قصة حياة مؤسس حرب العصابات.. الخطابي طرد من المغرب ودفن في مصر

ذكرت تقاير إعلامية أن جناح «الكماليون» داخل الإخوان المتبنى للعنف المسلح، يدرس سيرة المغربي عبد الكريم الخطابي، الذي وضع أسس حرب العصابات، وطرق تشكيل الجيش الشعبي في المغرب لمواجهة الاستعمار الفرنسي الإسباني، للسير على نهجه في مواجهة أجهزة الدولة، وخلال التقرير التالى ترصد "فيتو" أبرز المعلومات عن الخطابى.
الثائر الأمازيغي
وُلِدَ المناضل المغربي الأمازيغي محمد بن عبد الكريم الخطابي في بلدة أغادير بالمغرب الأقصى عام 1882، ونشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده، الذي كان يتزعَّم قبيلة بني ورياغل لتسمية الأمازيغية "أو آيت ورياغر"، تلقى تعليمه في جامعة القرويين؛ حيث درس العلوم الشرعية واللغوية، وتولَّى منصب القضاء الشرعي في مدينة مليلة.
المحاكم المختلطة
في مدينة فاس المغربية، تولى الخطابي القضاء في المحاكم المختلطة بمدينة مليلية لحل المنازعات بين الإسبان وسكان الريف، وهو ما جعله يعايش المهانة التي يتعرض لها أبناء جلدته على أيدي المحتل الإسباني.
بعد ظهور نزعته الاحتجاجية واعتراضه على عدد من تصرفات السلطات الإسبانية، وأثناء الحرب العالمية الأولى عاقبت السلطات الإسبانية عبد الكريم لأنشطته المناهضة للاستعمار بتهمة التآمر مع القنصل الألماني د. ڤالتر زشلن، وسـُجن في شفشاون من عام 1916م إلى عام 1917م، وبنهاية الحرب استعاد عبد الكريم الخطابي منصبه لفترة قصيرة، إلَّا أنه خوفًا من تسليمه للفرنسيين لنيل عقابه منهم، سرعان ما عاد إلى بلدته أغادير في يناير 1919.
قيادة التحرير
بعد إطلاق سراحه ولمكانة عائلته في المنطقة قام بتوحيد جهود القبائل الريفية فسافر عبر قرى الريف من أجل استنهاض السكان وتعبئتهم ضد المحتل، وتزعّم قبيلته" أو آيت ورياغر" بعد وفاة والده سنة 1920 وحمل راية الجهاد، وهو ابن التاسعة والثلاثين، وقد حَنَّكَتْهُ التجارِب وصقلته الأيام، ووَحَّد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد، وقد أصبح هدفه آنذاك توحيد كل قبائل الريف في جمهورية الريف المستقلَّة.
وخلال العشرينات من القرن الماضي، خاض عبد الكريم الخطابي، أو "رقايذ محند" كما يسميه أهل منطقة الريف بالشمال المغربي كفاحا مسلّحا ضد فرنسا وإسبانيا بسبب احتلالهما لبلاده مظهرا وأنصاره وفاء وطنيّا عاليا، وقدرة قتالية سوف تبهر في ما بعد العديد من الحركات الوطنية في العديد من البلدان المولّى عليها.
حرب الريف
حرب الريف كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولَّى مقاليد الأمور في منطقة الريف، وقد حَنَّكَتْهُ التجارِب وأصقلته الأيام، ووَحَّد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.
وتعد أهم معارك عبد الكريم الخطابي، ضد المستعمر الإسباني الفرنسي، معركة " أنوال"، والتي استطاع بأسلوب حرب العصابات أن يلحق الهزيمة القاسية ضد الجنرال الإسباني سلفستر قائد قطاع مليلية.
وبعد انتصاره الباهر في معركة "أنوال" عام 1921م، وخسارة إسبانيا نحو 14 ألفا من جنودها بين قتيل وجريح، أسس عبد الكريم الخطابي الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف، المعروفة تاريخيا باسم "جمهورية الريف" في 18 سبتمبر 1921، ووضع لها دستورًا وبرلمانًا، وتم حلها في 27 مايو 1926 بقوة فرنسية إسبانية، بعد استخدام المستعمر الأسلحة الغازية المسمومة «الكيماوية» ضد قوات الخطابي.
