هل تفوز أمريكا في حربها التجارية على الصين؟
قدّم عزت إبراهيم، المحلل السياسي، ترجمة لما جاء في «الإيكونومست» البريطانية، مُجيباً على التساؤل الخاص بـ «لماذا تفوز الصين في حرب التجارة؟»، موضحاً أنه بعد أشهر من الألم، أصبحت الصين في الصدارة، ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل في كوريا الجنوبية، ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان اللقاء سيحدث فعلاً: «هذه هي الحالة الصادمة للعلاقة الأهم في العالم اليوم».
وذكر «إبراهيم» في تحليله، أنه منذ أسابيع، تتبادل الولايات المتحدة والصين الضربات، حيث شددت واشنطن قيود تصدير التكنولوجيا وهددت بفرض رسوم جمركية أعلى، بينما استخدمت بكين أدواتها التجارية والاقتصادية للرد بالمثل: «كثيرون في واشنطن يعتقدون أن أمريكا تملك اليد العليا في هذا الصراع القائم على الأعصاب والقدرة على التحمل.. وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قال إن الصين ضعيفة لكن الواقع مختلف تمامًا».
وقال عزت إبراهيم، حسب ترجمة تقرير المجلة، إن الصين تكسب حرب التجارة: «لقد تعلمت كيف تصعّد وترد بفاعلية تماثل واشنطن، وبدأت تجرب قواعدها التجارية الخاصة ذات الطابع العابر للحدود، وهو ما يغير مسار الاقتصاد العالمي نفسه»، موضحاً أنه منذ بداية الولاية الثانية لترامب، كان واضحًا أنه سيضاعف الضغط على الصين عبر المزيد من الرسوم الجمركية والقيود على التكنولوجيا واستخدام العقوبات الاقتصادية بحماسة.
وأضاف أن الهدف كان شل آلة التصنيع الصينية، وانتزاع تنازلات مالية وتجارية، وإبطاء تقدمها التكنولوجي. بعض مساعديه حلموا بـ«صفقة كبرى» تلتزم فيها الصين بإصلاح رأسماليتها الحكومية مقابل تخفيف واشنطن قبضتها عنها، لكن بعد ستة أشهر من التصعيد، تبدو الصين أكثر راحة من أمريكا، لثلاثة أسباب:
أولاً، لأنها أثبتت قدرتها على مقاومة الضغوط الأمريكية والرد بمهارة فيما يعرف بـ«الهيمنة التصعيدية» ويعزو بعض المنتقدين ذلك إلى ما يسمونه «تَكو» ترامب دائمًا يتراجع لكن الأهم أنه يعكس قوة الصين واستعدادها وحسن إدارتها، فقد فرض ترامب في أبريل رسوم تحرير جديدة على الصين، لكنه تراجع بعد هبوط وول ستريت، ومؤخرًا، عندما حدّت بكين من تصدير المعادن النادرة المستخدمة في التكنولوجيا المتقدمة، هدد ترامب بفرض رسوم بنسبة 100%، ثم تراجع مرة أخرى فتهديداته بفرض حصار اقتصادي شبه كامل على الصين تفتقر إلى المصداقية، لأن تنفيذها سيضر بأمريكا نفسها.
وقال عزت إبراهيم: «بينما يقول البعض إن الصين تمر بأزمة، فإن بورصتها ارتفعت هذا العام بنسبة 34% بالدولار، أي ضعف نسبة ارتفاع مؤشر S&P 500 الأمريكي، فالصين تعلمت كيف ترد بخطوات دقيقة»، موضحاً أنه بعد أن فرض ترامب رسومًا على السفن الصينية القادمة إلى الموانئ الأمريكية، ردت بكين برسوم مماثلة. وهددت بفتح تحقيقات احتكارية ضد شركات أمريكية كـ«ديبونت» و«غوغل» و«نفيديا» و«كوالكوم». ورفضت شراء فول الصويا الأمريكي — أكبر صادرات أمريكا إلى الصين بقيمة 12 مليار دولار العام الماضي — مما أضر بقطاع انتخابي مهم لترامب.
