النهار
الأربعاء 8 أكتوبر 2025 03:33 مـ 15 ربيع آخر 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

كيف غيرت حروب نتنياهو مفهوم أمن إسرائيل؟

نتنياهو
نتنياهو

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرارًا وتكرارًا، أن الحرب على غزة غيرت وجه الشرق الأوسط، لكن بعد مرور عامين، تبدو التغييرات التي أحدثتها الدولة العبرية على الجبهات السبع، بعيدة كل البعد عن الرؤية المتفائلة التي وعد بها رئيس حكومة الاحتلال، واستعرضت صحيفة «هآرتس» العبرية، كيف تتحول خريطة الفرص، التي وضعها نتنياهو للشرق الأوسط إلى خريطة التهديدات، التي تواجهها إسرائيل بعد مرور عامين من هجوم الفصائل على المستوطنات بغلاف غزة، 7 أكتوبر 2023.

كما ذكرت الصحيفة أن نتنياهو، قال في ديسمبر 2024، ملخصًا الشرق الأوسط الجديد: «قلت إننا سنغير وجه الشرق الأوسط. سوريا ليست سوريا نفسها، ولبنان ليس لبنان نفسه، ورئيس المحور، إيران، ليس إيران نفسها»، وبعد 5 أشهر، زعم مجددًا: «خلال 600 يوم من الحرب، غيرنا وجه الشرق الأوسط». وكرر ذلك عشية زيارته إلى واشنطن، يوليو 2025، ثم السبت الماضي، معلنًا: «من نصر إلى نصر، غيرنا معًا وجه الشرق الأوسط».

بحسب نتنياهو، قبل 7 أكتوبر 2023، كان الشرق الأوسط القديم يُشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، كانت القوى العربية تخطط لتدميرها، وكانت إيران على بعد خطوة واحدة من الحصول على الأسلحة النووية، وكان حزب الله يخطط لغزو، وحماس لم ترتدع.

وترى «هآرتس» أنه بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في غزة، لا يزال من السابق لأوانه استخلاص النتائج، وليس هناك من سبيل للتنبؤ بموعد وكيفية وصول التغييرات، التي حدثت في المنطقة إلى النقطة التي يبدأ منها عصر جديد بالشرق الأوسط، وتقول الصحيفة إن نتنياهو عندما يتحدث عن «تغيير وجه الشرق الأوسط»، فهو لا يقصد عمليات عميقة أو تحركات إستراتيجية، ولا يقترح خريطة للفرص، بل كعادته، يعيد رسم خريطة التهديدات، التي ظن أنها تراجعت أو تقلصت بسبب الحرب على غزة. لكن هذا أبعد ما يكون عن وعود التغيير المأمول.

وأوضحت الصحيفة أن الوضع الحالي أكثر تعقيدًا في سوريا، إذ يجري الرئيس أحمد الشرع، محادثات مباشرة مع إسرائيل، سعيًا للتوصل إلى ترتيبات أمنية، يُفترض بموجبها أن تحصل إسرائيل على عمق إقليمي أكبر في مرتفعات الجولان بناء على اتفاقيات الفصل، التي وقعتها مع الأسد عام 1974، وأن تنزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب دمشق حتى الحدود الأردنية. في المقابل، ستنسحب إسرائيل من معظم الأراضي، التي احتلتها بعد الإطاحة ببشار الأسد، ديسمبر 2024.

أما بالنسبة لحرية إسرائيل في العمل العسكري، فرجحت «هآرتس» أن تواجه تل أبيب معارضة من التحالف السياسي، الذي يحمي الحكومة السورية حاليًا، الذي يضم الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الدول تريد أن تصبح سوريا دولة موحدة ذات سيادة، على عكس المفهوم الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تقسيمها لكانتونات عرقية، واستخدام الأقليتين الدرزية والكردية كمرتكزات دفاعية، وقالت الصحيفة، إن لبنان أيضًا لم يغير الشرق الأوسط، رغم أن حزب الله تلقى ضربات موجعة، وتداعت مكانته العامة، وتفتتت قدراته العسكرية.

