السودان بين الحرب والسلام المؤجل.. انقسام داخل الجيش وتأثير الإخوان يعقد المشهد
في ظل انسداد الأفق السياسي وتفاقم الصراع العسكري، يواصل الجيش السوداني التمسك بخيار الحرب رافضًا مقترحات الهدنة التي دفعت بها "الرباعية الدولية"، في موقف يعكس تشابك الحسابات بين العسكري والسياسي وسط انقسامات متزايدة داخل معسكر السلطة في الخرطوم.
التصريحات التي أدلى بها ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش، بدت حاسمة حين قال إن "الخيار العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في السودان"، مؤكدًا أن الجيش "يتخذ قراراته بنفسه" ومهاجمًا الضغوط الدولية. هذه النبرة الصدامية فُسرت داخليًا بأنها تعبير عن انقسام داخل القيادة العسكرية بين تيار يسعى لفرض الحسم بالقوة، وآخر يفضل التفاوض المشروط حفاظًا على تماسك الدولة.
في المقابل، اعتبر مستشار قائد قوات الدعم السريع، عمران عبد الله، أن موقف حكومة البرهان الرافض للهدنة "متوقع"، مشيرًا إلى أن "تنظيم الإخوان يؤثر بشكل مباشر على قرارات المؤسسة العسكرية"، ما يعكس مدى تغلغل الحسابات السياسية في القرار الأمني.
تصدعات داخل الجيش وتحالفات معقدة
الباحث والكاتب السوداني شوقي عبد العظيم يرى أن "القوى المتحالفة مع الجيش، وعلى رأسها التيارات الإسلامية والحركات المسلحة، تقف وراء رفض الهدنة"، موضحًا أن تلك الحركات لم تُستشر في مقترحات وقف إطلاق النار، بل أُبلغت متأخرًا بإمكانية طرحها قبل اجتماع مجلس الأمن والدفاع.
ويؤكد عبد العظيم أن رفض الجيش للهدنة "ليس رفضًا قاطعًا"، بل مناورة تفاوضية تهدف إلى تعزيز موقعه في أي مفاوضات مقبلة وضمان إشراك الحركات المتحالفة معه في أي تسوية سياسية أو أمنية محتملة.
ويضيف أن الحركات المسلحة واتفاق جوبا والكتلة الديمقراطية تشكل اليوم رافعة سياسية للجيش منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وتسعى لضمان بقائها في المشهد عبر دعم الموقف العسكري ضد قوات الدعم السريع.
الإخوان والنظام البائد.. رهان على استمرار الحرب
ويرى عبد العظيم أن النظام السابق في السودان، مدعومًا من التيار الإسلامي، يسعى لإطالة أمد الحرب أملاً في العودة إلى المشهد من بوابة الأزمة. ويقول إن الإسلاميين يوظفون الميدان العسكري ووسائل الإعلام في آنٍ واحد للحفاظ على نفوذهم داخل مؤسسات الدولة.
ويشير إلى أن تصريحات وزير المالية جبريل إبراهيم، التي تحدث فيها عن "استعادة السيطرة على الفاشر وكل المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع"، تأتي في إطار خطاب تعبوي موجه إلى أنصاره في دارفور، بهدف رفع المعنويات وإعادة توحيد صفوف المقاتلين.
ويضيف الباحث أن "الحديث عن الحسم العسكري بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب أصبح جزءًا من الدعاية الحربية، بينما المواطن السوداني هو من يدفع الثمن الحقيقي".
المعركة تنتقل إلى الفضاء الإعلامي
لم يعد الصراع في السودان محصورًا في ميادين القتال، بل امتد إلى حرب إعلامية شرسة تحاول كل الأطراف من خلالها السيطرة على الرأي العام.
يقول عبد العظيم إن "تنظيم الإخوان استغل معارك الفاشر لترويج صور ومقاطع مفبركة عبر مواقع التواصل"، مشيرًا إلى أن إحدى الصور التي أثارت تعاطفًا واسعًا لامرأة تحتضن طفلها، تبيّن لاحقًا أنها مولّدة بالذكاء الاصطناعي، بينما أُخذ مقطع الجثث المنتشر من مزرعة في جنوب السودان وليس من الفاشر.
ويضيف أن هذه المعركة الرقمية "تُستخدم فيها الفبركة وخطابات الكراهية لتقسيم المجتمع وتصنيف القبائل بين وطنية وغير وطنية"، محذرًا من أن هذا الخطاب "يهدد النسيج الاجتماعي ويغذي الكراهية أكثر من الرصاص نفسه".
ويختم عبد العظيم بالقول:"الخطر الأكبر في السودان اليوم ليس في صوت المدافع، بل في الكراهية التي تتمدد في القلوب، مهددة ما تبقى من وحدة ووجدان وطني مشترك".


.jpg)

.png)














.jpg)


.jpg)
.jpg)
