الحكومة السودانية الموازية.. مسمار في نعش وحدة «دولة الجنوب»

في السادس والعشرين من شهر يوليو 2025، أعلن تحالف السودان التأسيسي «تأسيس» رسميًا في 26 يوليو 2025، عن تشكيل الحكومة الموازية التي أطلق عليها حكومة «السلام الانتقالية»، وأفاد علاء الدين نقد المتحدث باسم الهيئة القيادية للتحالف من مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، باكتمال تشكيل المجلس الرئاسي للتحالف برئاسة «حميدتي»، وعبد العزيز الحلو، نائبًا له، وتم تعيين محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، وتعيين عددٍ من الشخصيات في مناصب حكام الأقاليم والولايات.
اختيار مدينة «نيالا» لإعلان الحكومة الموازية تضمن العديد من الدلالات التي وضحتها نسرين الصباحي، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، موضحة أن ذلك جاء لترسيخ حقيقة أن الحكومة تنطلق من قاعدة إقليمية وحاضنة سياسية ومعقل استراتيجي لمليشيا الدعم السريع في الهامش السوداني، بعيدًا عن مركز السلطة التقليدي في العاصمة الخرطوم والمنطقة النيلية.
أما عن فكرة شمول الإعلان عن المجلس الرئاسي، ورئاسة الوزراء، وتعيينات رئيسية لحكام الأقاليم والولايات، وفق تحليل «الصباحي» فقد جاء ك محاولة لإضفاء طابع تمثيلي على نطاق أوسع، وبالنسبة لتعيين «التعايشي» في منصب رئيس الوزراء، فهو محاولة واضحة لاستقطاب شخصيات من مرحلة الانتقال الديمقراطي السابقة من أجل تعزيز شرعية الحكومة الجديدة.
تستند الحكومة الجديدة إلى ما أطلق عليه «دستور انتقالي» لعام 2025، تم التوقيع عليه بين الدعم السريع وحلفائها في العاصمة الكينية نيروبي، مارس 2025، ويقسم الدستور البلاد إلى ثمانية أقاليم، كما يحاول تحالف تأسيس كسب الشرعية الدولية من خلال إرسال إشارة إلى المجتمع الدولي بأنه شريك في الحكم، وهو ما ظهر جليًا في تبني الدستور الانتقالي الذي يدمج في مبادئه بين الفيدرالية والعلمانية، وإنشاء مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة القائمة، بحسب نسرين الصباحي.
وفق «الصباحي» تظهر التفاصيل الدقيقة للهيكل الحكومي والأساس الدستوري الذي تستند إليه، تحولًا محسوبًا في استراتيجية الدعم السريع، ومحاولة لإضفاء شرعية على تحركاتها وإعادة ترتيب أوراقها السياسية والعسكرية، فضلًا عن التشويش على الحكومة الانتقالية الشرعية في بورتسودان، والأهم من ذلك، تمرير أجندة لتقسيم البلاد سياسيًا وجهويًا، وتحويل السودان إلى كيانات إدارية متنازعة، بدلًا من دولة موحدة ذات سيادة، وفي سردية تحالف «تأسيس»، لا تعتبر الحكومة الموازية بديلًا مؤقتًا أو محاولة لتقاسم السلطة، بل تُمثل خطوة تأسيسية لإعادة تشكيل الدولة وفق رؤية مختلفة، ومن ضمن شعاراتها «إسقاط دولة 56».
أما بالنسبة للتوازنات الداخلية في الحكومة الموازية، والعلاقات البينية التي تربط بين أطرافها، فيُعتبر تحالف «تأسيس» خليطًا من الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية غير المتجانسة؛ حيث تشكل الدعم السريع بقيادة حميدتي، والحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، العمود الفقري العسكري للتحالف، أما الفصائل السياسية، فيضم التحالف تيارات منشقة عن أحزاب تقليدية كبرى مثل حزب الأمة القومي – تيار فضل الله برمة ناصر، والحزب الاتحادي الديمقراطي – تيار منشق بقيادة إبراهيم الميرغني، بالإضافة إلى الجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس، وتعكس هذه التباينات هشاشة التحالفات المؤقتة المبنية على التوازنات العسكرية والسياسية، ويغلب على الفصائل المنضوية في التحالف غياب الرؤية الموحدة، في ظل الانقسامات الحادة بين مكوناته.
وأكدت نسرين الصباحي، أن التحالف يُعتبر مصلحة توحده مواجهة عدو مشترك متمثل في القوات المسلحة السودانية ومؤسسة السودان القديم أكثر مما توحده رؤية حقيقية ومستدامة؛ مما يجعله هشًا بطبيعته وعرضة للانهيار السريع، وقد يؤدي وجود مكونات في التحالف ذات مصالح تاريخية متباينة إلى صراعات داخلية حول تقاسم السلطة والاستراتيجية، كما يتضح من التأجيلات والتهديدات بالانسحاب.
ووصف السفير حسام عيسى، سفير مصر في السودان سابقاً، الحكومة الموازية بأنها «سلبية»، وتدل على انتهازية الأطراف المشاركة فيها وتضع بحثها عن المناصب قبل مصلحة السودان الوطنية، وكان فيها بعض الأطراف ذات الدور التاريخي مثل فضل الله برمة الرئيس السابق لحزب الأمة، وله تاريخ عسكري كبير وإبراهيم الميرغني: «للأسف الشديد كل هذه الأطراف كان موقفها مخيباً للآمال».
وأكد «عيسى» في تصريحات خاصة لـ «النهار»، أن الحكومة الموازية لا تحظى لا بمصداقية لدى الرأي العام السوداني أو الدولي: «رأينها الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن كان موقفهم تاريخياً من هذه الحكومة ورفضوها وأعلنوا أن الحكومة الشرعية هي حكومة كامل إدريس ومجلس السيادة السوداني هو السلطة الشرعية في السودان».
ذوكر أن الخطوة تدل على افتقار ميليشيا الدعم السريع للحنكة السياسية لأنه كان معروفاً عن أن هذه الخطوة لن تحظى بأي تأييد وسيكون لها تأثيراً سلبياً على مصدايقة كل الأطراف المشاركة فيها وهو ما حدث فيها، لافتاً إلى أن موقف مصر من هذه الحكومة واضح تماماً من زيارة كامل إدريس إلى القاهرة، وهذا يدل على اعتراف مصر فقط بحكومة «إدريس» الشرعية: «الحكومة الموازية هي مسمار في نعش وحدة الدولة ولدينا نماذج عديدة في الشرق الأوسط».