نجاح الموجي.. ”خرمانجي الدخان” الذي ارتجل الضحك وصنعه بإتقان

في زمنٍ كانت فيه الكوميديا تتأرجح بين التهريج والتقليد، جاء نجاح الموجي ليقدم نوعًا مختلفًا من الضحك، نابعًا من الموهبة الصافية والبساطة العفوية. في ذكرى ميلاده التي توافق 11 يونيو، نستعيد سيرة فنان لم يكن مجرد ممثل، بل "صاحب مزاج"، ارتجل طريقه إلى القلوب دون مقدمات.
من الدقهلية إلى قلوب الجمهور
وُلد عبد المعطي محمد الموجي، الشهير بـ"نجاح الموجي"، عام 1945 بمحافظة الدقهلية. بعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية، شق طريقه ببطء، متنقلاً بين المسرح والتلفزيون والسينما، قبل أن يلفت الأنظار بأسلوبه الخاص في الأداء، الذي مزج فيه ما بين الواقعية الشعبية والذكاء الفني.
خرمانجي الدخان.. شخصية عابرة للزمن
أحد أشهر أدواره التي لا تُنسى كان في مسرحية "المتزوجون"، حين جسّد شخصية "الهمجي" مدمن السجائر، أو كما وصف نفسه ساخرًا بـ"خرمانجي الدخان". بكلماته المرتجلة، وحركاته العفوية، جعل من الشخصية مشهدًا كلاسيكيًا يُعاد ويُستشهد به حتى اليوم. لم يكن النجاح بسبب النص فقط، بل لأن الموجي كان يرتجل بروحه، ويُدخل على الشخصية من طباعه الخاصة ما جعلها حيّة ومُقنعة.
ارتجال بوعي.. وضحك بموقف
ما يميّز نجاح الموجي ليس فقط خفة ظله، بل فهمه العميق لما يقدمه. لم يكن يضحك لإثارة الضحك فقط، بل كان يستخدم الكوميديا كأداة لنقد اجتماعي ساخر، يفضح التناقضات، ويسخر من الفساد، ويقرّب الصورة من واقع الناس.
من بين أهم أفلامه التي ساهمت في بناء شهرته "أيام الغضب"، "4-2-4"، "صاحب الإدارة"، "بواب العمارة"، "أربعة في مهمة رسمية"، "الكيت كات"، "الحب في طابا"، "طأطأ وريكا وكاظم بك"، و"الحب فوق هضبة الهرم".
كما تألق في المسرحيات الكوميدية مثل "المتزوجون" و"فندق الأشغال الشاقة"، وبرز في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل "أهلا بالسكان" عام 1984، وتظل شخصية "الهرم" في فيلم "الكيت كات" من أشهر أدواره، والتي تحولت إلى أيقونة في السينما المصرية.
على مدار مسيرته الفنية، قدم نجاح الموجي أكثر من 150 عملا فنيا بين أفلام ومسلسلات ومسرحيات، وتم اختيار 3 من أفلامه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، مما يؤكد مكانته كأحد أعمدة الفن الكوميدي في مصر، وتميزت أعماله بالقدرة على المزج بين الفكاهة والرسائل الاجتماعية، مما جعلها قريبة من قلوب الجمهور عبر الأجيال.
الرحيل الصامت لفنان صاخب بالفن
في صباح 25 سبتمبر 1998، رحل نجاح الموجي إثر أزمة قلبية مفاجئة، وهو في قمة عطائه الفني. لم يكن ضجيجًا في رحيله كما كان في حياته، لكن الذاكرة الشعبية لم تسمح له بالغياب، فأعماله تُعرض حتى اليوم، وضحكاته لا تزال تصدح في بيوت المصريين.
في ذكراه.. نشتاق إلى ارتجاله
في زمن باتت الكوميديا تعتمد على النصوص المكتوبة بعناية زائدة، نفتقد فنانًا مثل نجاح الموجي، الذي لم يكن بحاجة إلى إعداد مطوّل، لأنه كان يعيش الشخصيات، ويمزج بين الواقع والخيال بحرفية فطرية.
نجاح الموجي، "خرمانجي الدخان" في الذاكرة، و"صاحب مزاج الارتجال" في تاريخ الفن، سيظل نموذجًا لفنان حقيقي عاش من أجل أن يُضحك الناس، دون أن يفقد احترامه لفنه أو لجمهوره.