صحيفة أمريكية تحذر من تكرار سيناريو النكبة 1948 بعد رصدها الأوضاع في غزة

سلطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الضوء على جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، لإجبارهم على النزوح من القطاع، في تكرار لسيناريو النكبة عام 1948.
بحسب الصحيفة، نفذت الفصائل الفلسطينية الهجوم على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر2023، ثم بدأ جيش الاحتلال العدوان على غزة، ما أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف، وخلَّفت أجيالًا من الفلسطينيين يعانون من النزوح والجوع، والخوف من ألا يروا منازلهم مرة أخرى.
ونقلت الصحيفة عن عائلة أبو سمرة، وكثيرين غيرهم من سكان غزة، إنهم لطالما عاشوا في ظل النكبة، ومنذ اللحظات الأولى للحرب ومع بدء الطائرات الحربية الإسرائيلية بإلقاء القنابل والمنشورات التي تأمر بالنزوح الجماعي تزايدت مخاوفهم من نكبة أخرى.
وتذكر رب الأسرة عبد الله أبو سمرة، كيف اضطر عندما كان في العاشرة من عمره في عام 1948 لترك قريته الواقعة في ما يعرف الآن بإسرائيل، وهو واحد من مئات آلاف الفلسطينيين النازحين في النكبة.
كان أبو سمرة يروي القصة مرارًا، مركزًا في كل مرة على تفاصيل مختلفة ليضمن أن تتذكرها عائلته، وكان يأمل أن يعودوا جميعًا يومًا ما، لكن في غضون أسابيع بدا هذا الاحتمال أكثر بعدًا من أي وقت مضى، ومنذ بداية الحرب الحالية، تم تهجير ما يقرب من مليوني شخص -ما يقرب من 90% من السكان- من منازلهم ونزحوا داخل غزة، وكثير منهم بشكل متكرر، وفقًا للأمم المتحدة.
وفق تحليل الصحيفة، في الأسابيع الأخيرة، روج جيش الاحتلال الإسرائيلي لخطة لإجبار جزء كبير من سكان غزة على الانتقال إلى جنوب القطاع، وهو ما يحذِّر منه خبراء قانونيون بأنه انتهاك للقانون الدولي بتهجير مئات الآلاف إلى أجل غير مسمى.
ويواجه الفلسطينيون في شمال غزة الآن هذا الاحتمال مجددًا، حيث يخطط جيش الاحتلال الإسرائيلي لشن هجوم شامل على مدينة غزة، ويقول أبو سمرة، وهو مدرس متقاعد: «نحن الآن في نكبة أكبر».
وأوضحت أن النزوح الجماعي الذي حدث قبل نحو 80 عامًا من بين القضايا الأكثر صعوبة في الصراع الطويل بين الجانبين، ويطالب الفلسطينيون وأحفادهم بالحق في العودة إلى الأرض التي اضطُروا إلى تركها قسرًا في عام 1948، بينما ترفض إسرائيل هذا الحق.
في الحرب المستمرة على غزة، تدعي حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن أوامر التهجير مؤقتة، لإبعاد المدنيين عن الخطر وتقليل الخسائر، وبالفعل، يهجِّر جيش الاحتلال الإسرائيلي المدنيين ويدمر الأحياء السكنية في محاولة لإحداث تحول ديموغرافي دائم في غزة، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي ويرقى إلى مستوى التطهير العرقي، كما صرح فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
تشجع إسرائيل أيضًا ما تسميه الهجرة الطوعية لمغادرة غزة نهائيًا، لكنها لم تجد دولًا مستعدة لاستقبال أعداد كبيرة، ويقول خبراء حقوق الإنسان إن أي هجرة جماعية تحت مسمى الهجرة الطوعية ستشكِّل أيضًا نوعًا من التطهير العرقي، لأن الأوضاع في غزة أصبحت غير صالحة للعيش لدرجة أن العديد من سكانها لن يكون أمامهم خيار سوى المغادرة.
والتصريحات الصادرة من بعض أعضاء حكومة نتنياهو تزيد من مخاوف الفلسطينيين، إذ صرح وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش بأن القوات الإسرائيلية تدمر كل ما تبقى من قطاع غزة وأنها تحتل غزة وتطهرها وتبقى فيها حتى القضاء على حماس.
وقالت عائلة أبو سمرة، التي يبلغ عدد أفرادها نحو 20 فردًا، إنهم بدأوا الفرار في اليوم الأول من الحرب، عندما سقطت القنابل الإسرائيلية على مقربة شديدة من منزلهم، ما أدى إلى اهتزاز جدرانه: «كانت تلك بداية سلسلة من النزوح، حتى تفرقوا في النهاية بحثًا عن مأوى».
وأضافت العائلة أن بعض أقاربهم لقوا حتفهم في الغارات الإسرائيلية، وفر آخرون خارج القطاع، ويتساءلون الآن إن كانوا سيعودون إلى ديارهم يوًما ما، أو إن كان هناك ما يعودون إليه.
السيد أبو سمرة، البالغ من العمر 87 عامًا، والضعيف البنية، عالق في جنوب غزة، في خيمة من القماش المشمع والستارة والبطانيات، يشعر مجددًا بالخوف والجوع والانفصال عن معظم أفراد عائلته، تمامًا كما كان في صباه، وقال: «دائمًا أفكر وأتحدث وأحلم بالعودة إلى المنزل».
لفترة وجيزة هذا العام، سمح وقف إطلاق النار لبعض سكان غزة بالعودة إلى أحيائهم، ولم يجد الكثيرون منهم سوى الأنقاض، إذ تضرر أو دُمِّر ما يقرب من 80% من المباني، ويجري حاليًا إزالة المزيد منها مع توسع جيش الاحتلال في عدوانه على القطاع، وقدَّر البنك الدولي أن إعادة بناء المنازل المدمرة قد تستغرق 80 عامًا.