الثلاثاء 23 أبريل 2024 08:51 صـ 14 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوارات

فلاديمير بوتين.. الثعلب الغامض

بعد قرابة 15 عاما قضاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سدة الحكم، بين منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، لايزال الرجل الذي تلقبه الصحافة العالمية بـ»الثعلب»، يقف حائلا أمام الأحلام الأمريكية في الشرق الأوسط، وطموحات الغرب في السيطرة على العالم، وربما هذا ما جعل لبوتين شعبية جارفة في الوطن العربي عموما، وفي مصر على وجه التحديد، خاصة بعد مواقفه المشرفة في دعم الحكومة المصرية، والرئيس المصري في الحرب على الإرهاب، والتصدى للأطماع الأمريكية.

 

 

 

فلاديمير بوتين، الرئيس الروسى الذى يزيد عمره على الستين بعام واحد، يعرف جيداً كيف يكبح جماح أمريكا فى كل خطواتها التصعيدية ضد الشأن الداخلى لمصر؛ ففى الوقت الذى طالبت فيه الإدارة الأمريكية ودول أخرى بعقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، كان له موقف مغاير، إذ رفض توقيع أى عقوبة على مصر واعتبره تدخلاً فى الشأن الداخلى المصرى.

وفى الوقت الذى ماتت فيه شعبية الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى قلوب الملايين من المصريين بفعل قراراته ودعمه للتنظيمات الإرهابية المهددة للأمن القومى المصرى، خُلقت شعبية جديدة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بل وصارت صوره تُلصق بجوار صور الفريق الأول عبدالفتاح السيسى، تعبيراً عن حب المصريين لمواقفه ودعمه لمصر فى مواجهة الإرهاب.

لا يقف الأمر عند حد الدعم الشفوى لخطوات الحكومة المصرية وجيشها، بل إنه سعى إلى خلق مساحات جديدة للتعاون بين البلدين فى الشأن العسكرى، خاصة بعدما ألغت القيادة الأمريكية عام 2013 مناورات «النجم الساطع» العسكرية بين مصر وأمريكا، خرج «بوتين» ليدعو الجيش المصرى لإقامة مناورات عسكرية بين البلدين، وتزداد المواقف الإيجابية التى اتخذها «بوتين» نحو مصر بمناقشته لفكرة دعم مصر فى الشأن العسكرى أو فيما يتعلق بالأسلحة والمشتريات العسكرية، وأخيرا دعوته للرئيس عبد الفتاح السيسي لزيارة روسيا خلال الاحتفال بالذكرى السبعين للانتصار على ألمانيا النازية، والتي اعتبرها متابعون أكبر احتفالات عسكرية في التاريخ، وهي الدعوة التي قبلها الرئيس السيسي، ووجه مقابلها دعوة للرئيس بوتين لحضور احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة في الصيف المقبل.

وعلى هامش الاحتفال، وخلال لقاء بوتين بالسيسي، قال بوتين وهو يبتسم «أنا أعلم أنك ورثت تركة ثقيلة، واسمحوا لي أن أقول هذا بأشد الطرق الممكنة حذرا، لكننا سنبذل قصارى جهدنا لتوحيد الجهود في عملنا، لذلك عملنا المشترك سوف تستفيد منه روسيا ومصر».

 

 

 

 

 

منذ أن بدأت الأزمة السورية، كان هو أقل المسئولين فى العالم حديثاً عما يجرى هناك، فضّل العمل من وراء الستار، فزوّد النظام السورى بالأسلحة التى يحتاجها فى معاركه ضد المعارضة المسلحة، دون تزويده بالأسلحة التى قد تغير موازين القوى فى الحرب الأهلية الدائرة هناك منذ ما يزيد على العامين. ظل الوضع على ما هو عليه، لكن فجأة اتجهت أنظار العالم إلى سوريا، النظام يستخدم الأسلحة الكيماوية - المحرمة دوليا- ضد معارضيه من المدنيين، ورغم أنها ليست المرة الأولى التى يعلَن فيها عن استخدام تلك الأسلحة فى الحرب الدائرة هناك، فإن المجتمع الدولى، تقوده واشنطن، تحرك فى اتجاه ضرب سوريا عسكرياً لعقابها.

فضَّل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين العمل من وراء الستار لحل الأزمة السورية، وظل يحاول التوصل إلى حل ينقذ حليفه الأبرز فى الشرق الأوسط ويعزز مكانته.. وبشكل مفاجئ انقلبت موازين القوى، الرئيس الروسى يربك نظيره الأمريكى باراك أوباما ويحبط خططه للتدخل العسكرى، بمبادرة الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية ووضعها تحت المراقبة الدولية. جذب «بوتين» الأنظار إليه وسحب البساط من تحت الرئيس الأمريكى، وأصبح فى نظر العالم هو المسيطر على مجريات الحرب وصاحب اليد العليا والقرار فيما يخص الأزمة السورية، استطاع المراوغة وحصل على مبتغاه.

لم يكتفِ الرئيس الروسى بحصوله على مبتغاه بتعطيل التدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا، إنما أراد إحراج الرئيس الأمريكى بأكبر شكل ممكن، توجه إلى الأمريكيين بخطاب فى مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، هاجم فيه الولايات المتحدة فى عقر دارها واتهمها باتباع سياسات «إما معنا وإما ضدنا»، وحين سُئل أندرو روزينتال، المسئول عن صفحة «آراء» بالصحيفة الأمريكية، عن سبب نشره للمقال، قال إنه وجد المقال «جذابا ومفصلا وله قيمة إعلامية».

 

 

 

 

الرئيس الروسى الذى وُلد عام 1957 اشتهر كثيرا بحبه لرياضات فنون الحرب، إضافة إلى ألعاب أخرى تعشقها بعض حسناوات بلاده مثل كرة المضرب، إلى درجة أن عجوزا جورجية ادعت أن «بوتين» ابنها، وقد اعترف هو نفسه أن والده عمل طباخا فى أحد بيوت جوزيف ستالين القروية فى جورجيا، فأطلق عليه لقب «ستالين الصغير».

ورغم أن معارضيه دائما ما يتهمونه بتحديه المستمر للبرلمان الروسى وسياسة القبضة الحديدية التى يتبعها تجاه الصحافة فى بلاده وأنه «ديكتاتور»، فإن شعبيته ما زالت جارفة بين الروس لتعطشهم إلى قائد سياسى قوى، فهو الرجل السياسي المثالي القادر على قيادة البلاد بقبضة قوية، والشخصية الشابة النشطة المتكاملة التي تستطيع دفع عجلة الإنتاج بالدولة في شتى المجالات، وربما كانت تلك الشعبية الجارفة سببًا في قراره بالاستمرار في السلطة كرئيس للوزراء بعد انتهاء مدة رئاسته القانونية، ثم ترشيح نفسه في انتخابات 2012 التي تخطاها باكتساح، ليبقى رجل المخابرات، الذي يصفونه بـ»الثعلب الطموح» و»القيصر الغامض»، والذي رفض اقتحام الصحفيين لحياته الشخصية، هو «الرجل السياسي الأول في العالم»، باعتراف صحيفة أمريكية بارزة لم تعبأ بخصومته لبلادها.