النهار
الخميس 8 مايو 2025 11:10 مـ 10 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

”نميرة نجم” تُحذِّر في واشنطن: اختيار أمريكا للقوة فقط بديلا عن القانون كارثة عليها و على العالم

حذرت السفيرة د. نميرة نجم، مديرة المرصد الافريقي للهجرة و خبيرة القانون الدولي والرئيسة الشرفية للجمعية الإفريقية للقانون الدولي في تجمع عالمي ضم محاميين و خبراء دراسين القانون الدولي في واشنطن قائلة "إنها لا يمكنها التحدث كثيراً عن السياق الأمريكي، ولكن كل ما نراه اليوم يحدث في الولايات المتحدة، إذا لم يُطعن فيه، ولم يكن هناك موقف حقيقي لسيادة القانون، فلن تكون هناك "حقيقة" على الإطلاق، والقوة فقط هي التي ستسود، وهذا سيكون كارثياً للعالم، وليس فقط للولايات المتحدة".
جاء ذلك أثناء الحلقة النقاشية التي جاءت تحت عنوان "حق اللجوء إلى الحرب (Jus ad Bellum)" ضمن فعاليات المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للقانون الدولي (ASIL) في دورته الـ 119، والذي انعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وأشارت السفيرة في كلمتها إلى أن "المحامين يُستدعون لإعطاء، كما نقول، 'التغليف' لكيفية تفعيل ما يريده التنفيذي"، مؤكدة أن المشورة القانونية، وإن كانت تُقدم عبر الوزراء المعنيين، غالباً ما تبقى محصورة في أروقة السلطة العليا عند اللجوء للحرب .
مؤكدة أن قرار الذهاب إلى الحرب يظل في المقام الأول قراراً تنفيذياً وسياسياً تتخذه القيادات العليا في الدول، مشيرة إلى أن دور القانون والمستشارين القانونيين غالباً ما يأتي في مرحلة لاحقة لتبرير وتفعيل هذا القرار وان كان هناك بعض الأنظمة تتطلب معرفة الوضع القانونى قبل الذهاب للحرب.
واستعرضت السفيرة نجم الإطار الدستوري المصري لاتخاذ قرار الحرب، موضحة أنه على الرغم من أن الرئيس هو صاحب القرار، إلا أنه مُلزم بالتشاور مع مؤسسات عليا مثل مجلس الأمن القومي ومجلس الدفاع الوطني والبرلمان.
وفي سياق التجربة المصرية، أوضحت السفيرة نجم أن مصر تتبنى عقيدة دفاعية، وتجنبت شن اى جروب من أجل الحفاظ علي السلام في المنطقة وحماية الأمن القومى لها وحماية حدودها..
وعلى الصعيد الأفريقي، أكدت السفيرة نجم، أن المادة 4(h) من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي تُجيز حق التدخل في دولة عضو حال وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بحماية المدنيين.
وأشارت إلى أن الاتحاد، إلى جانب التكتلات الإقليمية كمنظمة “إيكواس”، تدخل في حالات مثل غامبيا وسيراليون، إثر تغييرات غير دستورية للحكومات، وهي ظاهرة تصاعدت منذ التسعينيات وأثّرت على استقرار القارة.
ورغم وجود هذه القواعد، أوضحت نجم أن التطبيق لا يزال دون المستوى المطلوب، في ظل وجود 23 نزاعًا مسلحًا حاليا في افريقيا . ومن واقع مشاركتي في مداولات مجلس السلم والأمن، أن الدول الأعضاء تتعامل بحذر قبل اتخاذ قرارات بالتدخل، وتحرص على التشاور المنتظم مع مكتب المستشار القانوني للاتحاد الإفريقي.
وأوضحت السفيرة علي إنها تنظر إلى القانون الدولي بالطريقة التي درستها في لندن، فلو عدنا إلى كتاب إيان براونلي، ستجد أنه تحدث عن الدفاع عن النفس، وتحدث بشكل موسع عن الضربة الوقائية، لكنه في النهاية قال إنها ليست جزءاً من القانون الدولي، وأنه ليس قانونياً بموجب القانون الدولي تنفيذ ضربة وقائية.
وشددت نجم على أن هناك عاملاً هاماً يجب أن نُلفت الانتباه إليه، وهو لإعطاء بعض الشرعية لمبدأ "Jus ad Bellum" (الحق في الحرب) الذي تم تجاهله كثيراً، لأننا نركز كثيراً على "Jus in Bello" (قانون الحرب أثناء النزاع)، فمحكمة العدل الدولية، عندما أعلنت العام الماضي في رأيها الاستشاري عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وأراضٍ عربية أخرى محتلة، استخدمت "Jus ad Bellum"، وليس "Jus in Bello"، وقد كنت عضواً في الفريق القانوني المترافع عن دولة فلسطين في هذه القضية، وكمحامين في الفريق الفلسطيني أمام العدل الدولية دافعنا بكل الأدوات القانونية في هذه القضية، لكن الأساس في عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي كان الاستيلاء على اراضى الغير بالقوة — وهذا هو جوهر عدم الشرعية — وتأثير ذلك على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
لذا، يجب أن نتذكر مدى أهمية مبدأ "Jus ad Bellum" في التصنيفات القانونية والمشاورات الدولية، مع استثناء التحالفات الاستراتيجية الذي يُتخذ فيه القرار سواء بحضور المحامين أو لا، وهذا هو البُعد السياسي، وقد شاهدنا ذلك، في التحالف الاستراتيجي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فالمشاورات تتم بينهما على جميع المستويات، وقد رأينا ذلك في الأمم المتحدة أثناء عملي كمستشار قانوني لبعثة مصر في نيويورك.
