”خسائر غير مسبوقة رغم الإنتاجية الكبيرة”.. مزارعو العروة الصيفية للبطاطس بين طفرة التصدير وانهيار الأسعار محليًا

"الموسم مش مبشر.. وسعر الطن مش مغطي التكاليف".. بهذه الكلمات استقبلنا الحاج أحمد عبد الفتاح، أثناء رصدنا الميداني لحصاد محصول البطاطس في أرضه الزراعية بقرية كفر المنصورة التابعة لمركز طنطا في محافظة الغربية، حيث يزرع 8 أفدنة، مؤكدًا أن سعر الطن الواحد في الوقت الحالي يصل إلى 3000 جنيه، في حين أن متوسط إنتاج الفدان يتراوح بين 15 و18 طنًا، وقد ينخفض في بعض الأراضي إلى 12 طنًا، وذلك حسب جودتها ومستوى خدمتها.
ويكشف الحاج أحمد عبد الفتاح، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن تكاليف الإنتاج لهذا العام كانت مرتفعة للغاية، حيث سجلت أسعار التقاوي مع بداية الزراعة في شهر يناير الماضي أرقامًا قياسية تراوحت بين 110 إلى 130 ألف جنيه للطن الواحد، ناهيك عن إيجار الفدان الواحد، والذي يتجاوز ال 100 ألف جنيه في بعض المناطق، هذا بخلاف أسعار الأسمدة والمبيدات والري والعمالة وغيرها، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على كاهل المزارع.
ويوضح أن انخفاض أسعار البطاطس والخسارة التي مُني بها هو وكثير من المزارعين ستدفعهم إلى تخزين المحصول في الثلاجات، أملًا في تحريك الأسعار مستقبلًا، مشددًا على أنه لا يفضل هذا الخيار لأسباب كثيرة، لكن الأسعار اضطرته إلى ذلك.
ويؤكد أن البطاطس محصول استراتيجي يمثل أمنًا قوميًّا، حيث أصبحت من الأطباق الأساسية على موائد المصريين، بجانب كونها من أهم المحاصيل التصديرية التي تُدر عملة صعبة لخزينة الدولة، مناشدًا المسؤولين في وزارة الزراعة والجهات المعنية بفتح أسواق تصديرية جديدة لتحريك الأسعار، والعمل على إنتاج تقاوي محلية تساعد على إحداث توازن مع المستوردة.
طفرة في صادرات البطاطس لهذا الموسم رغم انخفاض الأسعار محليًا
وحتى كتابة هذه السطور، كشفت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، في أحدث تقرير لها، عن طفرة كبيرة في صادرات البطاطس المصرية إلى مختلف دول العالم خلال الموسم الجاري، والتي تجاوزت المليون طن حتى الآن، متفوقة على نفس الفترة خلال العام الماضي.
ووفقًا للتقرير الصادر عن الإدارة المركزية للحجر الزراعي، فقد بلغ إجمالي حجم صادرات البطاطس المصرية خلال الموسم الحالي وحتى الآن حوالي مليون و81 ألف طن، مسجلًا بذلك زيادة ملحوظة مقارنة بإجمالي صادرات نفس الفترة من الموسم السابق، الذي بلغ 832 ألف طن.
وأشار التقرير إلى أن صادرات البطاطس المصرية إلى العديد من الأسواق الرئيسية قد شهدت نموًّا ملحوظًا، حيث جاءت دولة روسيا في مقدمة المستوردين بكمية تجاوزت 351 ألف طن، تليها دول الاتحاد الأوروبي بكمية بلغت حوالي 331 ألف طن، فيما بلغ إجمالي صادرات البطاطس إلى عدد من البلدان العربية حوالي 315 ألف طن، فضلًا عن دول أجنبية أخرى استوردت حوالي 83 ألف طن حتى الآن من البطاطس المصرية.
استيراد كميات كبيرة من تقاوي البطاطس وصلت لـ 148 ألف طن
من جانبه، يرى المهندس يحيى عبد الغفار المدير العام لمنتجي ومصدري الحاصلات البستانية، أن الكميات التي يتم استيرادها كل عام من تقاوي البطاطس وتكفي احتياجات مصر تتراوح بين 90 لـ 110 ألف طن تقاوي؛ مشيرا الي أنه خلال هذا العام تم استيراد 148 ألف طن من التقاوي، هذا بخلاف كميات التقاي المخزنة من العروة الشتوية وهو ما تسبب في حالة من التكدس للكميات المخزنة.
