النهار
الجمعة 23 مايو 2025 02:30 صـ 24 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
”تعثرت بدفع قسط قرض وإشعلت النيران بجسدها”.. تفاصيل مصرع ربة منزل بمول بشبرا الخيمة مركز الملك سلمان للإغاثة يُسيّر الدفعة السابعة عشرة من الجسر البري الإغاثي السعودي لمساعدة الشعب السوري لربط التعليم بالصناعة...‏‎بروتوكول تعاون بين هندسة عين شمس وشركة مياه الشرب بالجيزة سفير عمان بالقاهرة: منتدى التعاون العربي - الصيني منصة للشراكة النموذجية المتعددة الأطراف الدم بقا ميه.. المشدد 7 سنوات لعاطل ونجله لقتلهم نجل شقيقه بالوراق الزمالك ينعى محمود الخطيب فى وفاة شقيقته يد الزمالك تضرب موعدا مع الأهلى فى نهائى الكؤوس الإفريقية بعد الفوز على الترجى 30/22 محمد صلاح يتسلم جائزه افضل لاعب في الدوري الإنجليزي بحفل رابطة الكتاب محافظ الدقهلية ووزير الشباب والرياضة يفتتحان المرحلة الأولي لنادي المنصورة الجديد بمدينة جمصه محافظ الدقهلية ووزير الشباب والرياضة يفتتحان الممشي الجديد والتراس الاجتماعي علي النيل بنادي الحوار جهود التحالف الوطني في دعم الأمن الغذائي لأهالي غزة بيت السناري يُنظم أمسية “تواشيح مصر” لإحياء فن السماع الصوفي

تقارير ومتابعات

إسكندرية على شـــــاطئ الفساد

 

مهنة الصيد فى خطر...والبديل سماسرة الهجرة غير الشرعية

حرفة الصيد من أهم وأشهر الحرف فى العالم، فهناك عدد كبير من الافراد يعملون بها، خاصة سكان المناطق الساحلية.

لكن ضمن أى تصنيف تصنف هذه الحرفة.. هل هى مهنة أم لعبة أم هواية؟ فى الحقيقة يتغير المسمى من شخص لآخر، فتأخذ كل تلك المسميات، فمثلا هناك من يعتبرها لعبة يتسلى بها لقضاء اوقات الفراغ، ومنهم من يهواها ويعشقها لا يستغنى عنها ويمارسها بين الحين والآخر، ومنهم من يستخدمها كـمهنة "أى مصدراً للرزق" سواء ببيع ما يصطاده أو بالاستخدام الشخصى " طعام له ولأسرته" وهذا ما يفعله عدد من الصيادين فى محافظة الاسكندرية باعتبارها مدينة ساحلية، ولكن هل اختلفت معهم مهنة الصيد عن الآخرين؟ هل يمكن أن تحول هذه المهنة حياة بعض الافراد الى حياة فقر وبؤس وتتسبب فى العديد من المشاكل؟.. هل يمكن أن تنقرض هذه المهنة فى مصر؟ هذا ما سنعرفه من الصيادين الذين باحوا لـ«النهار» بأوجاعهم ومهنتهم التى صارت فى خطر ومهددة بالانقراض فإلى التفاصيل:-

البداية كانت فى شرق محافظة الاسكندرية خاصة منطقة سيدى بشر، فقد روى لنا عدد من الصيادين بعض المشاكل التى تواجههم وقد تقضى على حياتهم وتتسبب فى تشرد أسرهم، فقد التقينا أحمد على 55 عاما، صياد ببير مسعود، وقال: الصيادون فى مصر اصبحوا فريسة لشباك الموت لم يرحمهم برد النوات وعواصف الشتاء والشمس الحارقة صيفا انهك اجسادهم النحيلة التى هدت قواها مياه البحر المالحة والرطوبة القاتلة والسعى على الرزق وتجاهل الحكومة المتعاقبة حتى بعد ثورة يناير حقوقهم الممثلة فى تأمين او صرف معاش لهم عندما تعجز ايديهم عن العمل، كثيرا ما ودعوا واحدا من عائلتهم أو أسرهم اثناء خروجه لرحلة الصيد على أمل ان يعود وفى شباكه وجبة لاسرته.

أسعار زهيدة

ويستكمل قائلا: زمان كانت توجد مراكب ضخمة تصطاد وتعود بالصيد محفوظ فى نظام تخزين عالى المستوى، وكانت هذه الاسماك تباع فى الاسواق بأسعار زهيدة، ولكن اليوم اختفت هذه المراكب واختفت معها الانواع الممتازة من السمك وارتفعت اسعاره، المهنة اندثرت والدخلاء عرفوا طريقهم اليها، ونسى الجميع ان السوق يحكمها العرض والطلب، وان الرزق فى مهنة الصيد لا يبيت للغد "بمعنى ان الرزق يوما بيوم".

