لماذا يهتم الرئيس السيسي بمجال التعهيد؟.. وكيف تحول لمصدر رئيسي للعملة الصعبة وتوظيف الشباب؟.. كيف تنافس القاهرة بكين ونيودلهي وتكون مصر مركزًا للابتكار الرقمي في الشرق الأوسط وأفريقيا؟

تراهن الحكومة على صناعة التعهيد كمحرك رئيسي لتنمية الاقتصاد وتوفير العملة الصعبة وتوظيف الالاف الشباب، خاصة لما شهدته تلك الصناعة من دعم حكومي واهتمام خاص من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي يفتح الباب للعديد من التساؤلات حول صناعة التعهيد في مصر وعن اهتمام الرئيس السيسي شخصياً بتلك الصناعة وحرصه على الاجتماع مع رؤساء الشركات العالمية العاملة في مجال التعهيد.

الإجابة بالأرقام تكون خير دليل، فصناعة يمكن أن توفر الألاف من فرص العمل سنوياً للشباب براتب يصل إلى 30 ألف دولار شهرياً، فضلاً عن توفير الكثير من فرص العمل غير المباشرة، بما يجعها مصدراً هاماً لتوفير العملات الأجنبية وتحقيق طفرات كبيرة للاقتصاد المصري بما يفتح المجال لأن تكون مصر مركزًا للابتكار الرقمي في الشرق الأوسط وأفريقيا.

تقوم صناعة التعهيد (Outsourcing) على تنفيذ بعض المهام للشركات العالمية خارج مصر عبر شركات مصرية بهدف خفض التكاليف، زيادة الكفاءة، مثل إدارة البنية التحتية التكنولوجية، وتطوير وصيانة تطبيقات، وتقديم دعم فني، و إدارة مراكز الاتصال وتقديم الدعم للعملاء عبر الهاتف أو الإنترنت، وإدارة الموارد البشرية وعمليات التوظيف وشؤون الموظفين، وإدارة العمليات المحاسبية والمالية، وظائف التصنيع وغيرها من الخدمات التي يمكن تأديتها نيابة عن الشركات الكبرى خارج مصر، ويكون المقابل بالدولار، بما يتيح توفير الكثير من فرص العمل للشباب وبمقابل مادي كبير جداً مقارنة بغيرها من الوظائف بالقطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى.

ودائماً ما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر تفتح ذراعيها لكل من يسعى إلى العمل والإبداع، وتسعى لتذليل أية عقبات تواجه المستثمرين الأجانب العاملين بها، وحرص على استقبال قيادات شركة عالمية في مجال التعهيد، على هامش مُشاركتهم في القمة العالمية لصناعة التعهيد التي استضافتها مصر مؤخراً، وأسفرت عن توقيع 55 اتفاقية مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإضافة 75 ألف فرصة عمل جديدة خلال السنوات الثلاث القادمة، وهو ما سيدر مليارات الدولارات على الاقتصاد المصري.

ورغم سيطرة دول جنوب شرق أسيا على صناعة التعهيد في العالم أهم التحديات أمام مصر للتوسع في قطاع التعهيد، حيث تعد دول آسيا والباسيفيك الوجهات الأكبر جذباً لخدمات التعهيد في العالم بفضل جاذبيتها المالية ووفرة ومهارة عمالتها، ثم دول أمريكا اللاتينية التي تتميز بوفرة ومهارة العمالة، وكذلك دول أوروبا الشرقية التي تتميز بجودة مناخ الأعمال، وتربع الهند على عرش قائمة الدول المسيطرة على خدمات التعهيد في العالم والتي لا تزال الشركات ترغب في الاستفادة من مهارات المهندسين الهنود لتطوير منتجاتها، أصبحت مصر الوجهة المفضلة للعديد من الشركات العالمية في مجال التعهيد، كما أنها مرشحة لتتربع على عرش خدمات التعهيد عالميا بفضل تدريب 800 ألف متدرب سنوياً لتأهيلهم لسوق العمل في مجال التعهيد، فضلا عن تتصدر مصر متوسط سرعة الإنترنت الثابت في أفريقيا للعام الخامس على التوالي، وتصنيفها ضمن أهم مدن الابتكار وريادة الأعمال عالميًا.

من جانبه أكد الدكتور محمد عزام، عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا، إن صناعة التعهيد تنمو بنسبة 15% سنويًا، مشيرًا إلى أن مصر قطعت خطوات هائلة ببنية معلوماتية قوية ومراكز خدمات تضم شركات محلية وعالمية موضحاً أن 170 ألف شاب مصري يعملون في القطاع بعوائد 4.5 مليار دولار.

وأشار «عزام» في تصريحات لـ «النهار» إلى أن نجاح مصر في جذب الشركات العالمية في مجال التعهيد يرجع في المقام الأول إلى موقعها الجغرافي المتميز بين قارات العالم وتأهيل الكثير من الشباب المتميز لسوق العمل بالعديد من مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية، إلى جانب التطور الكبير الذي شهدته البنية التحتية الرقمية لمصر على كافة المستويات والتي شهدت ضخ استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار.

وفي هذا السياق أكد محمد الحارثي، استشاري تكنولوجيا المعلومات، أن صناعة التعهيد تعتمد بشكل مباشر على الكوادر البشرية والتكنولوجية، وهو ما يمثل عنصراً هماً لجذب الشركات العالمية لفتح مقرات لها في مصر والاستعانة بالشباب المصري المؤهل للعمل في هذا القطاع.

وأشار «الحارثي» أن صناعة التعهيد باتت أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الرقمي وجزء أصيل منه تصدير الخدمات الرقمية خارج مصر، واحد أهم مصادر العملة الأجنبية لمصر خلال الفترة الماضية

وقال:" مصر تتمتع بميزة تنافسية كبيرة في العنصر البشري المؤهل، وهو ما يجذب الشركات الأجنبية للاستثمار في مصر حيث أن مصر تمتلك من الكوادر البشرية القادرة على تلبية الطلب المتزايد والمتوقع من شركات التعهيد العالمية".