من الأردن إلى نوبل.. عمر ياغي يُهدي العلوم العربية جائزة نوبل

ولد عمر موانس ياغي في عام 1965 في العاصمة الأردنية عمان لعائلة فلسطينية من أصل مهجّر، حيث عاش طفولته في ظروف صعبة اقتصرت على غرفة واحدة تضُم العائلة والمواشي، وقد افتقر إلى الماء النظيف والكهرباء.
في سن الخامسة عشرة، انتُقل إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراسته، رغم محدودية إتقانه للغة الإنجليزية حينها، حيث بدأ تعليمه في كلية Hudson Valley Community College، ثم تابع إلى جامعة ولاية نيويورك بجامعة ألباني (SUNY Albany) للحصول على درجتي البكالوريوس والماجستير، ومن ثم أتم درجة الدكتوراه في الكيمياء بجامعة ولاية إلينوي في أوربانا شامبين عام 1990.
تركّزت أبحاث ياغي على مجال الكيمياء الشبكية (Reticular Chemistry)، التي ابتكر فيها مفهوم الإطارات المعدنية العضوية MOFs هياكل كيميائية شبكية تجمع بين الأجزاء المعدنية والعضوية، وتشمل تجاويف ضخمة يمكنها امتصاص الغازات والجزيئات والمواد الأخرى.
في عام 2021، صدر أمر ملكي بمنحه الجنسية السعودية، ضمن قائمة من الأشخاص المميزين أصحاب الكفاءات العالية والتخصصات النادرة، تقديرًا لإسهاماته العلمية.
وقد فاز ياغي في عام 2025 بـ جائزة نوبل في الكيمياء، بمشاركة كل من ريتشارد روبسون وسوسومو كيتاجاوا، تقديرًا لتطويرهم الجماعي في مجال الإطارات المعدنية العضوية (MOFs)، التي تُستخدم في استخلاص المياه من الهواء الصحراوي، والتقاط ثاني أكسيد الكربون، وتخزين الغازات السامة أو تحفيز التفاعلات الكيميائية.
ولم تكن هذه الجائزة مفاجئة تمامًا لمن تابع مسيرة ياغي؛ فقد سبق وأن نال العديد من الجوائز الدولية البارزة. على سبيل المثال، حصل على جائزة الملك فيصل الدولية للعلوم، ووسام “Wilhelm Exner” النمساوي، وجوائز عالمية في مجالات المياه والبيئة.
أدّت أبحاثه في MOFs إلى تطبيقات ثورية:
- ابتكار أجهزة قادرة على استخراج الماء من الهواء الصحراوي باستخدام الطاقة الشمسية، تصل إلى عدة لترات يومياً في ظروف مناخية جافة جدًا.
- تصميم مواد قادرة على التقاط ثاني أكسيد الكربون من غازات الانبعاثات الصناعية، والمساهمة في جهود تقليل الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
- تخزين الغازات الضارة أو النفعية في كتلة صغيرة بكفاءة عالية، ما يفتح آفاقًا في مجال الطاقات النظيفة وقطاع الوقود المستقبلي.
هذا النجاح العلمي الرفيع يُعد تعبيرًا حيًّا عن قدرة العلماء العرب على المنافسة على أعلى المستويات. فحين تُنسب الأبحاث الفائزة إلى مؤسسات جامعية شهيرة (كما ذُكر أن الفائزين الثلاثة عُرّفوا بجامعاتهم التي قدّموا البحوث باسمها)، وقع اختيار ياغي على جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة كمؤسسة مرتبطة باسمه البحثي المميز.
إنجاز ياغي لا يُشكّل فوزًا شخصيًا فحسب، بل يمثل علامة فخر للعالم العربي والإسلامي، إذ إن فوزه في نوبل 2025 يضع اسمه بين كبار العلماء المعترف بهم دوليًا ويُضيف فخرًا إلى المسيرة العلمية في المنطقة.
ولعل الأهم من ذلك، أن اختياره لن يحصل في فراغ، بل سيُعزّز التعاون البحثي الدولي، ويمد الجسور بين الجامعات والمؤسسات العلمية في الشرق والغرب، كما يمنح دفعة قوية للعلماء الشبان في الوطن العربي ليحلموا بأن يكونوا في مصاف المبدعين العالميين.
بهذا المسار، يرتبط عمر ياغي بالعزيمة والطموح، من أصل فلسطيني، ينتمي إلى الأردن، ويحمل الجنسية السعودية، ويسهم دوليًا بمفاهيم تكنولوجية تغيّر وجه العالم في كيفية استدامة الماء والطاقة والتنفس. إنه نموذج يُحتذى به في العزم والتفاني والابتكار، وقد أثبت أن العقول العربية قادرة على الوصول إلى قمم العلم والتأثير العالمي.