ويشير الى ان هناك انواعا من الصيد الجائر يفعلها بعض الصيادين، كما ان هناك عددا من الصيادين يصطادون الزريعة عن طريق شباك ضيقة الفتحات ويصطادون كل الاسماك الكبيرة مع الصغيرة لحساب أصحاب المزارع السمكية الخاصة، وهذا بالطبع "يحرق البحر" لأن الغزل الضيق يقضى على الزريعة، ومن ثم تختفى الثروة السمكية ولا نجد انتاجا يكفى التصدير او السوق المحلية، بجانب انتشار التلوث والردم لمساحات كبيرة وعدم وصول طمى النيل بعد إنشاء السد العالى الى البحر أيام الفيضان، جعلت السمك لا يجد العناصر الغذائية التى يعيش عليها ولا يبقى أمامه غير الهجرة من سواحلها او الموت.

لذلك أطالب بتطبيق صارم للقانون على هذه النوعية من المخالفة التى تهدد الثروة السمكية وإحالة المخالفين الى النيابة ومحاكمتهم على الفور من الجرائم التى يرتكبونها فى حق الثروة السمكية، وأشير الى ان الصيادين هم من يعنيهم بشدة الحفاظ على الثروة السمكية للبلاد والتى يستنزفها بعض ضعاف النفوس فى وضح النهار، أغلب الصيادين يجلسون على المقاهى بلا عمل او تعويض، فلا يجدون ما يوفون به احتياجات اسرهم.

معاش الصياد

ويضيف قائلا: لقد ظهرت لنا الفترة الماضية مشكلة لم نكن نتوقعها وهى ان نادى السيارات البحرى أوقف حركة الصيد فى ميامى بعد القرار الذى اصدره مجلس ادارته بعدم الصيد فى تلك المنطقة، وذلك أثر بالسلب على عملية الصيد.

ومن شرق المحافظة الى منطقة بحرى، حيث اكد سامى جمال 35 عاما ان معاش الصياد هو 200 جنيه وان سن المعاش هى 60 عاما، ويبدى تعجبه الشديد من التأمينات والضرائب والطريقة التى يحاسب بها اصحاب المراكب، ورغم ان المركب يمنع من نزول البحر لمدة شهرين فى الشتاء، بالاضافة الى الصيانة وثلاثة ايام بين كل "سرحة" ولا تضع الضرائب فى حساباتها او التأمينات او غيرها، ذلك فى الحسبان،.. وايضا يتساءل عن الدور الغائب لهيئة السلامة البحرية، والتى لا تعنى بأحوال الصيادين وبتدريبهم، كما نصت القوانين فحسب تقوم بتحصيل "إتاوات" قهرية من الصيادين بمسمى تراخيص، وعندما ننظر الى مركبة نذكر مشكلة نقص كميات السولار، مشيرا الى انها زادت منذ ان قامت الثورة وان العاملين فى مهنة الصيد لا يصلهم اى دعم حكومى خاصة البائعين، قائلا " اللى بيتعب مننا محدش بيبصله" ويترك كل هذه المشاكل ويذكر لنا مشكلة من اهم المشاكل التى انتشرت وبصورة واسعة هذه الفترة، منها هجرة غير شرعية، فهناك عدد من الصيادين لجأوا الى العمل كسماسرة هجرة غير شرعية، تخرج مراكب الصيد وعلى متنها عشرات الراغبين فى السفر للخارج مقابل آلاف الجنيهات، ثم يعودون مرة اخرى ولكن بعد ان تتهمهم السلطات بالهجرة غير الشرعية او يموتون غرقا فى عرض البحر.

فقر وبؤس

ومن شرق المحافظة الى غربها، خاصة منطقة المكس التى تعتبر من اهم المناطق التى تشتهر بالصيد فى الاسكندرية، فبجانب بيوت المنطقة التى يقسمها ممر مائى إلى نصفين، هناك عدد من البيوت المتلاصقة التى ينضح منها الفقر والبؤس الشديدان، لا يتجاوز ارتفاعها دورين ولا تزيد مساحة أكبرها على 50 متراً، ومعظمها لم يعرف الطوب أو الحديد طريقه إليه، فالحوائط من الخشب والأسقف من الصفيح، هذه البيوت خاصة بالصيادين المتواجدين، هناك المعروفون بحبهم الشديد للصيد وتقديسهم له والعمل به لفترات طويلة وتوريثها لأبنائهم.