وأضاف عبد الغفار، في تصريحات " للنهار"، أن هناك مساحات كبيرة تمت زراعتها هذا العام بالبطاطس من بعض المزارعين الجدد على المحصول طمعا منهم في تحقيق مكاسب كبيرة كالتي حققها البعض خلال الموسم الماضي، مضيفا بأن هناك أزمة حدثت من قبل شركات التصنيع والشيبسي، لعدم وفائها ببنود التعاقدات مع المزراعين وشراء الكميات المتفق عليها.
واستكمل حديثه بأن الإنتاجية وفيرة هذا العام بسبب المناخ الملائم وهو ما يصب في مصلحة المستهلك، لكنه في الوقت نفسه يشدد على ضرورة وجود حالة من التوازن تضمن تحقيق هامش ربح مناسب ومرضي للمنتج وهو الفلاح بالتزامن مع ارتفاع مستلزمات الإنتاج.
وقدم المدير العام لمنتجي ومصدري الحاصلات البستانية، عددا من الحلول التي يجب وضعها في الاعتبار مع المحاصيل المختلفة ولا سيما الاستراتيجية من خلال وضع خطط حقيقة تراعي الاحتياجات الاستهلاكية والتصنيعية والتصديرية، لافتا إلى ضرورة اتباع النظم العلمية في استيراد التقاوي ومتع استقبال أي شحنات مع بداية شهر ديسمبر من كل عام، مرورا بتحديد المساحات المنزرعة مع زيادة الاهتمام بالقدرات التصنيعية.
مزارع بالمنوفية: "خسائر كبيرة للفلاح بسبب البطاطس"
وبالانتقال إلى محافظة المنوفية، يروي لنا الحاج حازم عنتر، الذي يزرع مساحة تصل إلى 11 فدانًا، أن الخسائر الكبيرة التي لحقت بمزارعي البطاطس في الموسم الصيفي لم يسبق لها مثيل، قائلاً: "بزرع بطاطس من سنة 1980 ومشوفتش اللي حصل دا.. ومعداش علينا اللي حصل السنة دي.. وفيه نوع خاص بمصانع الشيبسي بعناه بـ 2000 جنيه للطن، ودي نكسة علينا كمزارعين."
ويرجّح الحاج حازم عنتر، "للنهار"، أن السبب وراء انخفاض أسعار البطاطس الصيفية هو زيادة المساحات المنزرعة، سواء في الأراضي القديمة أو الجديدة، إلى جانب الظروف المناخية الجيدة التي ساعدت على ارتفاع الإنتاجية، ما أدى إلى زيادة الكميات المعروضة.
وأضاف أن هناك كميات كبيرة مخزنة في الثلاجات من العروة الشتوية لم يتم بيعها جتى الآن، أملًا في تحريك الأسعار، مشيرًا إلى أن انخفاض الأسعار سيدفعه إلى تقليل المساحات المنزرعة العام المقبل، والاتجاه لزراعات أخرى مثل القمح أو الفاصوليا، مطالبًا بضرورة إعادة سياسة الدورة الزراعية لتحديد المساحات المنزرعة، حتى لا تتكرر تلك الأزمات.
نقيب الفلاحين: "زيادة المساحات والإنتاجية وراء انخفاض الأسعار"
وفي هذا السياق، يتفق حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، مع ما سبق، مشيرًا إلى أن انخفاض أسعار البطاطس في العروة الصيفية يرجع إلى عدة أسباب رئيسية، على رأسها زيادة المساحات المزروعة نتيجة ارتفاع الأسعار في المواسم السابقة، إلى جانب دخول كميات كبيرة من التقاوي، مما ساهم في ارتفاع الإنتاج بما يفوق احتياجات السوق المحلي وقدرات التصدير.
وأضاف نقيب الفلاحين قائلًا: "صدّرنا حتى الآن نحو مليون طن بطاطس منذ بداية العام الحالي، وهو رقم كبير، لكن رغم الطفرة في الصادرات، لا تزال الكميات المعروضة في السوق المحلي أكبر من الطلب، ما أدى إلى تراجع الأسعار."
