النهار
الأحد 22 يونيو 2025 09:43 مـ 25 ذو الحجة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

دلالات الهجوم الأمريكي على إيران وتوازن القوى في الشرق الأوسط

آثار الدمار والحرب
آثار الدمار والحرب

قدّم الدكتور محمد عبود، أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس، قراءة تحليلية للنتائج الأولية لهجوم الولايات المتحدة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية وانعكاساته على توازنات القوة والقرار السياسي في واشنطن وتل أبيب وطهران، موضحاً أن إسرائيل تعيش حالة من النشوة السياسية بعد الضربة، مدعومة بتضخيم إعلامي يصور القصف كـ«انتصار وجودي» على عدو تاريخي، ورفعت الدوائر السياسية في إسرائيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمصاف «الأنبياء»، ووصفه وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار بأنه رسول من رب العالمين باعتباره يوفر الحماية العسكرية والغطاء السياسي لتل أبيب، فيما قفز «نتنياهو» من رئيس وزراء فاشل منذ السابع من أكتوبر إلى موقع «البطل القومي» و«ملك إسرائيل» بالمعنى التوراتي، وهكذا تجاوز نتنياهو أزمات سابقة كادت تطيح به، وربما يستعد الآن لعفو رئاسي عن قضايا الرشوة، وانتصار عريض في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

فرض الهيمنة العسكرية والسياسية على المنطقة

وفق «عبود»، فإن اليمين الاستيطاني سيخرج بعد هذه الضربة أقوى من أي وقت مضى، مدعومًا بشعور عام بأن الحسم مع إيران يفتح الباب أمام تحقيق «أجندة يهودية تاريخية» تتمثل في السيطرة الكاملة على الأقصى، وتسريع مشاريع التهجير في الضفة، ورفع سقف المطامع في استيطان قطاع غزة وتهجير سكانه: «نتنياهو شخصيا تبنى هذا الاتجاه في حواره الخطير مع القناة 14 الأسبوع الماضي»، وفرض الهيمنة العسكرية والسياسية على المنطقة.

رغم الضربة النووية، لم تنكسر إيران، فما زال البرنامج الصاروخي الإيراني قائمًا، وهو في نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الخطر الحقيقي، إذ تدرك إسرائيل أن النووي يمكن تعطيله، لكن آلاف الصواريخ الباليستية والدقيقة تُبقي نظرية الردع الإسرائيلية في مهبّ الريح، خصوصًا مع قدرة طهران على تجاوز منظومات الدفاع الصهيونية مثل «حيتس» و«القبة الحديدية» وحتى منظومة «ثاد» الأمريكية، بحسب أستاذ الدراسات العبرية.

أكد أستاذ الدراسات العبرية، أن إسرائيل ستواصل هذه الحرب باعتبار أن البرنامج النووي «رعب زائل»، لكن البرنامج الصاروخي «رعب مقيم» يُدخل ملايين الإسرائيليين إلى الملاجيء ليلا ونهارا، ويلتهم نظرية الردع العبرية، لافتاً إلى أن الردود الإيرانية أحدثت خسائر ملموسة، بعضها تم التكتم عليه، فالمقاطع المصورة تكشف تشير تضرر منشآت في الشمال والوسط والجنوب ومقتل عشرات، فضلاً عن خسائر مسكوت عنها في القواعد العسكرية وخسائر اقتصادية قد تتجاوز 3 مليار دولار في القطاعات الحيوية «طيران، شحن، تكنولوجيا»: «لكن، في تقديري الشخصي، المزاج العام الإسرائيلي مستعد لتحمل مزيد من الخسائر، بدافع الإجماع القومي والشعور بأن المعركة وجودية، لا ظرفية».

تفكيك أجهزة الطرد المركزي

سيظل البيت الأبيض يعمل على مسارين: الأول تفاوضي، يستهدف دفع إيران لتسليم مخزون اليورانيوم المخصب وتفكيك أجهزة الطرد المركزي، والثاني عسكري، يُبقي خيار الحرب مفتوحًا لردع طهران، وهنا روى الدكتور محمد عبود، أنه هناك سيناريو واضح يُرسم على غرار النموذج الليبي، لكن بحسابات معقدة نظرًا لقوة إيران ونفوذها الإقليمي.

وحول مصير هذه المعركة، ذكر أنه مرهون بقدرة النظام الإيراني على الحفاظ على تماسك جبهته الداخلية، خصوصًا مع الضغوط الاقتصادية والعقوبات، واحتقان الشارع الإيراني، والمؤشرات حتى الآن تشير إلى تماسك نسبي، لكن وجود المرشد الأعلى على قائمة «الأهداف المحتملة» يرفع مستوى الخطر السياسي إلى ذروته. ولا تُستبعد محاولات فرض نظام بديل يكون أكثر قابلية «لدخول بيت الطاعة الأمريكي-الصهيوني».

واختتم تحليله، بأن ما حدث ليس إلا بداية فصل جديد من الصراع، قد يطول ويتمدّد. والقراءة المتأنية تقول: البرنامج النووي ضُرب، لكن الصواريخ لا تزال رعبا مقيما، ومازال في جعبة إيران أوراق مهمة ليس أولها إغلاق مضيق هرمز، وليس آخرها ضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية في أي نقطة على خارطة الاستهداف المحدثة.