وأضافت السفيرة أنه عندما يكون المحامون الدوليون في غرفة الإجتماعات ، فلكل منهم وجهات نظر مختلفة، مع بعض الأبعاد المتباينة، والمحامون المدنيون الذين عملت معهم، وقد قدمت العديد من الاستشارات القانونية كجزء من الحكومة، يقدمون نصائحهم استناداً إلى الخط الذي يعرفونه مسبقا عن سياسية دولته ، ولهذا أتفق بأنه لا يوجد رأي قانوني موضوعي بحت في التنفيذ، لأن المحامى الذى يتحدث باسم دولته يفسر القانون طبقا لمصالح الدولة التى يمثلها
وشرحت نجم إلى أنه عندما كانت تتفاوض بإسم مصر على وثائق لاتفاقيات الأمم المتحدة، كان لديهم كمفاوضين مصطلح يُعرف بـ "الغموض البنّاء" (Constructive Ambiguity)، ما هو الغموض البنّاء؟ فنحن نغادر جميعاً الغرفة ونحن غير سعداء بالنص الذي توصلنا إليه في معاهدة، لكن كمحامين وممثلي دول مختلفة يمكننا التعايش معه. لماذا؟ لأن كل واحد منا وضع ما يكفي من الثغرات بحيث يمكننا، عندما نعود إلى حكوماتنا، أن نفسر النص بطريقة تخدم النقطة التي بدأنا بها التفاوض، هذه هي الحقيقة، وهي تتعلق بالانتقال من الأحادية إلى التعددية، ثم العودة مرة أخرى إلى الأحادية.
وعلقت السفيرة قائلة: نحن كمحامين كثيراً ما نُنتقد لاستخدامنا للمصطلحات القانونية بشكل مفرط، ولكن عندما تستمر في إدخال عناصر جديدة ويتم مناقشتها على مستويات عليا، في المؤسسات الأكاديمية، وفي الحكومات حيث يتم تبنيها كعقائد، تظهر مشكلة المعايير ، لأننا لا نتفق على بعض العناصر فيها.
وأكدت نجم على الفرق بين نص القانون الذي أتحدث عنه — "الغموض البنّاء" في المعاهدات — يختلف تماماً عن مجلس الأمن. لأنه عندما يتعلق الأمر بالفصل السابع في مجلس الأمن، فالأمر واضح جداً: إذا كنت تستخدم القوة أو لا، يكون ذلك محدداً بوضوح. ومن هنا اشتدت حدة النقاش، خصوصاً في حرب العراق.
وأشارت نجم إلى أنه عندما تجلب محامي الجيش إلى غرفة الاجتماعات والمداولات، فإنهم يفكرون كاولوية بكيفية مثولهم لقوانين الحرب والقانون الدولى الإنسانى على الأرض و لكنهم غالبا لن ينظروا إلى الجوانب المختلفة التي ينظر إليها المدنيون، وهذا هو الفرق بين شخص عمل في وزارة الخارجية أو في منظمة دولية، ثم تم استدعاؤه أمام حكومته ، مقابل شخص ينظر فقط من منظور عسكري، والفرق شاسع هنا، فعندما يكون محامو الجيش في الغرفة، فإنهم يأتون من خلفيات مختلفة، فهناك من يختص فقط بسلاح الجو، وآخر بالبحرية وآخر بفروع أخرى من الجيش. لذلك كل واحد سيركز فقط على كيفية اتخاذ القرار لفرعه العسكري، أي من منظور عسكري ضيق، بدلاً من النظر إلى المنظور العالمي، هم أيضاً ينظرون فعلياً إلى المنظور العالمي، لكن من وجهة نظر عسكرية في كيفية تتفاعل الجيوش الأخرى، من الناحية العملياتية وليس القانونية الدولية التى تستخدم في قاعات الأمم المتحدة على سبيل المثال،وعندما نتحدث عن المحاميين في الجيش مقابل المحاميين المدنيين، فقد حضرت مؤتمر ميونيخ الأمني من قبل، إنها تجربة لا تُنسى إذا سبق لك حضورها، لأنها تبدو وكأنك في فيلم سري فعلاً، حيث الغرف سوداء، وفي بناية عتيقة ، ولأن الحضور أغلبهم من العسكريين، فإنك تشعر بأنك منبوذ كمدني، وأحياناً ستجد هناك بعض الانتقادات من العسكريين حتى للمؤسسات المدنية التي تقيم فعاليات على هامش المؤتمر، فهم يرونها أنها تجلب الكثير من "القوة الناعمة" إلى شيء يخص "القوة الصلبة".
