أسامة شرشر يكتب: السويداء.. وجع في قلب سوريا

جاءت أحداث السويداء لتكشف وتفضح هشاشة النظام السورى الجديد، فاللعب بورقة الطائفية والميليشيات والأقليات قد يؤدى إلى تفكيك الدولة السورية.
فزعيم الدروز حكمت الهاجرى هذا العميل المزدوج الذى يأخذ التعليمات من تل أبيب يلعب بورقة الدروز ويطلب الحماية الدولية ويريد دولة مستقلة عن الدولة الأم فى قصر الشعب فى دمشق، وللأسف الشديد أحمد الشرع موجود كرئيس لسوريا على الأوراق فقط، بينما على الأرض لا وجود له، فكل قضيته أن يعلن الولاء للأمريكان وينفذ التعليمات، بينما من يدير الدولة السورية هو تنظيم تحرير الشام الذى استولى على السلطة، وما زالت المرجعية الحقيقية له تكمن فى القيادات الدينية والطائفية التى تدير قصر الشعب، وما الشرع إلا واجهة لهم مثلما كان الأمر فى مصر عندما حكم محمد مرسى بينما أدار البلاد فعلًا وقتها مكتب الإرشاد.
وها قد وصل بنا الأمر أن نرى حكمت الهاجرى، زعيم الدروز، فى السويداء يحتجر قرابة 3 آلاف رهينة من نساء وأطفال وشيوخ، كورقة ضغط للتفاوض بها ويمنع دخول قوات الأمن السوربة، مستقويًا بإسرائيل التى تريد أن تقتطع الجولان ودرعا والسويداء جنوب سوريا لتكون دولة مستقلة تابعة لها وليس لدمشق، وهذا هو سر الصراع.
أما ترامب فيبارك كل ما يحدث، وصدرت التعليمات للشرع بخروج قوات الجيش والشرطة السورية من السويداء بعدما قامت القبائل فى سوريا وكل البلدان المحيطة بالسويداء لتواجه الدروز وتدعم قوات الأمن، فجاءت التعليمات الفوقية بعدم دخولهم وأن يسيطر الدروز على المشهد كاملًا، وأصبح الهاجرى بيده وقف المناوشات أو استمرارها، لتكون إسرائيل قد نجحت بالفعل فى اللعب بورقة الأقليات السورية.
والحقيقة أن الأمر لن يتوقف عند الدروز فقط، بل إن إسرائيل ستلعب فى القريب العاجل بورقة الأكراد لتفتت ما تبقى من سوريا إلى دويلات، ليتحقق الحلم الصهيونى (الشرق الأوسط الجديد) الذى تم إعداد السيناريو الخاص به بين ترامب ونتنياهو فى البيت الأبيض.
ودعونا نؤكد أن مصر كانت هى الدولة التى تحفظت منذ البداية، عندما تولى الجولانى– الذى أصبح فيما بعد أحمد الشرع- حكم سوريا، لأن مصر كانت تخشى من تفكك الدولة السورية واشتعال حرب أهلية، وها هو ما كانت تحذر منه مصر يحدث بداية بالساحل السورى والسويداء، وسيكتمل فى الشمال مع الأكراد، وهو ما قد يؤدى أيضًا لصدام بين إسرائيل وتركيا.
الرؤية المصرية كانت ثاقبة وعميقة وبعيدة النظر فى أن ما يجرى فى سوريا سيؤدى إلى تقسيمها، بينما قامت السعودية بدعم الشرع لتثبيت أركان حكمه لدرجة أن الشرع كان هو الرئيس الوحيد الذى قابل ترامب عند زيارته الرياض.
ما يجرى فى سوريا من صراعات واقتتال وبوادر حرب أهلية جديدة، لم يحرك الشرع فى قصر الشعب، فالشرع خارج الخدمة لا يتحرك إلا بتعليمات خارجية، وكأن ما حدث فى الساحل وتشكيل لجنة منذ 3 شهور للتحقيق، لم يجعله يشعر بالخطر، لدرجة أنه حتى الآن لم يتم إعلان نتائج هذه اللجنة لغياب ما يسمى بالعدالة الانتقالية، وغياب مفهوم مشاركة كل الأقليات فى الحكم، حتى لا تتكرر نفس المأساة التى حدثت فى سوريا من قبل، ولكن الجديد مع هذا الكيان الحاكم الجديد أنه يحظى بحماية أمريكية إسرائيلية لتفكيك الدولة وتقسيمها وتنفيذ المخطط الإسرائيلى.
السويداء أصبحت وجعًا فى قلب سوريا، وستكون الشرارة الأولى للحرب الأهلية التى قد تمتد إلى مناطق أخرى فى دولة هى فى أساسها اتحاد بين أقليات مختلفة، عربية وكردية وسنية وشيعية ودرزية ومسيحية.
نحن نحذر وننبه بأن التفكك العربى ساهم بشكل كبير فى اختطاف سوريا منذ 2010 عندما تم تجميد عضويتها فى جامعة الدول العربية، فأصبحت مباحة ومستباحة بعدما خرجت من الحاضنة العربية لتصبح ملعبًا لإيران وتركيا وإسرائيل وأمريكا.
فما يجرى للأسف الشديد أنه تم استبدال إيران المسلمة بإسرائيل الصهيونية، وهذه هى خطورة الموقف الآن، فنحن دائمًا منحازن للحفاظ على وحدة التراب السورى كى تعود بلاد الشام وسوريا التى كانت يومًا حجر الزاوية فى مثلث الأمن القومى العربى القاهرة وبغداد ودمشق، لأن الأوضاع اختلفت الآن وأصبحت سوريا معرضة لخطر الانقسام إلى دويلات، وهذا سينعكس بالتبعية على العراق والأردن.
ولا ننسى أن ما يجرى فى سوريا جعل الأنظار متجهة إليها على حساب القضية المركزية الأولى للعرب وهى فلسطين وغزة وما يجرى فيها الآن من إبادة جماعية وتطهير عرقى للشعب الفلسطينى الحر.
أين الدعم العربى اللوجستى لغزة؟ فمصر وقطر تبذلان جهودًا ضخمة من خلال مفاوضات مستحيلة مع الكيان الإسرائيلى لوقف الحرب فى غزة لمدة 60 يومًا، بينما الدول العربية لا تحرك ساكنًا، والأنظار كلها متجهة للسويداء والجنوب السورى.
لقد أعجبنى تعبير وليد جنبلاط الذى دعا فيه حكمت الهاجرى لأن يصمت وأن يعود إلى رشده ويرجع إلى التاريخ عندما قام سلطان الأطرش بوأد فتنة بين الدروز والقبائل العربية، وشتان ما بين الأطرش والهاجرى الذى يحتمى بإسرائيل وأمريكا، وهذا هو مكمن الخطورة فيما يجرى الآن، فالجنوب السورى أصبح تابعًا لإسرائيل، وأمريكا تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه مقابل أن يستمر الشرع رئيسًا لسوريا على الورق، وإسرائيل تخطط لأن تمتد حدودها من الدولة الكردية المخطط لها شمالًا فى سوريا، والفرات شرقًا، وجنوبًا فى الصحراء الكبرى وغربًا عند البحر المتوسط.
ولكن هيهات.. فأنت تستطيع أن تُخضع الشعوب لبعض الوقت ولكن لن تستطيع أن تُخضعها طوال الوقت.
انتبهوا؛ فالمخطط شامل لكل العواصم العربية، وتبقى مصر هى حجر العثرة الأول لوقف تنفيذ هذا السيناريو الصهيونى.
أفيقوا يا عرب
قبل فوات الأوان.