 لا يوجد أحد هنا لا يعمل فى مهنة الصيد حتى لو كانت له وظيفة أخرى، فالصيد هو المهنة الغالبة على الأهالى، فكل منا ورثها عن آبائه وأجداده منذ الصغر، وأنا خير مثال على ذلك، فقد بدأت ارتياد البحر والعمل مع والدى على المركب منذ سن السادسة، هكذا بدأ عم «على إبراهيم» البالغ من العمر 48عاما، وهو جالس على المركب الخاص به يقوم بإصلاح الشباك من أجل الخروج للصيد، وقد بدت علية علامات الحزن وهو يروى لنا ما تمر به المنطقة وأهالى المنطقة من مشاكل.. يسكت للحظات، ويستكمل قائلا: مرت الأيام والسنون وأنا فى مهنتى تلك، رغم حصولى على الشهادة الجامعية، لكننى لم أجد عملا فى ذلك الوقت، لذا قررت العمل مع والدى والخروج الى البحر للصيد، وظل الحال هكذا لما يقرب من 30 عاما، ولكن مع مرور الوقت بدأنا نواجه العديد من المشاكل التى أصبحت عائقا فى مجال عملنا مثل مشكلة نفايات الشركات التى يتم صرفها فى مياه المكس، والتى تؤدى الى قتل الأسماك أو هروبها وذلك بسبب ارتفاع نسبة "اليود" فى المياه، مما جعلها من الأسباب التى لها تأثير واضح على الأسماك وأيضا على جلد الإنسان، حيث انه لا يستطيع الاقتراب منها، وذلك بناء على ما ذكره معهد العلوم خلال زيارته لمنطقة المكس، حيث أكد الخبراء أن صرف مخلفات الشركات الكيماوية سيؤدى إلى تلوث المياه.

مواد كيماوية

ويضيف:إن المياه التى تأتى من «تصافى» الأراضى الزراعية تكون محملة بالمواد الكيماوية، وهذا يؤدى إلى هجرة السمك، فالمجرى المائى يعتبر هو شريان الحياة بالنسبة لمنطقة المكس، وأيضا مشكلة غلاء سعر "الشبك" الذى يستخدم فى الصيد، فقد أصبحت هذه واحدة من المشاكل المهمة التى قد تقضى على مهنة الصيد بسبب عدم توفر الشبك أو المعدات التى تستخدم فى صنعه، فهناك مصنع واحد فقط بمنطقة الراس السوداء، يقوم بتصنيع الشبك، وهذا الإنتاج لا يكفى احتياجات الصيادين، لذلك يقوم بعض التجار باستيراد الكثير من الأنواع من دولة الصين، ويتم بيعها داخل البلاد بأسعار مضاعفة استغلالا للوضع، والجميع مجبر على شرائها.

وعند سؤاله عن طريقة حصوله على السولار، قال «أى محطة بتصرف لنا السولار برخصة الصيد، وكمان معاها ورقة فيها جدول بيتم فيه تسجيل الكمية اللى بناخدها، ومش مسموح لنا بأكتر من جركن واحد فى اليوم، ودى أقل كمية بنحتاجها حسب سعة الموتور بتاع كل مركب».

وأوضح عنتر: هناك بعض محطات البنزين التى تطلب من الصياد إحضار موتور المركب إلى المحطة، حتى يتأكدوا أن السولار سيتم استخدامه فى مجال الصيد لا لأغراض أخرى، وهذا العمل قد يؤدى إلى تعرض موتور المركب إلى التلف، وأيضا هناك بعض محطات الوقود التى ترفض إعطاءنا بنزين "كل واحدة فيها بتشتغل حسب مزاجها"، بالاضافة إلى كل ذلك مشكلة ضيق الممر المائى بسبب كثرة المراكب المتواجدة هناك، والتى لا تخرج للصيد لوجود عدد من المشاكل التى تواجهها كمشكلة البنزين - نقص الموارد المستخدمة فى الصيد - تلوث المياه- مشكلة الرخصة.

وأضاف: هناك عدد من الصيادين يحاولون استخراج رخص للمراكب الخاصة بهم سواء كانت كبيرة أو صغيرة ولكن بلا استجابة من أحد، كل ذلك أدى إلى وجود عدد كبير من الأسر التى أصبحت عاطلة عن العمل ولا تجد قوت يومها، مما يهدد بكارثة إنسانية تتعدى البطالة والتشرد إلى الجوع، بل وفى بعض الأحيان دخول السجن.

