هل تتحمل إسرائيل نتائج خياراتها التصعيدية في غزة؟

أجاب مهاب عادل، باحث مشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على التساؤل الخاص بـ «هل تتحمل إسرائيل نتائج خياراتها التصعيدية في غزة؟»، موضحاً أنه رغم ما تعكسه الحكومة الإسرائيلية من مرونة في التعامل مع تكلفة خياراتها التصعيدية وإثبات القدرة على التمادي في مسارات التصعيد التي تلقى قبولاً وصدى إيجابيًا في أوساط اليمين الديني المتطرف، على نحو يعزز من تماسك الائتلاف، غير أن هذه القدرة لا تزال محدودة الاختبار في احتواء تداعيات هذه الخيارات، خاصة إذا ما أقدمت على خيارات تصعيد حادة في اتجاه دفع سكان القطاع نحو التهجير القسري إلى دول الجوار.
تحقيق الأهداف الاستراتيجية
بحسب تحليل لـ «مهاب» تركز إسرائيل على فكرة التهجير وفقًا للمخططات التي روجت لها خلال الفترة الماضية، وتعمل على فرضها في الوقت الراهن عبر المسار العسكري، ارتباطًا برؤيتها في فرض الأمر الواقع، نتيجة حالة الإغراء بالتصعيد العسكري والإنجازات التكتيكية التي حققتها، والتي تراهن على أنها ستمهد لها الطريق نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية، بما يتماشى مع طبيعة تطلعاتها التي يُفصح عنها مسئولوها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أكد ارتباطه الشديد برؤية «إسرائيل الكبرى»، بالإضافة إلى تصريحاته التي أصدرها خلال اليومين الماضيين بشأن عزمه السماح للفلسطينيين بمغادرة القطاع عبر معبر رفح الحدودي إذا رغبوا في ذلك.
أكد مهاب عادل، أن هذه الخيارات التصعيدية التي من شأنها أن توسع دائرة الصراع وتُخل بمعادلات الاستقرار الإقليمي، تفرض تكلفة كبيرة على تل أبيب، على نحو سيمتد بطبيعة الحال للإضرار بالمصالح الغربية في المنطقة، والاستراتيجية الأمريكية الخاصة بموازنة نفوذ القوى الصاعدة عبر تعزيز شبكة حلفاءها هناك. ولعل هنا يبرز نموذج التقارب «الهندي – الصيني – الروسي» مؤخرًا تحت وطأة السياسات الأمريكية التي لم تنجح في استقطاب بعض قوى هذا المحور. وهنا يبرز التأثير الذي يُمكن أن تحدثه السياسات الإسرائيلية المتطرفة التي ينحاز فيها بنيامين نتنياهو لشركاءه من اليمين المتطرف في الائتلاف، والتي تشكل في الوقت الراهن أرضية مشتركة للرفض عربيًا وإقليميًا، على الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، في ظل الآثار السلبية لهذه السياسات على مسارات التعاون الإقليمي التي بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، ورغبته في استكمالها حاليًا، وهو ما ينعكس في الإشارات السلبية التي أصدرتها بعض الدول الموقعة على الاتفاقات الإبراهيمية التي رعتها واشنطن.
مسارات التسوية السياسية
بحسب «مهاب» تعوّل الأطراف الإقليمية عبر أرضية الرفض المشترك لهذه السياسات الإسرائيلية التي تنتصر فيها لجناح اليمين الديني المتطرف، والتي تعكسها الخطابات الرسمية للمسئولين الإسرائيليين بشأن الرؤية التوراتية التوسعية، وكذلك تحركات تل أبيب التصعيدية، وموقفها المتعنت بشأن المسار السياسي للتسوية، على أن يكون هناك تدخل من جانب الإدارة الأمريكية لتعزيز الضغط على الجانب الإسرائيلي، ودفعه نحو مسارات التسوية السياسية بما يجنب المنطقة مخاطر الانزلاق نحو مواجهة إقليمية واسعة، تضر بمصالح الجميع. ويبرز في هذا الصدد الرسائل التي يحاول الرئيس الأمريكي أن يبعث بها، خاصة في ظل تأكيده على انخراط واشنطن في مفاوضات عميقة للغاية مع حركة حماس، بالإضافة إلى اللقاءات التي يُجريها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في باريس مع الوسطاء لبحث الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وإن كان ذلك لا يُعوّل عليه بدرجة كبيرة – على الأقل في الوقت الراهن - خاصة في ظل الإشارات التي تعكسها الإدارة الأمريكية برغبتها في موازنة الضغط الغربي الذي تقوده في الوقت الراهن بعض العواصم الأوروبية ضد تل أبيب لوقف الحرب، بدعم موقف الأخيرة الرافض للاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية، لينعكس ذلك في رفضها وإلغائها تأشيرات دخول أعضاء السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى تأييد شروط الحكومة الإسرائيلية التي وضعتها لوقف الحرب.
الخسائر المؤكدة في صفوف الأسرى الإسرائيليين
واختتم تحليله: « يتكامل مع هذا المشهد الضاغط على المستوى الإقليمي والدولي، الذي يشكل قيدًا بدرجة أو بأخرى على الجموح الإسرائيلي نحو الخيارات الصفرية، الضغط الداخلي المرشح للتصاعد في ظل التقارير التي تتدفق لمسئولين عسكريين إسرائيليين بشأن الخسائر المؤكدة في صفوف الأسرى الإسرائيليين إذا ما استكملت الحكومة الإسرائيلية مسار احتلالها العسكري للقطاع، وهو ما تراهن الأخيرة على تحييده عبر المزايدة على مواقف الرافضين باعتبار أن ذلك يصب في صالح تأسيس دولة فلسطينية».