بعد حادثتي أيسل وزينة.. هل يكبل القانون المعتدين علي الأطفال؟
مع تزايد الحوادث التي بات القُصّر طرفاً فيها، عاد ملف قانون الطفل إلى صدارة الاهتمام العام، وسط تساؤلات ملحّة حول قدرته على مواجهة أنماط جديدة من الجرائم وتغيّرات اجتماعية متسارعة، فبين حماية حقوق الطفل وضمان أمن المجتمع، يبرز جدل واسع حول ما إذا كان القانون الحالي يحتاج إلى تعديل يعكس واقع اليوم ويضع حداً لاستخدام الأطفال في أعمال إجرامية تتصاعد خطورتها يوماً بعد يوم.
وفي هذا الإطار، سلّطت جريدة النهار الضوء على القضية من خلال مناقشات موسّعة مع خبراء قانونيين واجتماعيين، طرحوا خلالها رؤى متباينة حول مستقبل قانون الطفل، بعضهم يطالبون بتعديل القانون.

"مسبح الموت"
أثارت قضية الطفلة أيسل موجة واسعة من الغضب بعد وفاتها في إحدى القرى السياحية، إثر تعرّضها لاعتداء داخل حمام السباحة بحسب ما تداوله الإعلام وقتها، فقد كانت الطفلة تستمتع بوقتها مع أسرتها عندما استغل أحد القُصّر لحظة ابتعاد والدتها، لتقع الحادثة التي انتهت بوفاة أيسل بشكل صادم ومفجع، ما جعل الواقعة حديث الرأي العام وأعاد إلى الواجهة مطالبات قوية بتشديد الحماية على الأطفال.
استمرت القضية في إثارة الجدل بعد إعلان أن الجاني قاصر، الأمر الذي ترتّب عليه خضوعه لقانون الطفل وعدم تطبيق العقوبات المشددة التي توقّعها كثيرون، هذا الأمر أشعل نقاشاً مجتمعياً واسعاً حول مدى ملاءمة القانون الحالي لمواجهة جرائم خطيرة يرتكبها أحداث، حيث طالبت أسرة أيسل وآخرون بإعادة النظر في التشريع بما يضمن عدالة أكبر لضحايا هذا النوع من الجرائم.

"صرخة زينة"
تُعد واقعة الطفلة زينة في بورسعيد واحدة من أكثر القضايا التي تركت أثراً كبيراً في الوعي المجتمعي. فقد تعرّضت زينة لاعتداء مروّع على يد حدث، وهي واقعة هزّت الرأي العام وقتها وخلقت حالة من الحزن والغضب الشديدين، نظراً لصغر سن الضحية وفداحة الجريمة، وانتشرت تفاصيل الحادثة على نطاق واسع، لتصبح رمزاً للمطالبة بحماية الأطفال من جرائم العنف والانتهاك.
ورغم الغضب الشعبي، واجهت القضية حينها القيود نفسها المتعلقة بسن الجاني، باعتباره قاصراً يخضع لقانون الطفل، وقد أعاد كثيرون التذكير بالقضية مع ظهور حوادث مشابهة، مؤكدين أن جريمة زينة كانت نقطة تحول كان يجب عندها إعادة النظر في المنظومة التشريعية الخاصة بالأحداث. كما واصل ذوو الضحية المطالبة بتعديلات قانونية تضمن عدم تكرار مثل هذه المآسي، وتوفر حماية أكبر للأطفال من الاستغلال والاعتداء.

عنف المراهقين
قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن معدلات العنف بين الأطفال والمراهقين من سن 14 إلى 18 عامًا ارتفعت بشكل غير مسبوق، مشيرة إلى أن المجتمع يشهد سلوكيات قاسية لم تكن موجودة بهذا الشكل من قبل، وأوضحت أن هذه الفئة العمرية تمر بمرحلة انتقالية معقدة تجعلها أكثر عرضة للتأثر بالمحيط الاجتماعي والإعلامي.
وأضافت "خضر"، في تصريحات لـ"جريدة النهار"، أن غياب البرامج التربوية الهادفة واختفاء محتوى الطفولة والأسرة الذي كان يقدم قيمًا وأخلاقًا واضحة، ساهم في خلق فراغ تربوي خطير، بينما أصبحت بعض وسائل الإعلام تُظهر نماذج سلبية لا تقدم حلولًا ولا تطرح قدوة حقيقية للأبناء، وحذرت من أن هذا الواقع ترك الأطفال دون مرشد أو نموذج إيجابي يتعلمون منه كيفية التصرف في المواقف الحياتية الصعبة.
وشددت على أن فئة 14 إلى 18 عامًا، رغم ما يبدو من نضج، ما زالت تُعد جزءًا من الطفولة وفقًا للعلم والقانون، وتتطلب حماية وتوجيهًا مستمرين، وتساءلت: أين قانون الطفل من الجرائم التي يتعرض لها الأبناء يوميًا؟ مؤكدة ضرورة تفعيل التشريعات، والعودة إلى محتوى إعلامي تربوي هادف، ووضع آليات واضحة لحماية المراهقين من موجة العنف المتصاعدة.

حدود العقوبة
قال بلال نصر الدين، المحامي والمستشار القانوني، أن معالجة تزايد جرائم الأحداث لا ترتبط بالنزول بسن الطفل من 18 إلى 14 أو 15 عامًا، موضحًا أن القانون المصري بالفعل يُجيز معاقبة الطفل بعقوبات مقيدة للحرية في سن الخامسة عشرة فما فوق، باستثناء عقوبتي الإعدام والسجن المؤبد.
وأوضح "نصر الدين"، في تصريحات لـ"جريدة النهار"، أن التعامل مع الظاهرة يجب أن ينطلق من منظور علم الإجرام وعلم النفس الإجرامي، وليس فقط من باب التشريعات والعقوبات، فهناك عوامل فردية واجتماعية تُسهم مباشرة في دفع الطفل نحو السلوك الإجرامي، مثل وضع الأسرة، وضغوط المدرسة، وتأثير الإعلام ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر أن الوقاية وتحسين البيئة المحيطة بالطفل أكثر فاعلية من الاعتماد على العقاب وحده، خاصة أن مرحلة 14–18 عامًا ما زالت عمرًا غير مستقر نفسيًا وعقليًا.
وأشار المستشار القانوني إلى أن تعديل السن القانونية لتطبيق عقوبتي الإعدام والمؤبد أمر غير جائز قانونيًا؛ لأن مصر ملتزمة بمعاهدات دولية تمنع تطبيق هاتين العقوبتين على من هم دون الثامنة عشرة، وختم بقوله إن الجريمة ظاهرة ملازمة للمجتمعات، ولا يمكن القضاء عليها تمامًا، لكن يمكن الحد منها عبر البحث العلمي ومعالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي قد تدفع الطفل لارتكابها، بدلاً من اختزال الحل في خفض سن المسؤولية الجنائية.


.jpg)

.png)














.jpeg)

.jpg)