وأضافت نجم أنه كان من المثير جداً أن تسمع بعض التفسيرات هناك حول "Jus ad bellum " وكيف يتم تلقينها للجيش الأمريكي، وهو أمر مختلف تماماً عن بقية العالم، لقد كان الأمر مدهشاً بالنسبة لي، لأنه كان أول مرة أحتك فيها بهذا الأمر على أرض الواقع، حتى إنني علقت ذات مرة وقلت لهم: "مع كل الاحترام، ما تقولونه ليس كما تعلمنا"، ولذلك كان ذلك صدمة حقيقية، كشخص يمارس القانون الدولي طوال حياته، من قوانين حكومية مختلفة، أن يدرك أنه هناك مكان ما في العالم، يوجد من لديه تفسير مختلف تماماً عنا، وحرفياً عن جميعنا.
وسلطت السفيرة الضوء على أن أحياناً قرارات الذهاب إلى الحرب تتخذ بسرعة تفوق ما يريده المحامون، لأن المحامين عادةً ما يقولون: "أعطني وقتاً، لأنني بحاجة لقراءة النص، ودراسته، والتحقق من الالتزامات، والاتفاقيات الدولية، وما إلى ذلك". إذاً، فإن القرارات السياسية والعسكرية تُتخذ بسرعة تفوق وتيرة العمل القانوني.
وأضافت نجم أن نقص المعلومات بالتأكيد يؤثر على الرأي القانوني، لأنه إذا كنا نتحدث عن نص قانوني، فإذا كنت أكتب ورقة أكاديمية أو أتفاوض على نص، فلا بأس، لأنني فقط أبحث في الكتب، ولكن إذا كنت سأطبق القانون، فأنا بحاجة إلى الحقائق، وبدون الحقائق، قد يتغير رأيي القانوني في موقف معين، وأحياناً نُهاجم المحامين الذين يكتبون شيئاً ثم يغيرون نصيحتهم لاحقاً. لكنهم لا يغيرون رأيهم لأنهم لا يريدون إعطاء النصيحة الصحيحة، بل لأن الوقائع تغيرت، وهذا أمر طبيعي.
وفي ختام كلمتها أوضحت السفيرة أن هذه هي الديناميكيات التي تحدث في مداولات الغرف المغلقة، سواء على المستوى العالمي أو الوطني، ونصيحتي للمحامين هي أن يكونوا أكثر فاعلية، وأن يقدموا النصيحة بشكل أسرع لدعم كلا الجانبين، لكن بالطبع، في النهاية، إذا كنا نتحدث عن القانون بين الحقيقة والسلطة، فلا توجد حقيقة، السلطة هي التي تتحدث في النهاية؟!
وفي إطار تقديم المؤتمر للحلقة النقاشية ذكر إن العالم يشهد عودةً متزايدةً للنزاعات المسلحة بين الدول. وتخضع مشروعية هذه النزاعات لأحكام "حق اللجوء إلى الحرب" (jus ad bellum)، وهو فرع من القانون الدولي يتمتع العديد من المحامين الدوليين بخبرة عميقة فيه. لكن كيف يتم تقديم المشورة القانونية في هذا المجال عملياً؟ تقوم الدول بتنظيم تقديم المشورة القانونية بشأن هذا الموضوع بطرق مختلفة. ومن هذا المنطلق، تسعى هذه الجلسة إلى فهم الطريقة التي تُصاغ بها المشورة القانونية بشأن jus ad bellum، وكيفية نقلها واستقبالها واعتمادها (أو عدم اعتمادها) داخل الحكومات، بشكل ملموس وعملي. ما الذي يمكن أن تخبرنا به الممارسات السابقة عن كيفية تقديم المشورة القانونية في هذا المجال، خاصةً عندما ينبغي اتخاذ قرارات مهمة في الوقت الفعلي؟
وقد أدارت الحلقة النقاشية تيس بريدجمان، دكتورة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة بيركلي، والتي عملت كمساعدة خاصة للرئيس الأمريكي، ونائبة المستشار القانوني لمجلس الأمن القومي الأمريكي خلال إدارة أوباما، كما عملت في وزارة الخارجية الأمريكية في مكتب المستشار القانوني كمساعدة خاصة له، وكمستشارة قانونية سابقة في مكتب الشؤون السياسية-العسكرية.
وقد شارك في الندوة دوغ ويلسون، رئيس المجموعة القانونية لمجلس الأمن القومي البريطاني، والمدير العام لمكتب النائب العام في المملكة المتحدة، الذي شغل سابقاً منصب المدير القانوني في وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات GCHQ، كما عمل كمحامٍ ودبلوماسي بريطاني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو محامٍ من رتبة King’s Counsel، وتشيمن كيتنر، أستاذة القانون بجامعة كاليفورنيا – ديفيس، والمستشارة السابقة للقانون الدولي في وزارة الخارجية الأمريكية، وسرينيفاس، أستاذ مشارك في كلية الدراسات القانونية، جامعة جنوب آسيا، نيودلهي، وعمل سابقاً لدى منظمة AALCO (اللجنة الاستشارية القانونية الآسيوية الإفريقية) واللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC).