الأحد 10 ديسمبر 2023 07:58 مـ 27 جمادى أول 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
من داخل لجنة فاطمة الزهراء بالإسماعيلية.. انتظام العملية الانتخابية بالانتخابات الرئاسية 2024 طلاب طب المنصورة الجديدة في عرض اكلينيكي للحالات المرضية رئيس جامعة بنها يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية .. ويؤكد المشاركة واجب وطنى إستمرار توافد الناخبين على اللجان الإنتخابية بنطاق محافظة المنوفية للمشاركة والإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات الرئاسية أنصار المرشح الرئاسي حازم عمر يستقبلونه بالطبل والمزمار في كفر الشيخ النساء والفتيات في مقدمة الناخبين بلجان باب شرق الإسكندرية صحة المنوفية : وكيل وزارة الصحة بالمنوفية تتابع الخدمات الطبية المقدمة خلال الإنتخابات الرئاسية وكيل ”صحة البحيرة”: متابعة مستمرة لسير الاقتراع بلجان الانتخابات الرئاسية رئيس جامعة جنوب الوادي يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية رئيس جامعة المنصورة خلال تفقد لجنة المغتربين محافظ البحر الأحمر يترأس غرفة العمليات الرئيسية للإنتخابات الرئاسية 2024 مشاركات واسعة للمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب بالدقهلية في الانتخابات

المحافظات

20 عام داخل مخمرة الطين… حكاية «جليلة» ابنة قنا أقدم صانعة طوب أخضر في الصعيد: «ربيت ابني من عرق جبيني» (صور)

لم تستلم لظروفها المريرة التي وضعتها الحياة بها دون سابق إنذار بعد انفصالها عن زوجها، ولم تقف مكبلة اليدين تنتظر من يعطف على طفلها الوحيد ممن حولها، بل ضربت مثلًا عظيمًا للمرأة المكافحة التي تحدت كل ما واجهته من صعاب بالعمل الشاق الذي يُجهد منه الرجال كالعمل في رعي الأغنام داخل الصحراء، وبيع الحشيش على عربة كارو وأخيرًا صناعة الطوب اللبن الذي أصبح مهنتها منذ أكثر من 20 عامًا للإنفاق على نفسها وابنها الذي لم تجعله يشعر بالاحتياج طيلة حياته.

هي البطلة السيدة "جليلة"، صاحبة ال65 عامًا، ابنة إحدى قرى محافظة قنا، منفصلة ولديها ابن أصبح شريكها في رحلة كفاحها حاليًا، وتعمل في صناعة الطوب الأخضر "دق الطوب اللبن"، تلك المهنة التي اشتهر بها الرجال خاصة في الصعيد ويعاني أصحابها من كل مراحلها الشاقة، لكن صاحبة قصتنا لم تنظر سوى لتلبية احتياجات ابنها فرسمت طريقها وسط مخمرة الطين والغبار وجعلت التراب رفيقًا لها في الحياة.

التقت "النهار" مع السيدة جليلة لعرض قصتها بعد المعايشة معها يومًا كاملًا في عملها للتعرف على كيفية تخطيها المراحل الشاقة ل "صناعة الطوب اللبن" وسط مجموعة من العمال الرجال، ورغم كبر سنها وإلحاح نجلها عليها باستمرار بالراحة ليستكمل هو مشوارها إلا أنها دائمًا تصدمه بالرفض والإصرار على العمل من أجل جمع قوت يومها وحتى لا تحمله فوق عاتقه كونه متزوج ولديه 4 أبناء يحتاجون إلى مستلزمات.

قالت "ابنة قنا" أن عملها يبدأ في الساعة السادسة صباحًا عندما تستيقظ وتخرج مباشرة إلى التراب التي قامت بشرائه وتخزينه في السابق تقلب فيه عدة دقائق بالجاروف ثم تلقيه داخل حفرة ممتلئة بالمياه يُطلق عليها "المخمرة" وتتركه على الأقل يومين مع التقليب باستمرار حتى يصبح الخليط كتل طينية متماسكة مع وضع مكونات أخرى مثل مخلفات المواشي ليزداد الطين تماسكًا، ثم تجرف منه داخل البرويطة وتتجه بها للمكان الذي تصنع فيه الطوب ويتميز دائمًا بالإتساع مع تواجد جردل المياه والتبن والقالب الخشبي المعروف بالشكل المستطيلي فهذه الأدوات من أساسيات مهنتها.

وأضافت السيدة "جليلة"، بعد الانتهاء من المراحل السابق ذكرها تبدأ في الصناعة بوضع الطين داخل القالب الخشبي المستطيلي وتساويه بيديها والمياه ثم ترفع القالب وتضعه بجوار السابق وتستمر هكذا حتى ترسم المكان حولها بقوالب الطوب المصفوفة المتساوية، وعندما ينتهي الطين تنتظر يومين إذا كان عملها في فصل الصيف وأكثر في الشتاء لتبدأ تقليب قوالب الطوب يوميًا في اتجاه الشمس حتى تجف لتنقلهم على جوانب المكان الذي تعمل به وتستمر هكذا حتى يكتمل عدد الطوب التي قررت من البداية صناعته.

وذكرت "صانعة الطوب اللبن" في قنا، بعد ذلك تأتي المرحلة الأصعب هي حرق الطوب وتحويله للون الأحمر يستخدمه الناس في البناء بالمسلح، لم تجتازها بمفردها كما فعلت في مراحل الصناعة بل يساعدها نجلها ومجموعة من العمال الآخرين لصعوبتها خاصة في بناء الطوب حتى يصبح ما يـطلق عليه "الأمينة" بنظام معين ووضع البنزين والأخشاب في كافة جوانبها للإشعال بها يومًا كاملًا تظل بجوارها طوال الليل حتى لا تنطفئ وبعد فترة لا تقل عن شهر تستخرج الطوب وتقوم ببيعه للتجار، وبهذه الطريقة كان عمل ابنة قنا منذ سنوات عديدة لتوفير دخل لها.

«سعيدة رغم قساوة الدنيا عليا»، بهذه الكلمات ختمت السيدة "جليلة" حديثها، كونها لم تستسلم لمعيشتها الصعبة التي فُرضت عليها فلم تمد يدها يومًا للأقارب أو الغرباء رغم الآلام التي كانت تصرخ منها طوال الليل من ظهرها لجلوسها فترات طويلة في صناعة الطوب تحت أشعة الشمس الحارقة، والسير بالبرويطة محملة بالطين ويديها التي تحولت لممرات من كثرة الجروح التي صادفتها، جعلت الكل بقريتها يشهد بقصة كفاحها العظيمة ومدى تحملها للظروف القاسية، موضحة أنها تتمنى ختام مسيرتها الشاقة بزيارة بيت الله الحرام وقبر الرسول.