السبت 4 مايو 2024 02:30 مـ 25 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

إعفاء السكر الخام من التعريفة الجمركية يدمر الصناعة الوطنية

لم يمر سوى بضعه أيام قلائل على قرار زيادة التعريفة الجمركية لبعض من السلع المستوردها وعلى رأسها الجلود والسكر الخام، ليخرج رئيس الوزراء شريف إسماعيل بقرار جديد وهو إعفاء مستوردى السكر الخام من التعريفة البالغة 20٪ حتى نهاية عام 2016، وذلك بأثر رجعى اعتبارا من 20 مايو الماضى، ذلك القرار الذى تباينت حوله الآراء فهناك من رأى أنه قرار جيد من شأنه أن يساهم فى سد العجز الموجود بالمنتج المحلى، فى حين رأى البعض الآخر أن القرار يخدم بالضرورة كبار المستوردين من رجال الاعمال ويضر بالصناعه الوطنية.

 

لذا استطلعت "النهار" آراء عدد من الخبراء والمختصين حول الاثار المترتبة على القرار وهل يخدم المواطن محدود الدخل أم يخدم كبار المستوردين؟.. وجاءت إجابتهم خلال السطور القادمة.
فى البداية، أكد حسن الفندى رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات أن قرار إعفاء مستوردى السكر الخام من التعريفة الـ20% لنهاية العام الجارى قرار صائب وجاء فى التوقيت المناسب، خاصة فى ظل تفاقم حجم العجز بحجم المعروض المحلى، إذ إن مصر تنتج سنوياً نحو 2 مليون طن، فى حين يبلغ حجم الاستهلاك 3 ملايين طن، وبالتالى كان لابد من سد فجوة العجز والمقدرة بمليون طن خلال العام الجارى لحين أن تستلم المصانع الوطنية الانتاج الجديد من قصب السكر والبنجر خلال يناير المقبل.
وأوضح الفندى خلال تصريحاته لـ"النهار" أنه إذا استمر العجز بحجم السكر المحلى فلابد على الحكومة ألا تقتصر بإلغاء الضريبة للعام الجارى فقط وعليها أن تمدها لحين حل أزمة العجز بالسكر المحلى، خاصة أن تطبيق القرار سيؤدى بالضرورة إلى ارتفاعات كبيرة فى الأسعار، متوقعاً أن تنتهى أزمة العجز على خلفية استعداد عدد من المصانع الجديدة الدخول فى صناعه السكر خلال الفترة المقبلة.
فى حين أكد الدكتور إيهاب الدسوقى، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية، أن القرار صحيح حتى لا يلقى اللوم على الحكومة بأنها صاحبة القرارات المفاجئة فما كان أمامها سوى أن تقرر إلغاء الزيادة الجمركية لنهاية العام حتى تخلى مسئوليتها بأنها المسئولة عن ازمات جديدة سواء للمستوردين أو التجار، مشيراً إلى أن القرار إن كان صحيحاً فإنه فى الوقت ذاته مؤقت ومن ثم سيكون المستفيد الاكبر منه المستوردين والتجار.
وأشار الدسوقى إلى أن زيادة التعريفة الجمركية على السكر الخام من شأنها أن تمنع حدوث ظاهرة إغراق السوق المحلية بالسكر المستورد خاصة أن استيراد السكر يحمل الدولة أعباء جديدة هى فى غنى عنها مادام الإنتاج المحلى يكفى حجم الاستهلاك، موضحاً أن ضرائب الـ20% والتى تم فرضها على السكر المستورد تحمى بالضرورة الصناعه الوطنية ومصانع القصب والبنجر التى طالما اشتكت من إغراق السوق المحلية بالمستورد.
واضاف الدسوقى أن قرار تعديل التعريفة الجمركية سيقلل أيضاً من حجم الاعتمادات المستندية من قبل المستوردين وبالتالى سينخفض حجم الطلب على الدولار، فضلاً عن أنه سيؤدى إلى تشجيع الصناعة الوطنية ودعمها لفتح الابواب أمام التصدير وتوفر العملة الصعبة للبلاد، الأمر الذى يساهم فى تشغيل عمالة جديدة بجانب تقليل العجز بميزان المدفوعات للبلاد.
فى حين رفض الدكتور محمد عبدالحليم عمر، أستاذ الاقتصاد بجامعة الازهر، إلغاء القرار بأثر رجعى قائلاً إن أى قانون يتم تنفيذه من تاريخ صدوره، ومن ثم فإلغاؤه يمنح المستوردين إغراق السوق المحلية بالمستورد وتحقيق أرباح من وراء ذلك استعدادا للقرار الجديد والمقرر تطبيقه من يناير المقبل.
وأضاف عبدالحليم- خلال تصريحاته لـ"النهار"- أن القرار سيضر بالضرورة الصناعة الوطنية فضلاً عن أنه سيؤدى لارتفاع أسعار السكر خاصة فى ظل ارتفاع أسعار السكر عالمياً فضلاً عن وجود عجز بالمخزون المحلى حيث إن حجم العجز بين الانتاج والاستهلاك يبلغ بنحو مليون ونصف مليون طن، وبالتالى فقرار إعفاء مستوردى السكر الخام من التعريفة البالغة 20٪ حتى نهاية العام الجارى سيساهم فى إغراق السوق المحلية بالسكر المستورد، ومن ثم ستزداد معدلات الاستيراد على معدلات التصدير ومن ثم سيتفاقم حجم العجز بالميزان التجارى للبلاد.