الأمر الأكثر أهمية أنه للمرة الأولى في تاريخ حزب الله ولبنان، أصبح لدى البلاد الآن حكومة تخلصت رسميًا وعلنًا من وصف المنظمة بأنها مدافعة عن الأمة، والتزمت بنزع سلاحها، وهو القرار الذي أثبت نجاحه بالفعل على أرض الواقع.

لكن الاختبار العملي للحكومة اللبنانية لا يزال أمامها، ولن يكون اجتيازه سهلًا. فالقضاء على قيادة حزب الله لم يخرج التنظيم من النسيج السياسي اللبناني. فممثلوه لا يزالون في الحكومة والبرلمان، وخطر الحرب الأهلية يلوح في الأفق إذا قررت الحكومة مواجهة حزب الله بالقوة.

وبعبارة أخرى، فإن لبنان، مثل سوريا، يمر الآن باختبار ضغط، محاصرًا بين أزمة اقتصادية عميقة -علاجها ينتظر تنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله-والضغوط الأمريكية، والتهديد الإسرائيلي بتجديد الحرب ضد حزب الله إذا لم يفِ بالتزاماته.

وحتى الآن، فإن النتيجة أن التحول السياسي المهم بلبنان في أعقاب الضربة، التي وجهت لحزب الله لا يضمن بعد السلام الإقليمي على المدى الطويل، ناهيك عن اتفاق السلام بين إسرائيل ولبنان، وفق هآرتس.

وتعتبر الصحيفة العبرية، أن إيران قصة النجاح الجوهرية في حرب الجبهات السبع الإسرائيلية، مشيرة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة لم تكتفيا بضرب منشآتها النووية، بل فقدت إيران قبضتها الإستراتيجية على سوريا، وتقلص نفوذها وسيطرتها في لبنان، لكنها لم تتم هزيمتها.

على العكس من ذلك، حتى بعد الضربة، التي لا يزال نجاحها قيد التقييم، لم ينتهِ التهديد النووي، وسيظل جبهة ساخنة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن الإشراف على البرنامج النووي الإيراني ومراقبته. وغني عن القول، إن الاتفاق النووي الأصلي الموقع 2015، الذي انتهكه ترامب منفردًا بتأثير نتنياهو الهائل، كان سيضمن حصر البرنامج النووي الإيراني في تخصيب محدود حتى نهاية 2025، وخضوعه لقيود ورقابة مكثفة على الأقل حتى 2030.

ولا يزال من الصعب تقييم ما إذا كانت التحركات الدبلوماسية، بما في ذلك آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، ستدفعها إلى التراجع، إذ تصر إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها.

لكن إعادة فرض العقوبات قد تخلف آثارًا إقليمية وعالمية خطيرة، بدءًا بانسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ما سيعفيها من الرقابة الدولية، وصولًا إلى قرارات روسيا والصين بانتهاك آلية العقوبات، رغم التزامهما بها بصفتهما موقعتين على الاتفاق النووي الأصلي، وربما ينتهي الأمر بإطلاق سباق تسلح نووي.

وترى "هآرتس" أن إسرائيل رغم أنها ألحقت الضرر بـ"حلقة النار" التي بنتها إيران حولها من خلال الميليشيات المحلية في العراق ولبنان واليمن، اتضح أن الحوثيين جهات فاعلة مستقلة لا تخضع بالضرورة للإملاءات الإيرانية، وطهران نفسها لم تتوقف عن كونها تهديدًا حتى بعد الحرب، التي استمرت 12 يومًا، يونيو الماضي.

ولذلك، خلصت الصحيفة العبرية إلى أن الإنجازات العسكرية التي حققتها إسرائيل في حرب غزة وفي لبنان وسوريا وإيران واليمن، تظل تكتيكية دون أن تترجم إلى بنية إستراتيجية إقليمية أو دولية، وتتحول إسرائيل إلى دولة مستقطبة، ويعتبر مواطنوها ومنتجاتها وباحثوها ومثقفوها "أشخاصًا غير مرغوب فيهم".