فرق الكوماندوز
يسجل للخطابي أنه كان المفجر الأول لحركات التحرر وما تعرف بحرب العصابات في العلم العسكري، فقد ابتكر تكتيكات عديدة تسجل له منها "الخندق الواحد"، أي جندي أو اثنان في كل خندق وأن تكون هناك مسافة فاصلة بين خندق وآخر حتى لا تكون الخسائر البشرية كبيرة في حال سقوط قذائف.
كما طوّر حرب العصابات من حرب كرّ وفر إلى حرب تسعى لتحقيق مكاسب على الأرض، فكان لا يخلي أي أرض استولى عليها، بل يبقي فيها قوة حامية وكان ذلك أساس حصوله على مساحة كافية لإعلان جمهورية الريف.
وترك كما يقول محمد أمزيان مؤلف كتاب "محمد عبد الكريم الخطابي آراء ومواقف 1926 - 1963": "تراثا زاخرا بالتجارب والدروس"، وكانت له "الريادة في تطبيق فنون قتالية لم تكن مألوفة مثل استحداث فرق المهمّات الصعبة "الكوماندوز"، وحرب العصابات، وتنظيم الجيش الشعبي القادر على خوض أطول المعارك بالاعتماد على التمرين الذاتي".
اللجوء لمصر
غير أنه في سنة 1947 قرَّرت فرنسا نقله من جزيرة لارينيون إلى إحدى الجزر بالمحيط الهندي، على متن سفينة، فلمَّا وصلت إلى ميناء بورسعيد تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجَوْهُ أن يتقدَّم باللجوء إلى مصر ليُواصل مسيرة الجهاد من أجل تحرير المغرب، وأسَّس مع أبناء المغرب العربي لجنة أطلقوا عليها «لجنة تحرير المغرب العربي»، تولَّى هو رئاستها في 9 من يناير1947.
لقاؤه بمؤسس الإخوان
وفي القاهرة التقى عبد الكريم الخطابي، بمؤسس الجماعة حسن البنا، وأعجب به وبدعوته، وداوم على الحضور إلى المقر العام للإخوان، وتواصل بشكل كبير مع قسم «الاتصال بالعالم الإسلامي» التابع للمركز العام للإخوان بالقاهرة.
وتشير بعض التقارير الإخوانية إلى أنه انتمى إلى جماعة الإخوان، لكن حتى لم تؤكد عائلة الخطابي هذا الادعاء من قبل جماعة الإخوان.
ملهم القادة
واستلهمت سيرته السياسية والعسكرية العديد من الحركات التحررية العالمية من الاستعمار.
فقد كان عبد الكريم الخطابي مصدر إلهام مباشر لكل من مؤسس الدولة الفيتنامية الشمالية "هوشي مينه" ومؤسس جمهورية الصين الشعبية "ماو تسي تونج" بفضل حرب إستراتيجيته المتمثلة في حرب العصابات، والتي استطاع من خلالها دحر قوتين استعماريتين كبيرتين (إسبانيا وفرنسا) لمدة خمس سنوات، من 1921 إلى 1926.
وقد قال الزعيم الصيني ماوتسي تونج عنه: "أن أول درس تعلمته في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال والكفاح الذي قاده عبد الكريم الخطابي في الريف بالمغرب".
يذكر أن الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا، الذي كان رفيق الزعيم الكوبي فيدل كاسترو في حملة الزحف على العاصمة الكوبية عام 1378 للهجرة (1958 م)، حرص عند زيارته القاهرة على لقاء عبد الكريم الخطابي وتحيته كأحد أول الملهمين لحركات التحرر في العالم.
وفاته بالقاهرة
انتقل الخطابي إلى جوار ربه في الثاني من شهر فبراير عام 1963 بالقاهرة التي دفن بها في مقابر شهداء القوات المسلحة إلى جوار قبر الرئيس الأسبق محمد نجيب، وهناك مطالب مغربية باسترجاع رفاته لمسقط رأسه.