النهار
الأربعاء 21 مايو 2025 03:15 صـ 23 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
مستشفى جديد للطوارئ بمنى.. و٧١ مركزا اسعافيا بمسارات المشاعر .. وتبريد ٨٥ الف متر بمحيط مسجد نمرة رئيس جامعة الأزهر يتفقد لجان امتحانات كلية القرآن الكريم بطنطا «داود» يؤكد على أهمية الوعي المجتمعي في مواجهة التحديات المعاصرة تكريم الفائزين بجائزة الملك حمد للتنمية الزراعية في نسختها الخامسة ”طاجيكستان والأنهار الجليدية ٢٠٢٥ ..نحو مقاربة جديدة” ندوة بمركز الحوار مملكة البحرين تعزي مصر في ضحايا سقوط طائرة تدريب عسكرية بالجهود الذاتية....رئيس جامعة الأزهر ومحافظ الغربية يفتتحان مسجد «رياض الجنة 2» رئيس جامعة الأزهر ومحافظ الغربية يفتتحان ندوة بعنوان «التواصل بين الوالدين من أجل التربية الإيجابية» OPPO تُطلق Find N5 القابل للطي لأول مرة في مصر وتحدد معايير جديدة لمستقبل الهواتف الذكية أورنچ مصر تُحدث نقلة نوعية بإطلاق OPPO Find N5 حصريًا لعملائها محافظ كفرالشيخ وقائد قوات الدفاع الشعبي والعسكري يستعرضان مشروع التدريب العملي المشترك «صقر 150» لمجابهة الأزمات والكوارث محافظ البحيرة تكرّم مديرى الشئون المالية والتعاقدات لاجتيازهم برنامج تدريبي متخصص

عربي ودولي

ثورة 30 يونيو.. منعطف حاسم في وقف نزيف الفوضى وصيانة الأمن القومي العربي

فى إحدى حلقات الجزء الثانى من مسلسل “الاختيار” الذى بثته الفضائيات المصرية خلال شهر رمضان للعام الجارى (2021م ــ 1442هـ)، دار حوار بين أحد أبطال المسلسل، كريم عبد العزيز، وأحد الضباط، حيث اعتبر هذا الأخير، أن مواجهة الحركات الإسلامية الجهادية، أشبه بمعركة مفتوحة وطويلة الأمد، فجاء رد كريم عبد العزيز مفاده أننا إزاء حرب حقيقية، وليست مجرد معركة.

وفى إحدى الحلقات الأخيرة من الجزء الأول من المسلسل نفسه، والذى بث خلال شهر رمضان للعام الماضى (2020م ــ 1441هـ)، وفى مشهد جسدته المشاركة الوحيدة للممثل أحمد السقا، عندما حاور المعتقل هشام عشماوى، أشار السقا إلى أن مصر سوف تلاحق هؤلاء، وتلاحق من يقف وراءهم، ومعها الأجهزة التى توظف هذه الجهالات فى صراعات المنطقة، كأن السقا هنا يشرح ويُبسط مفهوم الأمن القومى للمتفرج، الذى لا يفقه فى تطبيقات ومقتضيات المفهوم.

تكمن أهمية هذه الإشارات أو الرسائل، فى أنها تمارس ما يُشبه محو الأمية لدى الرأى العام، بما فى ذلك النخبة البحثية والإعلامية والفكرية وغيرها، لأنه اتضح بعد مرور أحداث «الفوضى الخلاقة» (2011 ــ 2013 ) أو أحداث ما يسمى «الربيع العربي» بتعبير مجلة «شئون خارجية» الأمريكية، أن تأثير غسيل الدماغ الذى مارسته العديد من المراكز البحثية والمنابر الإعلامية والفضائيات، وخصوصاً فضائية الفتنة، أفضى إلى تزييف وعى شعوب المنطقة، وأن عملية التزييف هذه لم تصب الرأى العام وحسب، إنما أصابت نسبة من نخب المنطقة، من التى صدقت أن ما جرى فى مصر، بين يناير 2011 ويونيو 2013، كان ثورة من أجل الديمقراطية، على أساس أن خطاب «الحاكمية» و«الجاهلية» و«الولاء والبراء» و«الخلافة» وما جاور أدبيات الحركات الإسلامية، يُفيد أننا إزاء ثورة ديمقراطية حقيقية، بينما الأمر خلاف ذلك، ولعل العديد من المشاهد والوقائع التى جاءت فى المسلسل، سالف الذكر، ضمن أعمال أخرى موازية أو منتظرة، كفيلة بالمساهمة فى التصدى لآثار تزييف الوعى هذا.

تُحيل هذه النماذج البحثية والإعلامية والدينية على الأدوار الوظيفية التى قامت ولا تزال تقوم بها العديد من المؤسسات البحثية والإعلامية والسياسية والإيديولوجية وغيرها، ومما يُحسب لصناع القرار فى مصر منذ منعطف يونيو 2013، أنهم شرعوا فى التصدى لهذه الجبهات، إلى درجة أن الأمر تطلب الاشتغال على الواجهة الفنية، كما سلف الذكر مع رسائل وإشارات مسلسل “الاختيار”، وهى رسائل لا تهم مصر وحسب، إنما تهم دول المنطقة، وبالتالى تهم الأمن القومى للمنطقة العربية، مع التذكير هنا بأننا نتحدث عن مفهوم الأمن القومى الذى يُفيد انخراط دولة وطنية ما، فى تأمين مواطنيها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ضد أى أخطار متعددة، بمقتضى التحديات المرتبطة بالانفتاح الواسع على العصر الحديث، فالأحرى الأخذ بعين الاعتبار مخططات بعض دول المنطقة، وبعض القوى العظمى.