وحول مستقبل الأسعار، أشار أبو صدام في حديثه" للنهار" إلى أن أي ارتفاع سيكون طفيفًا ومشروطًا بانخفاض المعروض، مضيفًا: "من غير المتوقع أن نرى نفس الارتفاعات التي شهدناها العام الماضي."
وشدد على أن أزمة تقلبات الأسعار لا يمكن حلها إلا من خلال وضع خريطة زراعية واضحة للمحاصيل الاستراتيجية مثل البطاطس والطماطم، قائلاً: "لا يصح أن نستمر في العشوائية الحالية، التي تؤدي في كل موسم إلى خسائر إما للمزارع أو للمستهلك."
وأكد أن التصدير ليس حلًا شاملًا، إذ يخضع لمواصفات دقيقة وتعاقدات مسبقة لا تشمل كل أنواع البطاطس المنتجة محليًا، مطالبًا بـ إطلاق حملات توعية للفلاحين لتحديد المحاصيل والكميات المناسبة لكل منطقة جغرافية.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن المزارع هو المتضرر الأكبر من الأزمة الحالية، قائلاً: "الانخفاض الحالي أجبر الفلاحين إما على البيع بخسارة أو تخزين البطاطس في المخازن أملًا في تحسّن الأسعار، بينما التاجر لا يتأثر بنفس القدر سواء ارتفعت الأسعار أو انخفضت."
صادرات مصر من البطاطس خلال العام الماضي
في عام 2024، احتلت البطاطس المركز الثاني في صادرات مصر الزراعية بـ 977 ألفًا و233 طنًا، مسجلة نموًا بنسبة 4% مقارنة بالعام السابق، وفقًا لتقرير صادر عن الإدارة المركزية للحجر الزراعي.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تطور صادرات مصر من البطاطس خلال عام 2024، حيث بلغت قيمتها نحو 409 ملايين و129 ألف دولار خلال أول 10 أشهر من العام، ارتفاعًا من 391 مليونًا و394 ألف دولار في نفس الفترة من عام 2023، بزيادة قدرها نحو 17 مليونًا و735 ألف دولار.
لأول مرة.. إنتاج تقاوي بطاطس مصرية
في الـ 24 من مايو الجاري، أعلن الدكتور أحمد حلمي، مدير معهد بحوث البساتين ورئيس البرنامج القومي لإنتاج تقاوي الخضر، عن نجاح أول تجربة لزراعة تقاوي البطاطس في مصر بمحافظة الوادي الجديد، ضمن خطة الدولة لإنتاج أكثر من 60 ألف طن من التقاوي خلال خمس سنوات، تنفيذًا لتكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي وتوجيهات وزير الزراعة علاء فاروق.
وكشف الدكتور أحمد حلمي، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن المساحة المنزرعة هذا الموسم بلغت نحو 50 فدانًا، تضم عدة أصناف، تحت إشراف علمي وفني وبالتعاون مع شركات القطاع الخاص المتخصصة في إنتاج تقاوي البطاطس، مؤكدًا أن النتائج مبشرة للغاية، حيث بلغ متوسط الإنتاج نحو 15 طنًا للفدان.
وشدد على أن هذه إنتاجية ممتازة نظرًا لطبيعة الزراعة الخاصة بـ تقاوي الجي زيرو (G0)، وأنه مع التوسع في الزراعة التجارية للمزارعين، ستتخطى متوسطات الإنتاج للأصناف الأخرى، موضحًا أن التقاوي المنتجة خالية من العفن البني والأمراض الفيروسية والفطرية، ولديها قدرة على تحمل التغيرات المناخية.
وأشار إلى أن المشروع يأتي في إطار تقليل الاعتماد على الاستيراد، خاصة وأن مصر تستورد حاليًا 100% من تقاوي البطاطس، حيث بلغت الكميات العام الماضي نحو 145 ألف طن، مضيفًا: "لا نسعى للمنافسة مع القطاع الخاص وإنما للتكامل، بقدر ما نهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير العملة الصعبة، وتوفير تقاوي ذات جودة عالية ومناسبة للبيئة المصرية."
وتابع أن الأصناف المنتجة سيتم التوسع في زراعتها خلال عامين إلى ثلاثة أعوام، مع إطلاق حقول إرشادية للمزارعين لتعريفهم بالتقاوي المحلية، تمهيدًا لطرحها بالأسواق قريبًا، بما يسهم في خلق توازن في أسعار التقاوي بالسوق المحلي.