من ”أوبك+” إلى الأمن الغذائي.. السعودية وروسيا ترسمان خريطة جديدة للتعاون الاستراتيجي

خلال اجتماعهما في العاصمة الروسية موسكو اليوم الجمعة، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، على الأهمية القصوى لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري لتأمين المصالح الاستراتيجية المشتركة بين البلدين.
وتشير هذه التأكيدات إلى تطور ملحوظ تشهده العلاقات الثنائية بين السعودية وروسيا، يعكس تطلعات البلدين نحو تعزيز مصالحهما المشتركة وتأمين استقرارهما الاقتصادي، حيث سجل التبادل التجاري بين الجانبين زيادة تجاوزت 62% خلال عام 2024، وتضاعف قرابة أربع مرات في الربع الأول من عام 2025، في مؤشر واضح على تنامي الشراكة الاقتصادية.
كما يعزز هذا الاتجاه تنفيذ أكثر من 40 مشروعًا استثماريًا مشتركًا خلال العقد الماضي، شملت قطاعات حيوية ومتنوعة، ما يؤكد عمق التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
نمو غير مسبوق في الروابط الاقتصادية والتجارية
أكد وزيرا خارجية البلدين، على الأهمية القصوى لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، الذي شهد قفزة نوعية غير مسبوقة مؤخرًا؛ فبعد أن كانت التجارة الثنائية تبلغ 1.7 مليار دولار في عام 2022، تشير البيانات الأحدث إلى تسارع كبير؛ حيث تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين أربع مرات تقريبًا في الربع الأول من عام 2025، وشهد زيادة بأكثر من 62% في عام 2024.
ورأى خبراء الاقتصاد أن هذا النمو السريع والكبير يعكس توسعًا جوهريًا في العلاقات الاقتصادية ويؤشر إلى شراكة استراتيجية أعمق.
ولم يقتصر التعاون على التبادل التجاري فحسب، بل شملت المباحثات أيضًا الاستثمارات المتبادلة، فقد نفذ البلدان أكثر من 40 مشروعًا استثماريًا مشتركًا في العقد الماضي، شملت قطاعات متنوعة وحيوية مثل الطاقة، الصناعة، التكنولوجيا، تكنولوجيا المعلومات، النقل، البنية التحتية، والبتروكيماويات.
وأكد المراقبون من خبراء الاقتصاد أن هذا التنوع في المحفظة الاستثمارية يدل على عمق الشراكة وتوجهها نحو قطاعات مستقبلية تدعم رؤية البلدين التنموية.
الأمن الغذائي.. محور استراتيجي للتعاون
وبرز الأمن الغذائي كأحد المجالات الحيوية للتعاون بين الرياض وموسكو، ففي ظل اعتماد السعودية على الاستيراد لتلبية 80-90% من احتياجاتها الغذائية الأساسية، تلعب روسيا دورًا مهمًا في استراتيجية الأمن الغذائي للمملكة، حيث يمكن هذا التعاون السعودية من الحصول على المواد الخام والحبوب بسهولة، وهو ما يقلل بدوره تكاليف سلسلة التوريد ويلبي الاحتياجات الاستراتيجية والغذائية للسعودية.
ويرى المراقبون، أن هذا التعاون يدعم أهداف رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط وجذب الاستثمارات إلى القطاعات الناشئة، بالإضافة إلى تأمين واردات حيوية كالغذاء.
أما بالنسبة لروسيا، فيوفر التعاون أسواقًا وشركاء بديلين، مما يخفف من تأثير الضغوط الغربية، كما أن هذا السعي المتبادل نحو المرونة والتنويع الاقتصادي يعمل كآلية قوية لتعميق العلاقات الثنائية، ويجعل العلاقة أكثر قوة وأقل عرضة للتقلبات في سوق سلعة واحدة أو للضغوط الجيوسياسية الخارجية.
التعاون في مجال الطاقة.. "أوبك+" كمنصة استراتيجية
وتعد كل من السعودية وروسيا من كبار منتجي النفط عالميًا، وقد أكدتا التزامهما الثابت بالتنسيق ضمن إطار "أوبك+"، وهو أيضًا تعاون حاسم لاستقرار أسواق الطاقة العالمية ولتأكيد نفوذهما في هذا القطاع.
وقد أشارت التصريحات إلى أن التعاون في مجال الطاقة "محصن ضد التقلبات اللحظية والاعتبارات غير ذات الصلة"، مع التأكيد على الالتزام بالاتفاقيات القائمة ضمن "أوبك+".
ولا شك أن "أوبك+" تحولت في السنوات الأخيرة من مجرد تكتل اقتصادي إلى منصة استراتيجية ذات تأثير بالغ، تمكن كلاً من السعودية وروسيا من ممارسة نفوذ مباشر ومتصاعد على أسواق النفط العالمية.
ولم يتقصر هذا النفوذ على ضبط أسعار النفط فحسب، بل أسهم كذلك في تأمين الاستقرار المالي لاقتصاداتهما، وتعزيز سيادتهما الاقتصادية في وجه التقلبات العالمية.
تعزيز الروابط الشعبية عبر تسهيل التأشيرات
ومن المبادرات الثنائية التي نوقشت خلال المؤتمر هي التقدم نحو إلغاء التأشيرات للمواطنين السعوديين الراغبين في زيارة روسيا، بهدف تعزيز الروابط بين الشعوب، ودعم السياحة، وتسهيل التبادلات التجارية، وهو ما يشير إلى رغبة في بناء علاقات أعمق تتجاوز الدبلوماسية رفيعة المستوى وتصل إلى مستوى التفاعل الشعبي.
ومما سبق، يتضح أن التوسع الملحوظ في العلاقات الثنائية بين السعودية وروسيا، مدفوعًا بنمو اقتصادي وتجاري غير مسبوق وتنسيق استراتيجي في قطاع الطاقة والأمن الغذائي، يؤكد على شراكة عميقة تتجاوز المصالح التقليدية لتسهم في تعزيز مرونة البلدين الاقتصادية وحماية مصالحهما المشتركة.