا في حملته الانتخابية وتنصيبه، فإن تعزيز اتفاقية السلام باتفاقيات المعادن يوفر لترامب أيضًا الفرصة لتعزيز الصناعات الأمريكية الرئيسية التي تعتمد بشكل كبير على المعادن الحيوية التي توجد مناجمها بكميات كبيرة في جميع أنحاء وسط إفريقيا.

ويستخدم ترامب "ثنائية السلام والمعادن" كسلاح فعال في مواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا وآسيا، في إطار صراع الدولتين العظميين للهيمنة على المعادن باعتبارها الطريق الأكثر أهمية الآن للتربع على عرش الاقتصاد العالمي.

وإدراكًا لهذا، تدخل ترامب مبكرًا في الصراع العسكري بالكونغو الديمقراطية؛ ففي مارس الماضي، عندما كانت جماعة "إم 23" المتمردة تهاجم منجم "بيسي للقصدير"، الذي ينتج حوالي 6% من إمدادات القصدير العالمية وتديره شركة "ألفامين" المملوكة جزئيًا للولايات المتحدة، ورد أن الحكومة الأمريكية تدخلت للتفاوض على صفقة تسمح لشركة "ألفامين" بمواصلة عملياتها دون خوف من أي هجوم.

ويأمل فريق ترامب أن يسرع توسيع الوصول إلى المناجم الكونغولية من تصنيع بعض التقنيات في الولايات المتحدة، مثل بطاريات أيونات الليثيوم وأشباه الموصلات.

وجادل ترامب بأن نقل تصنيع هذه التقنيات إلى الداخل يعد ضرورة للأمن القومي ومفيدًا اقتصاديًا للبلاد؛ لكن قبل أن تتحقق كل هذه الفرص والفوائد الاقتصادية، لا بد من انتهاء الحرب، وكان حفل التوقيع يوم الجمعة الماضية الخطوة الأولى.

وهكذا يبدو أن مناجم الكولتان والكوبالت والذهب في الكونغو الديمقراطية ورواندا، التي تشغل الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية، من بين تقنيات أخرى، محركًا رئيسًا لترامب وإدارته نحو البلدين.

مطاردة النفوذ الصيني

وفي إطار سباق الدول العظمى للسيطرة على المعادن، نجحت الصين في الوصول إلى الكونغو الديمقراطية مبكرًا، إذ تهيمن الشركات الصينية في الوقت الحالي بشكل كبير على قطاع التعدين وخاصة إنتاج الكوبالت، حيث تسيطر الشركات الصينية المملوكة للدولة والبنوك المركزية على حوالي 80% من إجمالي إنتاج مناجم الكوبالت.

ويعكس تزايد نفوذ الصين استراتيجيات استثمارية موسعة تقوم بتنفيذها داخل القارة السمراء، ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، ووفقًا لشعار البنية الأساسية (تقوم بها الصين لصالح الدولة) مقابل الحق في التنقيب عن المعادن.

ثروات استراتيجية تشعل الصراع

وتظهر الأهمية القصوى لدولة الكونغو الديمقراطية في اتساع مساحتها وتوفر قرابة 200 مليون فدان صالحة للزراعة، وامتلاكها لأكبر مناجم للثروات المعدنية الاستراتيجية في العالم، فهي تملك 60% من احتياطيات الكولتان العالمية، كما أنها أكبر منتج للكوبالت في العالم، حيث بلغت حصتها 70% من الإنتاج العالمي.

ويشكل الكولتان والكوبالت العمود الفقري للاقتصاد الرقمي العالمي والبنية التحتية للطاقة النظيفة، حيث يستخدم الكوبالت المستخرج من مناجم الكونغو في تشغيل البطاريات القابلة لإعادة الشحن في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمركبات الكهربائية.

وفي الوقت نفسه، يعد النحاس الكونغولي أساسيًا في كهربة قطاعي الطاقة والنقل، ويمكن استخدام هذه المعادن في كل شيء، من بطاريات المركبات الكهربائية إلى الألواح الشمسية وطواحين الهواء.

وإلى جانب الكوبالت والنحاس، توفر مناجم الكولتان في الكونغو معدن التنتالوم، وهو معدن أساسي لتصنيع المكثفات المستخدمة في جميع الأجهزة الإلكترونية تقريبًا، كما تمتلك احتياطيات كبيرة من العناصر الأرضية النادرة الأخرى التي تدعم تصنيع التكنولوجيا، وهي ذات أهمية بالغة للولايات المتحدة والصين.

وتعد الكونغو الديمقراطية من أغنى دول العالم بالمعادن، إذ تحتكر 70% من احتياطيات الكوبالت و70% من الكولتان، المستخدمين في البطاريات والإلكترونيات، إلى جانب كونها المنتج الرئيسي للنحاس في إفريقيا، وتمتلك احتياطيات ضخمة من القصدير والتنغستن والماس عالي الجودة والذهب النقي، إضافة إلى المنغنيز والزنك والكادميوم والليثيوم.

أما رواندا، فتتصدر إنتاج التنتالوم عالميًا، وتعد أكبر منتج للتنغستن في إفريقيا، مع ثروات متزايدة من الذهب، والليثيوم، والبريليوم، والعناصر الأرضية النادرة، كما تحتوي على مناجم للأحجار الكريمة النادرة مثل الياقوت والزمرد، ما يجعلها لاعبًا صاعدًا في سوق المعادن الاستراتيجية.

ويبدو أن جميع تحركات الرئيس الأمريكي، ذات وجهين؛ الأول لخطف الأضواء، وصناعة بطل قومي للسلام، وصورة وردية لأمريكا، والوجه الآخر هو استخدام أقصى درجات القوة عسكريًا واقتصاديًا، لتحقيق انتصارات كبرى على الدولة الأشد منافسة لأمريكا وهي الصين من ناحية، ولضمان السيطرة والهيمنة الكونية لأمريكا من ناحية أخرى. وهكذا، فإن ما يسمى "سلام ترامب" ليس سوى غطاء لـ "نهب منظم لكنوز إفريقيا المعدنية"، ومطاردة "ترامب" للنفوذ الصيني في القارة السمراء ومحاصرة مبادرة "الحزام والطريق".

موضوعات متعلقة