الخميس 28 مارس 2024 04:14 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: قمم السعودية ومبدأ مونرو الأمريكي

النائب أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
النائب أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

نحاول أن نفض الاشتباكات ونفك الشفرات لما يجري من أحداث في العالم المتغير والمتقلب، في قراءة محايدة تفسر وتحلل: لماذا القمم السعودية مع الصين وإفريقيا في هذا التوقيت؟
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة من القلق والتوتر نتيجة المواقف السعودية الأخيرة، وخاصة بعد انعقاد القمة الصينية السعودية العربية، فهذا بالنسبة لأمريكا مؤشر خطير بأن السعودية تتمرد على مبدأ مونرو الأمريكي الذى تم وضعه منذ 200 عام، والذي يعطي أحقية مطلقة للأمريكان بالتدخل ضد أي دولة بحجة الحفاظ على مصالحهم الأمنية والمادية، وذلك للحفاظ على الهيمنة الأمريكية، ولو جاء ذلك على حساب بقية دول العالم.
ولكن ما لا تفهمه الإدارة الأمريكية أن المارد الصيني يتعامل مع الواقع السعودي باحترام وبسياسة تعاون وعدم تدخل في الشئون الداخلية، وعدم اللعب بورقة الحريات وحقوق الإنسان التى تحولت إلى فزاعة يستخدمها الأمريكان عند اللزوم.
إن زيارة بايدن الأخيرة للرياض كانت محاولة مكشوفة لكسب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وخاصة بعد القرار الذي وافقت عليه السعودية في أوبك بلس، الذي استفز كل مراكز القرار السياسي الأمريكي على كل المستويات، وخاصة الكونجرس، الذي أعلن صراحة أن هذا القرار يعني انحياز السعودية لروسيا والصين، مع أنه مجرد قرار يحافظ على المصالح الاقتصادية للدول التي اتخذته، ولكن يبدو أن الأمريكان لن ينسوا أبدًا أن السعودية كانت أول دولة تستخدم ورقة النفط والبترول في الصراع العربي الإسرائيلي إبان حرب 1973، فهذا الحظر العربي للنفط في السبعينيات هز العالم الغربي والأمريكان بصفة خاصة.
فالتخوف الأمريكي حاليًّا هو أن تصل العلاقات السعودية الصينية إلى حد التعاون العسكري الشامل، وتوقيع عقود طويلة الأجل لتوريد النفط بأسعار مناسبة، وهو ما قد يطيح بالولايات المتحدة من وضعها كقطب أوحد عالميًّا.
ونتيجة لهذه التخوفات، ورغم المواقف الدبلوماسية التي أعلنت أن التقارب السعودي الصيني شأن داخلي، فإن كثيرًا من مراكز صنع القرار أعلنت صراحة أن المواقف الأخلاقية يجب ألا تكون على حساب ما اعتبروه أمنًا قوميًّا أمريكيًّا، وأن الإدارة الأمريكية عليها أن تفعل كل ما يمكن للحفاظ على مكانة أمريكا المهيمنة على العالم في مواجهة الطوفان الصيني في كل المجالات الاستراتيجية.
والحقيقة أن الدولة السعودية وقيادتها لا تفعل إلا أنها تستخدم أدواتها الفاعلة سواء دبلوماسية أو اقتصادية أو سياحية أو دينية، لتكون المملكة عضوًا فاعلًا في تشكيل القرار العالمي، وللحفاظ على المصالح الاقتصادية لشعبها، وهذا يمنحنا أملًا كبيرًا بأن يكون ذلك بداية لتطبيق فكرة الوحدة الاقتصادية العربية الحقيقية على أرض الواقع، وتشكيل وعي عربي جمعي قادر على مواجهة المشاريع الاستعمارية المستقبلية التي تهدف لنهب خيرات العالم العربي.
وأعتقد أن القمم السعودية العربية مع الدول الفاعلة في العالم هي بداية حقيقية لتحالف عربي يواجه التكتلات الأمريكية والأوروبية في عالم متغير بسرعة تقلب المواقف الأمريكية التى لا تُؤتَمَن، وما جرى في أفغانستان والعراق خير شاهد.
فهذه القمم السعودية هي رسالة إلى من يهمه الأمر..
إذا فهم الأمر أصلًا.