وذكر أنه رغم أن واشنطن ما زالت تملك بعض أوراق الضغط، مثل محركات الطائرات، إلا أن شي جين بينغ دفع بقوة لجعل سلاسل التوريد الصينية أقل اعتمادًا على الخارج وأكثر ضرورة لسلاسل توريد الدول الأخرى، ومن الناحية النظرية، يمكن لترامب تصعيد المواجهة بقطع وصول الصين إلى النظام المالي المعتمد على الدولار، لكنه على الأرجح لن يفعل، لأن ذلك سيسبب اضطرابات مالية تؤذي الولايات المتحدة نفسها، وبين كل خطوة ورد فعل، تعمل الصين — بالتجربة والخطأ — على بناء نظام تجاري عالمي جديد بقيادتها. وهذا هو مجال نجاحها الثاني.
وأوضح أنها تسعى لتشييد نظام صيني بديل للنظام التجاري الليبرالي القديم، ينافس «إمبراطورية الرسوم الجمركية» التي أقامها ترامب. وقد غيرت بالفعل خريطة تجارتها: فصادراتها السلعية زادت أكثر من 8% في عام حتى سبتمبر، رغم تراجع صادراتها إلى أمريكا بنسبة 27%.، مؤكداً أن تهديداتها بتقييد تصدير المعادن النادرة أثارت الذعر لأنها تهيمن على السوق ويمكنها شل سلاسل التوريد الصناعية الغربية. لكنها أيضًا لافتة لأنها تُظهر سعي الصين إلى فرض نظام عالمي جديد للتراخيص التجارية — نسخة أكثر صرامة من الأسلوب الذي استخدمته أمريكا للسيطرة على صناعة أشباه الموصلات.
ونوه إلى أنه من المتوقع أن تواصل الصين إعادة صياغة قواعد التجارة العالمية مع استغلال موقعها كمصنع متقدم وأكبر شريك تجاري لأكثر من 70 دولة، أما السبب الثالث لنجاح الصين فهو أن حرب التجارة جعلت شي جين بينغ والحزب الشيوعي أكثر قوة لا أضعف، صحيح أن للصين مشكلات ضخمة: أزمة عقارية خانقة، مستهلكين مترددين، رواد أعمال مقيدين، وفوائض إنتاج تهدر رأس المال. لكن كثيرًا من الصينيين يرون في ضغوط ترامب دليلاً على صواب رؤية شي خلال 12 عامًا لبناء قوة صناعية تكنولوجية قادرة على الصمود في عالم معادٍ، ووقد اجتمع هذا الأسبوع قادة الحزب لمناقشة خطة خمسية جديدة يتوقع أن تركز أكثر على النهج القومي التكنولوجي لشي.
وأوضح أنه مع ذلك، ما زالت الأخطار قائمة. فإعادة توجيه الصادرات بعيدًا عن أمريكا قد تدفع مزيدًا من الدول إلى فرض رسوم على الصين. كما أن نظامها الجديد للتراخيص قد يتحول إلى عبء بيروقراطي معقد. وكما تكتشف أمريكا الآن، فإن استخدام القوة الاقتصادية كسلاح أمر محفوف بالمخاطر، إذ يشجع الآخرين على تنويع مواردهم، وإذا التقى ترامب وشي في كوريا الجنوبية، فقد يجد الطرفان مصلحة في إظهار نية التهدئة. قد يتفقان على تجميد مؤقت للرسوم الأمريكية مقابل تأجيل القيود الصينية على المعادن النادرة، وربما تشمل الصفقة شراء بعض فول الصويا، والموافقة على بيع منصة «تيك توك» الصينية لمستثمرين أمريكيين لكن يجب ألا يُخدع أحد: «ما يتكشف أمامنا ليس مصالحة بين قوتين، بل سباق محموم بين عملاقين يسعيان إلى تسليح نفوذهما الاقتصادي.. ورغم أن الصين تبدو الرابح في حرب ترامب التجارية، فإن الانسحاب من نظام التجارة المفتوحة يجعل الجميع في نهاية المطاف خاسرين».


.jpg)



.jpg)


.jpg)

.jpg)
