ترتيبات أمنية جديدة في المنطقة.. ماذا يدور في الكواليس؟

شهدت مرحلة ما بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة وما حمله من دلالات، فضلًا عن استمرار إسرائيل في توجهاتها التوسعية، إلى جانب ما يشبه الضوء الأخضر الأمريكي على هذه التوجهات، بعض المتغيرات التي ربما تشي بتشكل رغبة لدى بعض القوى الإقليمية في البحث عن هياكل وترتيبات أمنية جديدة تفرض درجة من الردع، وتسهم نسبيًا في كبح هذه المغامرات.
بحسب محمد فوزي، الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يمكن الاستدلال على هذه الفرضية من خلال بعض المؤشرات الرئيسية، أولها دعوة مصر لتشكيل قوة إقليمية جديدة، ولعل الدولة المصرية كانت سباقة إلى طرح أفكار مرتبطة بإنشاء هيكل أمني جديد في المنطقة، وكان الطرح المصري الذي قدمته مصر في العام 2015، وجددت التأكيد على ضرورته في القمة العربية الإسلامية عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي، يستند إلى رؤية استراتيجية مصرية تقوم على مجموعة من المرتكزات الرئيسية.
ضمن المؤشرات بحسب تحليل «فوزي»، المناورات البحرية المصرية التركية والتي انطلقت في يوم 22 سبتمبر 2025، في شرق البحر المتوسط بين مصر وتركيا، لأول مرة منذ 13 عامًا، تحت اسم «بحر الصداقة» واستمرت حتى 26 سبتمبر 2025. وقد بدأت مناورات «بحر الصداقة» لأول مرة في عام 2009، ثم توقفت في عام 2013 بعد توتر العلاقة بين البلدين، وارتبطت أهمية هذه المناورات بمجموعة من الاعتبارات الرئيسية أولها أن هذه المناورات هي الأولى من نوعها منذ نحو 13 عامًا؛ مما عبر عن أن جهود تطبيع العلاقات بين الجانبين، شهدت تطورات ملحوظة على كافة المستويات، ووصلت العلاقات بين الجانبين وفق تعبير وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى أعلى مستوياتها، وبالتالي تعد المناورات المشتركة بين الجانبين في أحد أبعادها ترجمة لهذا التطور الذي طرأ على العلاقات الثنائية: «من المهم الإشارة فيما يتعلق بالتوقيت إلى أن مثل هذا التدريب يستغرق وقتًا طويلًا للتخطيط له ولدراسة حجم القوات المشتركة وأنواعها، وبالتالي لا يحمل التوقيت دلالة مؤكدة، لكن تزامن التدريبات مع شعور كلا الدولتين بتهديدات كبيرة نتيجة السلوك الإسرائيلي، هو أحد الدوافع الرئيسية وراء تعزيز أوجه التنسيق السياسي والاستراتيجي والأمن والاستخباراتي بشكل عام».
وذكر محمد فوزي، أنه ضمن الترتيبات، اتفاق الدفاع المشترك الباكستاني السعودي، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية في 17 سبتمبر 2025، عن توقيع اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك مع باكستان، وذلك في العاصمة السعودية الرياض، وهو الاتفاق الذي نص في أحد بنوده على أن «أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما»، وعلى الرغم من أن الإعلان المشترك الصادر عن الدولتين عقب توقيع الاتفاق أكد بوضوح أنه لا يستهدف طرفًا بعينه في الشرق الأوسط، فضلًا عن التأكيد على أن الاتفاق يأتي في إطار العلاقات التاريخية والاستراتيجية الممتدة بين البلدين منذ ما يزيد على الـ 80 عامًا، فإن هذا الحدث لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الإقليمي الراهن، والوضع المرتبك لمنظومة الأمن الإقليمي ككل.
وبشكل عام يمكن قراءة هذه الاتفاقية من قبل المملكة العربية السعودية باعتبارها أحد المؤشرات على حراك إقليمي جديد يستهدف ترسيخ معادلات أمنية جديدة، على اعتبار أن المملكة تبعث برسالة عبر الاتفاق مفادها السعي لتنويع التحالفات العسكرية والأمنية، خصوصًا مع تراجع الموثوقية لدى عديد من الأطراف في الضمانات الأمنية الأمريكية، بحسب «فوزي».
وأشار الباحث محمد فوزي، لا يُستبعد أن تكون هذه الخطوة مقدمة لتعاون نووي معين بين البلدين، على اعتبار أن باكستان تعد من القوى النووية في العالم، ورغم أن باكستان دولة نووية لديها تعاون وثيق مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وتلتزم بفتح منشآتها النووية أمام بعثات التفتيش التابعة للوكالة؛ مما يعنى أنها لن تكون قادرة على نقل مواد نووية مُصنعة إلى الخارج، ولكن ما يمكن أن تلجأ باكستان لنقل خبراتها في المجال النووي للسعودية وتزويدها حتى بعلماء يعملون في هذا المجال سواء بشكل قانوني في إطار ما تتيحه الاتفاقات المنظمة للتعاون النووي بين الدول.
ورغم عدم وجود أي رد أو تعاطي إسرائيلي حتى اللحظة بشكل رسمي مع هذا الاتفاق الأخير، فإن ما ذكرته صحيفة «إسرائيل هايوم» في 20 سبتمبر 2025، ربما يمثل احتجاجًا غير مباشر على الخطوة السعودية؛ وفق محمد فوزي حيث قالت الصحيفة: «إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبلغت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أنها غير مستعدة للمضي قدمًا في أي محاولة لإشراك السلطة الفلسطينية في السلطة التي ستقام في قطاع غزة بعد نهاية الحرب كما تطالب المملكة، وبالتالي فإن إسرائيل تعلن بوضوح أنها ليست معنية بالتطبيع مع الرياض».
تضمن الترتيبات، بحسب الباحث، بحث آليات تعزيز التعاون الدفاعي الخليجي: في إطار التعاطي مع هجوم الدوحة الأخير، عقد مجلس الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي اجتماعًا استثنائيًا في مدينة الدوحة بحضور وزراء الدفاع بدول المجلس، وشدد البيان الختامي للاجتماع على أن “أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، وفقًا لما نصت عليه اتفاقية الدفاع المشترك”، وبهذا الشأن قرر مجلس الدفاع المشترك مجموعة من القرارات الرئيسية وجاءت كالآتي:
زيادة تبادل المعلومات الاستخبارية من خلال القيادة العسكرية الموحدة.
العمل على نقل صورة الموقف الجوي لجميع مراكز العمليات بدول المجلس.
تسريع أعمال فريق العمل المشترك الخليجي لمنظومة الإنذار المبكر ضد الصواريخ البالستية.
تحديث الخطط الدفاعية المشتركة بالتنسيق بين القيادة العسكرية الموحدة ولجنة العمليات والتدريب لدول مجلس التعاون.
تنفيذ تمارين مشتركة بين مراكز العمليات الجوية والدفاع الجوي خلال الثلاثة أشهر القادمة على أن يتبعه تمرين جوي فعلي مشترك (قطاعات).
وبعيدًا عن تقييم هذه الإجراءات الخاصة بمخرجات اجتماع مجلس الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي، فإن المؤكد أن الاجتماع عبر في مدلولاته ومخرجاته وتوقيت انعقاده، عن شعور خليجي بضرورة تغيير المعادلات الأمنية التقليدية، وأن الرهان على مظلة الضمانات الأمريكية لم يعد كافيًا لتحييد دول الخليج عن تداعيات الصراعات والاضطرابات التي تشهدها المنطقة.