لقد استهدف مشروع “الفوضى الخلاقة” أغلب دول المنطقة، وبالتحديد تونس ومصر وليبيا والبحرين والمغرب وسوريا، ولا تزال اللائحة مفتوحة، لولا أن قوس 30 يونيو 2013، كان منعطفاً حاسماً فى إيقاف نزيف الفوضى، لأنه أعلن عن إغلاق قوس كان يهدد الأمن القومى العربى برمته، ما دام الأمر يتعلق بالحالة المصرية، عملاً بمقتضيات المثل البريطانى الذى جاء فيه:”إذا عطست مصر، أصيبت منطقة الشرق الأوسط بالزكام”، ولذلك تعتبر مصر فى الدراسات الإستراتيجية، قبل وبعد منعطف انهيار جدار برلين (1989)، بمثابة رمانة الميزان فى العالم العربى.

ولعل تأمل نتائج الفوضى الخلاقة فى الساحة الليبية، وأثرها على أمن المنطقة وأمن جنوب أوروبا، أشبه بنموذج مصغر للأمن القومى العربى نفسه، لو سقطت مصر حينها، وبيان ذلك كالتالى:
لم تكن ليبيا دولة مؤسسات، بسبب طبيعة النظام السياسى الذى أسسه وكرسه العقيد معمر القذافى، وإحدى نتائج هذه الفجوة السياسية البنيوية فى الساحة الليبية، أننا سنعاين عدة قلاقل أمنية وسياسية واجتماعية على الصعيد الليبى والإقليمى مباشرة بعد مقتل القذافي، سواء فى الصراعات التى جرت محلياً، أم فى ارتفاع مؤشرات الإرهاب والهجرة السرية، ضمن قلاقل أخرى.

وإذا كان الثقل السياسى والاقتصادى والحضارى لليبيا، بتواضعه مقارنة مع نظيره المصرى، قد أفضى إلى هذه القلاقل، فلنا أن نتخيل مصير مصر والمنطقة العربية، وبالتالى مصير الأمن القومى العربى لو أن سيناريو “الفوضى الخلاقة” تحقق فعلاً فى الساحة المصرية.

وتكمن أهمية الثقل المصرى فى صيانة والدفاع عن الأمن القومى العربى، عندما نأخذ بعين الاعتبار أن المجالات الإستراتيجية الحيوية التى يشتعل عليها هذا الأمن القومي، تهم خمسة مجالات على الأقل، ويتعلق الأمر بالمجال العربى والمجال الإفريقى ومجال خوض نهر النيل ومجال البحر الأبيض المتوسط، وأخيراً، مجال يهم البحر الأحمر.

هذا هو السؤال المسكوت عنه، أو المحرم من التداول فى إعلام “العمالة” أو إعلام الفتنة، أو إعلام الإخوان وإعلام المتأسلمين بشكل عام، هنا فى المنطقة، كلما تعلق الأمر بالحديث عن أحداث يناير 2011 ويونيو 2013، أى السؤال التالى: ماذا لو نجح سيناريو “الفوضى الخلاقة” فى مصر؟ لأن الإجابة عن السؤال، والتفصيل فى الإجابة، تفضى إلى كشف حقيقة جميع المتورطين فى هذه الفوضى، سواء تعلق الأمر بقوى إقليمية، أم بأدوات وظيفية، بما فيها المشروع الإخوانى فى المنطقة، ومن يقف وراء المشروع، بالدعم والاحتضان والدعاية.

كان من المفترض أن تتعظ أقلام الفتنة وأقلام الفوضى، من تطورات الساحة المصرية والعربية منذ يناير 2011، حتى يونيو 2013 على الأقل، ويكفى تأمل المستجدات التى نعاينها فى الساحة المصرية، سواء محلياً أم إقليمياً، من قبيل الحضور الوازن فى الملف الليبى، ترسيم الحدود مع اليونان، استعادة دورها المحورى فى القضية الفلسطينية، تدبير ملف سد النهضة، ضمن قضايا أخرى، لولا أن نسبة لا بأس من تلك الأقلام، السياسية والإعلامية والدينية وغيرها، لا تزال منخرطة فى غيها، إما لأنها لا تزال مؤمنة بنسخة جديدة من أحداث “الفوضى الخلاقة”، أو لأنها مجرد أداة وظيفية فى أيدى جهات ومشاريع إقليمية ودولية، وهذا تحد مفتوح على مصر، لكى تستمر فى المواجهة، لأننا فى حالة أشبه بحالة حرب، إن لم تكن كذلك بالفعل، ومكانة مصر فى المنطقة، تفرض عليها أن تكون فى الواجهة، دفاعاً عن شعب مصر وعن شعوب المنطقة.