دول الخليج تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتحذر من اتساع رقعة الحرب في المنطقة

بعد أن فاجأت إسرائيل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بضربات جوية وصاروخية صباح اليوم، الجمعة، ونجحت في قتل عشرين قائدًا عسكريًا، وعشرة من العلماء النووين، وجدت دول الخليج نفسها في قلب معركة لم تكن طرفًا فيها، فكان عليها سريعًا تحديد موقفها من تلك الهجمات التي يمكن أن تجلب الخراب في كل دول المنطقة.
وعلى الفور صارعت جميع دول الخيج الستة بإدانة الهجمات الإجرامية الإسرائيلية، واعتبرتها خرقاً فاضحاً للقانون الدولي ومهدداً لاستقرار المنطقة، إذ أكدت سلطنة عمان أن الهجوم جاء في "توقيت بالغ الحساسية" ويبدو أنه يهدف إلى عرقلة المسار الدبلوماسي وإشعال صراع أوسع.
كما أدانت الكويت العدوان الإسرائيلي، معتبرة إياه "انتهاكاً صارخاً لكافة القوانين والمواثيق الدولية" يعرض أمن واستقرار المنطقة للخطر.
وشددت السعودية على "الإدانة والاستنكار الشديدين" للضربات، واصفةً إياها باعتداء صريح على سيادة إيران وأمنها ومخالفةً فجةً للقوانين الدولية.
وأعربت قطر عن “قلق بالغ” من التصعيد، لافتةً إلى أن هذا الاعتداء يشكل خرقاً واضحاً لسيادة إيران وقواعد القانون الدولي، وكذلك حذّرت البحرين من “تداعياته الخطيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي”، داعيةً إلى ضبط النفس وحل الأزمات عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية.
وبدورها، نددت الإمارات بالهجوم “بأشد العبارات” وعبرت عن “قلقها العميق” من استمرار التصعيد، مؤكدةً أهمية التهدئة وتجنب توسيع رقعة النزاع.
وحرصت دول الخليج، على التزام الحياد والسعي لتهدئة التوتر مع إيران، حيث ذكرت رويترز أن وزراء خارجية دول الخليج وأيران التقى في الدوحة واتفقوا على “خفض التصعيد العاجل”، حيث أبلغ المسؤولون الإيرانيين رسالة من الخليج مفادها “الرجاء خفض التصعيد”.
التداعيات الإقليمية على أمن واستقرار الخليج
تضع المواجهة المحتملة بين إيران وإسرائيل دول الخليج في قلب الصراع، نظراً لموقعها الجغرافي الحساس؛ فإسرائيل تتوعد بضرب البرنامج النووي الإيراني، وإيران تهدد بالرد الشامل، ما يثير قلق الخليج بشأن استقرار الملاحة النفطية وتهديد منشآته.
وتشير التقديرات إلى أن منطقة الخليج قد تصبح ميداناً للتصعيد؛ إذ دعت دول الخليج مراراً إلى الحذر من تداعيات أي مواجهة.
وحذر المحللون من أن أي تصعيد قد يرفع منسوب المخاطر على البنية التحتية النفطية في السعودية والإمارات، كما حدث عام 2019 بهجوم أوقف 5% من إمدادات النفط العالمية.
ويرى البعض أن ترسانة إيران الصاروخية تمكنها من استهداف قواعد أميركية في المنطقة، مما قد يتسبب بضغط أمني شديد على حلفاء واشنطن من دول الخليج.
وقد أشار خبراء أميركيون إلى أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها “منخرطة في حربٍ لا ترغب بها، وتخشى دول الخليج منها” بعد أي رد فعل إيراني؛ فبحسب ريتشارد لوبيرون (السفير الأميركي الأسبق لدى الكويت)، فإن أي دورة انتقامية قد تستلزم إمداد إسرائيل وقوات الخليج بالدعم العسكري والاستخباراتي، الأمر الذي سيضع واشنطن في “مركز العاصفة” ويدفع حلفاء أمريكا الخليجيين إلى الاعتماد على الولايات المتحدة لحماية دولهم.