تدمير الشواطئ

أمام بيت من بيوت المكس استوقفنا منظر محزن، فقد وجدنا أحد اهالى المنطقة ويدعى عم "محمد علام" البالغ من العمر 65 عاما، وهو جالس أمام منزله، وتبدو عليه علامات اليأس وفقدان الأمل.

طلبنا الحديث معه فبدأ يروى لنا ما يحدث فى المنطقة وكيف هى الحياة فقال: "كل الشواطئ ادمرت دلوقتى، البحر اليومين دول ما بقاش زى الأول ما بقاش فيه خير، السمك مات وكل شىء فى البحر بقى قليل ومش موجود بسبب المياه التى تستخدمها الشركات، و يتم التخلص منها بصرفها فى البحر أو المجرى المائى بمنطقة المكس، غير مشاكل الإيجار كل فرد عايش هنا فى المنطقة بيدفع إيجار لهيئة الثروة السمكية وفاتورة مياه وكهرباء ويا دوب الفلوس على قد العيش، أنا طلعت على المعاش من فترة وباخد 350 جنيها.. يكفوا إيه ولا إيه فى الزمن ده، هجيب فلوس منين، وكل فرد فى المنطقة بيدفع ضرائب وتأمين، المفروض بعد كل ده هيئة الثروة السمكية توفر لينا الخدمات اللازمة "مستشفيات - وحدات - مدارس وغيرها " ولكن لا شىء، فى حين أننا طلبنا منهم أن نقوم بدفع مبالغ مالية مقابل توفير هذه الخدمات ولكن لا جدوى".

واستطرد: "مشكلة التأمين بندفع 150 جنيها فى السنة لكل فرد غير المبلغ الذى يتم دفعه تأمينا للمركب.

والغريب فى الأمر أننا مينفعش نأخذ تأمين المركب غير لو غرقت أو مات فيها حد، غير كده لو حصل اى عطل فى المركب إحنا اللى بنصلحه على حسابنا دون مساعدة من أى مسئول، ولو الفرد رفض دفع التأمينات الخاصة به وبمركبه لا يحصل على الأوراق الخاصة به سواء تراخيص أو كارنيهات".

وأضاف "عم محمد" بنبرة حزن: "احنا مشتركين فى جمعية الصيادين الموجودة بمنطقة بحرى، والمفروض أن المسئولين فى هذه الجمعية يقومون بتوفير مستلزمات الصيد لنا "غزل - فل - بنزين" لأن كل شيء بقى غالى جدا، كيلو الغزل اصبح سعره 100 جنيه هنشتريه إزاى، بس ما فيش حد بيسأل فينا إحنا مدمرين تماما".

مساعدة

وبسؤال المهندس سلامة أبونعمة، وكيل وزارة الهيئة العامة للثروة السمكية بالإسكندرية، رئيس الإدارة المركزية، أكد أن هيئة الثروة السمكية تساعد الصيادين على استخراج بطاقات الصيد والتراخيص الخاصة بالمراكب، ولا توجد هناك أى صعوبة فى استخراج هذه التراخيص وكل ما يقوم به الصياد هو إحضار أوراق من جمعية الصيادين تثبت أنه تم دفع التأمينات الخاصة به وبالمركب ولا يوجد على أى مبالغ مالية وفى فترة لا تقل عن ثلاثة أيام يحصل الصياد على الرخصة الخاصة به.

وتابع: الهيئة تعتبر هى المسئولة عن رسوم استخراج الرخص وبطاقات الصيد، وليس لها أى اختصاص بالتأمينات الخاصة بالصيادين أو توفير مستلزمات الصيد له، مؤكدا أن الجمعيات الخاصة بالصيادين هى المسئولة عن توفير مستلزمات الصيد من "شباك وفل وغزل" لهم، ولكن هذه الفترة لا يوجد دعم مادى داخل الجمعيات لذلك لم يستطع المسئولون توفير هذه المستلزمات، وكل ما تقوم به الهيئة هو إرسال شخص للإشراف على كل جمعية، أما بالنسبة لتوفير الخدمات من "مستشفيات ووحدات وغيرها" فيعتبر المسئول عنه هو الاتحاد التعاونى وليس الهيئة.

من جانبه أوضح جمال حسين، أحد المسئولين بإدارة التعاون بهيئة الثروة السمكية، ان الجهة المسئولة عن تأمينات الصيادين والمعاشات هى الهيئة العامة للتأمين بالاتحاد التعاونى، وهناك يقوم الصياد بدفع تأمين إجبارى على مركب الصيد الخاصة به فى نهاية كل عام، وذلك للتأمين على المركب فى حال حدوث أى تلفيات بها أو تعرضها للغرق أو الحرق أو أى نوع من المخاطر المعرض لها صاحبها.