وأشار عبدالحليم إلى أن مصر ليست بحاجة إلى استيراد السكر، إذ إن حجم الانتاج المحلى سنويا يقدر بنحو 2.5 مليون طن، وهذا الانتاج كاف تماماً لحجم الاستهلاك بل يزيد خاصة أن حجم الراكد من المخزون المحلى بالمصانع الوطنية يزيد على نصف مليون طن، وهذا ما كشفت عنه المصانع المحلية خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن حجم العجز الناجم خلال هذا العام جاء نتيجة سياسة "التعطيش" التى لجأ إليها كبار التجار والمحتكرين لترتفع أسعار السكر مثلما حدث مع الارز، ومن ثم فإلغاء رسم الاستيراد سيفتح الباب على مصراعيه لكبار المستوردين وإغراق السوق المحلية بالسكر المستورد.
فى حين أكدت الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن قرار إلغاء رسوم الحماية على السكر المستورد له إيجابياته المتمثلة فى زيادة حجم المعروض المحلى وسد فجوة العجز المحلى كما أنه سيدفع التجار المحليين بطرح السكر الموجود بمخازنهم والابتعاد تماماً عن سياسة تعطيش السوق، إلا أنه فى الوقت ذاته له سلبياته المتمثلة فى ضياع الصناعه الوطنية وعدم قدرتها على منافسة المستورد فضلاً عن أنه يؤدى لارتفاع أسعاره على خلفية ارتفاع سعر الدولار وارتفاع الأسعار العالمية للسكر.
وأعربت الحماقى- خلال تصريحاتها لـ"النهار"- عن اندهاشها من إلغاء قرار فرض رسوم الحماية على السكر بعد ساعات قليلة من إقراره، قائلة إن هذا الأمر إن دل على شىء فيدل على غياب الرؤية الاقتصادية للحكومة، وكأن الحكومة لا تعرف ما هى القرارات التى تخدم المستهلك من القرارات التى تخدم المحتكرين ورجال الاعمال، وطالبت الحكومة بأن تبتعد عن سياسة التخبط بقراراتها خاصة أن السوق المصرية تعد من الأسواق الحرة المفتوحة- سوق العرض والطلب- وبالتالى لا ينبغى أن تتخذ الحكومة أى قرارات مفاجئة بتقييد الاستيراد لأن هذا الأمر من شأنه أن يضر بمعدلات الاستثمار خلال الفترة المقبلة وبالأخص مصانع تكرير السكر التى تم إنشاؤها خلال الأيام الماضية وعلى رأسها شركة "صافولا" التى وقعت عقوداً استثمارية بفرض رسم جمركى 1% على السكر الخام لتفاجأ بزيادته لـ20%.
فى حين أكد عبدالحميد سلامة، رئيس شركة الدلتا للسكر، أن القرار جاء فى التوقيت المناسب ولن يؤثر على الإطلاق على الصناعة الوطنية وهدفه الاساسى هو سد فجوة العجز بحجم المعروض والذى تسبب فيه عدد من رجال الاعمال والتجار الذين انتهجوا سياسة تعطيش السوق واكتناز السكر المحلى بمخازنهم أملاً فى تحقيق أرباح هائلة جراء ذلك، لافتاً فى الوقت ذاته أن إلغاء قرار الرسوم الوقائية على السكر المستورد لن يؤثر على الأسعار إطلاقاً خاصة أن أسعار السكر المستورد تنخفض على الأسعار المحلية بنحو 80 دولارا فى الطن، ومن ثم فهذا الأمر سيساهم فى خفض أسعار السكر مجدداً بعدما ارتفعت خلال الأيام القليلة الماضية.
وأضاف سلامة أن تأجيل تطبيق القرار لبداية العام المقبل هدفه عدم إلحاق أى أضرار لأى من المستوردين، معرباً عن تفاؤله بقرار زيادة رسوم الحماية بأنه "بادرة أمل وخير" لحماية الصناعة الوطنية وردع سياسة إغراق السوق المحلية بالسكر المستورد فضلاً عن أنه بداية للقضاء على فوضى الاستيراد وزيادة الحصيلة الجمركية للدولة.
وأشار سلامة خلال تصريحاته لـ"النهار" إلى أن قرارات الحكومة الأخيرة بتعديل التعريفة الجمركية لبعض من السلع، مروراً بقرار وزير التجارة والصناعة بوضع ضوابط تضمن استيراد السلع المطابقة للمواصفات وألا تكون مصر سوقا للسلع الرديئة والأقل جودة ومن قبله قرارات تقييد الاستيراد، من شأنها أن تقلل من حجم العجز بالميزان التجارى للبلاد والذى تفاقم خلال العام الماضى بشكل كبير عن العام السابق له على خلفية زيادة معدلات الاستيراد وانخفاض حجم التصدير للبلاد.