ويضاف إلى ذلك ان ثمة مخاوف من تعطيل محتمل لمضيق هرمز الحيوي لصادرات النفط، وإن كان مختصون يشيرون إلى أن إيران لن تغلقه كلياً بسبب اعتمادها على عائدات النفط.
تهديدات إيران باستهداف القواعد الأمريكية
سبق التصعيد العسكري إعلان إيراني بأن “كافة القواعد الأميركية تحت مرمانا”، مهدداً باستهدافها في حال "فرض علينا صراع"؛ ففي 11 يونيو 2025 أعلن وزير الدفاع الإيراني نجاح اختبار صاروخ بقدرة تدمير عالية وأكد أن طهران ستستهدف أي قاعدة أميركية تُستخدم في فرض الحرب عليها.
وجاء هذا التحذير بالتزامن مع لقاءات دبلوماسية إيرانية-أميركية في الدوحة حول الملف النووي، ما يوحي بأن طهران تسعى لرفع قدراتها الردعية قبل أي تصعيد، وتم اعتبار هذه التصريحات تهديداً مباشراً لدول الخليج التي تستضيف قواعد وقوات أميركية، وهو ما زاد من حدة المخاوف الأمنية في المنطقة.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد نقلت عن نصيرزاده قوله صراحةً: «كافة القواعد الأميركية تحت مرمانا وسوف نستهدف تلك القواعد… إذا فرض علينا صراع".
وتؤكد هذه التهديدات أن أي مواجهة مع إسرائيل قد تتحول بسهولة إلى مواجهة أوسع مع الولايات المتحدة، مما يضع أمن الخليج تحت ما يشبه “طوق النيران” بين قوتين إقليميتين كبيرتين.
الموقف الأمريكي بعد التصعيد
اتخذت واشنطن موقفاً حذراً بعد الهجوم الإسرائيلي؛ فقد نفت الحكومة الأميركية رسمياً أي مشاركة في الضربات، مؤكدة أنها لم تشترك في العملية وأنها سعت إلى اتخاذ “إجراءات لحماية قواتنا الأميركية” في المنطقة.
وصرح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأن “إسرائيل قامت بإجراء أحادي الجانب ضد إيران، ونحن لسنا متورطين في ذلك”، مشدداً على أن “أولويتنا القصوى حماية القوات الأميركية” وأن إيران “يجب ألا تستهدف المصالح أو الأفراد الأميركيين”.
كما أمرت الإدارة الأميركية موظفيها العسكريين والمدنيين في إسرائيل بالاحتماء في أماكنهم حتى إشعار آخر خوفاً من ردٍّ محتمل.
توقعات أمريكية
أبرز المحللون في الصحف الأمريكية والخبراء الإستراتيجيون مخاوفهم من تفاقم الصراع وتورط أميركا ودول الخليج فيه؛ حيث رأوا أن تهديدات إيران برد قاسٍ ستضع واشنطن “في عين العاصفة”، وأن القرار الذي ستتخذه إدارة ترامب بشأن مدى تدخلها سيكون حاسماً لإبقاء إسرائيل في الحملة ضد طهران.
وتوقع مات كروينيج (أيضاً في المجلس الأطلسي) أن المواجهة قد تهدأ سريعاً لأن إيران تمتلك خيارات محدودة للرد، واعتبر أن إسرائيل ركزت على المنشآت التي يمكن ضربها جوياً فقط، مما قد يقلص حافز الانزلاق إلى حرب طويلة.
في المقابل، رأى دبلوماسيون سابقون بأن الصدام سيستدعي حتماً دعم واشنطن لإسرائيل ودول الخليج؛ فقد كتب السفير السابق ريتشارد لوبيرون أن أي تصعيد إيراني ضد إسرائيل سيجبر الولايات المتحدة على تقديم الأسلحة والمعلومات الاستخبارية والدعم الدبلوماسي لحليفتها، خاصة وأن شركاء الخليج “سيتوقعون” مساعدة أميركية بسبب علاقات وثيقة .
وتناولت صحف أميركية بارزة المقالات والتحليلات التي حذرت من التبعات الاقتصادية والنفطية للصراع، منبهةً إلى أن أي تعطيل طويل في إمدادات الطاقة أو ارتفاع أسعار النفط سيؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي.