أسامة شرشر يكتب: أسرار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل

بعد الرد الإيرانى الذى حمل عنوان (بشائر الفتح) باستهداف قاعدة العُديد الأمريكية فى قطر، تأكدت الإدارة الأمريكية من أن إيران قادرة على إيلامها وتهديد وجودها فى المنطقة فى الوقت الذى استغاث فيه نتنياهو بترامب بعد نقص كبير فى الذخيرة لدي إسرائيل فضلاً عن خسائرها الإقتصادية الكبيرة، ما دفع ترامب لطلب وساطة أمير قطر والذى اتصل بإيران لوقف إطلاق النار، و قد وافقت كل الأطراف وبقى فقط تحديد ساعة بدء سريان الاتفاق، والتى تمثل فترة حبس أنفاس خشية حدوث شىء خلالها.
المعلومات تؤكد أن عدوان أمريكا على المواقع النووية الإيرانية أحدث انقسامًا حادًّا داخل الولايات المتحدة الأمريكية انعكس بشكل مباشر على الشعب الأمريكى، وكانت المحصلة ضربات إيرانية جعلت ترامب ورئيس الأركان الأمريكى يتابعان الضربات من داخل غرفة العمليات الأمريكية بعد فشل المضادات الأمريكية فى قاعدة العُديد بالتصدى لبعض الصواريخ الإيرانية، وكان قرار مجلس الأمن القومى الإيرانى ضرب القواعد الأمريكية واصفاً هذه الضربة بداية للرد على الهجوم الأمريكى على مفاعلات فوردو وأصفهان ونطنز ومحاولة حرق إيران وشلها نوويًّا من خلال ضرب عمليات تخصيب اليورانيوم، ولكن تم نقل كل أدوات التخصيب إلى مكان بعيد قبل الضربة الأمريكية، كما يقول المختصون، ولم تسفر الضربة النووية عن أى انبعاث إشعاعى.
والمتوقع الآن حدوث خيار من اثنين، الأول هو الاكتفاء من الجانبين بما حدث من ضربة ورد متوازن ومتناسب لم يسقط فيه ضحايا وهو ما أرجِّحه نتيجة المعارضة الداخلية فى أمريكا لترامب من توريط أمريكا فى حرب مع إيران تضر بمصالح أمريكا أو أن يكون هناك رد أمريكى يكون حاسمًا نتيجة لأن ترامب هدد بأن أى استهداف للمصالح والقواعد الأمريكية سيقابله رد أمريكى أكثر عنفًا.
إن ما حدث من رد إيرانى على أمريكا فى دولة صديقة مثل قطر مؤشر خطر على كل المستويات، وكنت أتمنى أن تكون هذه الضربة موجهة إلى إسرائيل وليس قطر، وخاصة مفاعل ديمونا فى صحراء النقب حتى يوجع نتنياهو ويشعر أن إسرائيل غير آمنة على الإطلاق، ويعرف هذا الخنزير نتنياهو أنه لن يقدر على تغيير الوضع فى الشرق الأوسط وأن هناك دولًا فاعلة مثل مصر وتركيا وإيران والسعودية.
لقد أصبح الأمن الإقليمى فى خطر والوضع على حافة الاشتعال، فقاعدة العُديد الجوية هى أكبر القواعد الأمريكية فى المنطقة عددًا وعدة، واستهدافها هو رسالة إيرانية إلى ترامب أننا سنرد على أى ضربة أمريكية للأراضى الإيرانية، وهو ما يجعل منطقة الخليج فى قلب الحدث وهذا ما لا يدركه ترامب.
ولكن أيضًا لا ننسى أن إيران أكدت أن الاستهداف هو للمصالح الأمريكية وليس هناك خصومة مع الدولة القطرية أو الشعب القطرى بل بالعكس أمير قطر لعب دورًا محوريًا فى محاولة التفاوض والوصول لحلول سلمية فى أزمات المنطقة، وإحقاقًا للحق إن دولة قطر كانت دائمًا وأبدًا مع الجانب الإيرانى والشعب الإيرانى قولًا وفعلًا، وكانت ضد الهجمات الأمريكية على المفاعلات النووية وحاولت كثيرًا أن تقرب وجهات النظر الأمريكية الإيرانية، وسيكون لها دور فاعل فى مراحل التفاوض القادمة.
ولذلك فإن ما تم فى قاعدة العُديد هو بداية لسلسلة جديدة من تبادل الهجمات بين الجانب الإيرانى والأمريكى والإسرائيلى وخاصة بعد الزيارة الخاطفة التى قام بها عباس عراقجى أخطر وزير خارجية إيرانى ومقابلته مع بوتين فى هذه المرحلة الهامة والحساسة، لأن روسيا تعرف تفاصيل البرنامج النووى الإيرانى وقدمت دعمًا فنيًا ولوجستيًا لإتمام عمليات التخصيب ويمكن أن تستقبل روسيا اليورانيوم المخصب الإيرانى إذا دعت الحاجة لذلك.. كما أن بوتين هو مهندس الصفقات وترامب يستشيره في كل صغيرة وكبيرة، فهل ما جرى بين روسيا وتركيا وإيران وقطر متفق عليه مع أمريكا؟! (وهل كانت لعبة مصممة باحترافية كبيرة من مهندس الصفقات بوتين؟!).
الخريطة تتغير، ومن المتوقع أن تدخل كوريا الشمالية على الخط بعدما أعلنت دعمها للشعب الإيرانى وللحكومة الإيرانية على كل المستويات العسكرية والتقنية والفنية، وكذلك باكستان التى هدد نتنياهو بأنها ستكون المحطة التالية بعد إيران، فهو يؤمن بأنه لا يمكن السماح لدولة مسلمة بامتلاك قنابل نووية.
الأحداث متسارعة ورد الفعل الأمريكى سينتج عنه ردود أفعال أخرى، مثل إغلاق مضيق هرمز وضرب كل المصالح الأمريكية فى العالم وليس الشرق الأوسط وحده، ومن المتوقع أن توجه ضربة إيرانية عنيفة للداخل الإسرائيلى خلال الساعات القادمة، وحتى إشعار آخر. العالم يشتعل والمواقف تتداخل وتتشابك، والمصالح تتعارض، وخاصة الدور القذر الذى لعبه رافائيل جروسى، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذى نقل كل بيانات المفاعلات النووية الإيرانية لإسرائيل وأمريكا مقابل الحصول على وعد بأنه سيكون الأمين العام القادم للأمم المتحدة القادم.
وما زال التساؤل المهم هو: هل سيرد ترامب على ضرب القواعد الأمريكية أم لا؟
فإذا رد ترامب فالمنطقة ستشتعل وتحترق وستدخل أطراف أخرى فى المعركة، مما قد يحول الأمر إلى حرب حضارات بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ونخشى ما نخشاه أن تتحول إلى فوضى نووية عارمة فى المنطقة وتكون حربًا شاملة تحرق الأخضر واليابس وتوقف 20% من إمدادات البترول والغاز للعالم التى تمر عبر مضيق هرمز.
لكن المثير للدهشة والعجب أن نتنياهو استطاع أن يجر ترامب إلى مواجهة عسكرية مع إيران ورتب أوراقه منذ فوز ترامب لتحقيق ذلك وأصبح ترامب تابعًا له ولأطماعه بل ولأحلامه التى تجر أمريكا إلى الهاوية حتى أصبحت طرفًا فى المواجهات العسكرية مع إيران.
استطاع اليمين المتطرف الإسرائيلى والمخطط الصهيونى أن يجعل من أمريكا دمية يلعب بها كما شاء فى الوقت الذى يريد، وهذا ما نجح فيه اليمين المتطرف الإسرائيلى من جر أمريكا إلى المستنقع الإيرانى، ومواجهة دولة فى حجم إيران لديها 100 مليون مواطن وأخطر ما فيها هم علماؤها النوويون و«جيل يسلم جيل»، وسيقومون فى النهاية بتنفيذ برنامجهم النووى السلمى، وستستقط كل محاولات أمريكا وإسرائيل لشل الصواريخ البالستية الإيرانية، لأن المخزون ليس فى إيران فقط ولكنه فى العراق ولبنان واليمن.
الحرب تتجه إلى المجهول، إلا إذا عاد ترامب إلى صوابه ولم يرد على ضرب القواعد الأمريكية، ومن هنا تبدأ المفاوضات بعدم الخنوع أو الخضوع الإيرانى للإملاءات الأمريكية وأن تكون هناك ندية فى المفاوضات وإذا تم ذلك ستتجنب المنطقة أهوالًا لا يعرف أحد مداها، وستتوقف كرة اللهب التى أطلقتها إسرائيل وتبعتها أمريكا للأسف الشديد باللعب بالنار بلا أى حسابات فى هذه المنطقة الهامة والحيوية.
فلذلك نقترح على الجانب الإيرانى ضرورة الخروج من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، حتى لا تخضع للجواسيس داخل الهيئة وتكون حرة مثل إسرائيل وأمريكا، وعلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية أن تتخذ الحذر من الجواسيس والعملاء داخل إيران؛ لأن الهدف القادم هو المرشد على خامنئى ومحاولات إسقاط النظام، وهذا كان هدف نتنياهو عندما وجه خطابًا للشعب الإيرانى فى بداية استهداف الدفاعات الجوية الإيرانية.
أعتقد إذا عاد ترامب إلى رشده ستبدأ أمريكا فى إجبار إسرائيل على إنهاء الحرب وبدء المفاوضات مع إيران، وهو ما سيكون نجاحًا للإرادة الإيرانية والعربية، وانتصارًا كبيرًا لها فى هذه الجولة، وفى هذه الحالة يجب الإشادة بدور مصر الفاعل بعدما لعبت دورًا محوريًا مع الجانب الإيرانى للتهدئة حتى لا تشتعل الحرب، وهو ماعبر عنه الرئيس الإيرانى بشكره للرئيس المصرى وموقف مصر الداعم للتهدئة والسلام.
أما مصر فهى تراقب الموقف بحذر شديد وتضع سيناريوهات لمواجهة كل الاحتمالات وأى تجاوزات تهدد الأمن القومى المصرى.
وكما قلت وأؤكد وأكرر.
انتبهوا يا عرب.. (المتغطى بترامب والأمريكان عريان) وتوحدوا ولو مرة واحدة وقفوا خلف مصر وجيشها وشعبها.
حفظ الله الشعوب العربية والإسلامية ضد التتار والطوفان الصهيونى الإسرائيلى والأمريكان.
انتبهوا يرحمكم الله.