النهار
الأحد 4 مايو 2025 02:26 صـ 5 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

فن

داليدا... سيدة الضوء التي اختارت الرحيل في الظل

"سامحوني... الحياة لم تعد تحتمل."

ـ داليدا، في رسالتها الأخيرة.

في مثل هذا اليوم منذ 38 عامًا، اختارت داليدا أن تُطفئ الضوء، بعدما أضاءته طويلًا لغيرها.

رحلت بصمت... بصوت لا زال يصدح حتى الآن، وبوجه لا يزال يشبه الحياة رغم كل ما كسرها.

لم تكن داليدا مجرد مغنية، بل امرأة يتغنّى الحزن من خلالها. من شبرا إلى باريس، من الطفولة المكسورة إلى المجد، من الحب الأول إلى الوحدة، من الحلم إلى العدم.

بداية الرحلة.. بنت من شبرا

وُلدت باسم يولاندا كريستينا جيجليوتي، لأسرة إيطالية مهاجرة. تربت في حي شبرا القاهري، حيث اختلطت أصوات الباعة بروائح الياسمين وأغاني أم كلثوم من الراديو.

في شبرا تعلمت كيف تضحك رغم كل شيء، وكيف تخبّئ الدموع خلف الكحل الثقيل.

فازت بلقب ملكة جمال مصر، وسافرت إلى فرنسا، حاملة في قلبها أمًا طيّبة، وطفولة لم تندمل.

سبع أغانٍ.. جسدت سيرتها بصوتها

لم تكن أغاني داليدا مجرد موسيقى، بل كانت سيرة ذاتية مغناة. في كل واحدة منها تنعكس مراحل حياتها، أحزانها، خيباتها، وأحلامها التي لم تكتمل.

" زمن والدي – Nostalgie"

"تعال حدثني عن زمن أبي، عن البيت ذي الشبابيك الزرق"

تحكي عن والدها العازف في أوبرا القاهرة، وعلاقته الصعبة معها. رحل والدها وهي في سن الثانية عشرة، وبقيت ذكراه تؤلمها حتى النهاية.

هناك دائمًا أغنية – Il venait d’avoir 18 ans

تعود فيها داليدا إلى بدايات الألم، إلى مرضالذي أصاب عينيها في طفولتها وأجبرها على ارتداء نظارات جعلتها موضع تنمّر

حيث كاد أن يفقدها بصرها في الطفولة، وترك ندوب على ملامحها وفي نفسيتها. لكنها انتصرت، وأصبحت أيقونة للجمال والثقة.

أهلاً يا حب – Ciao amore, ciao

هي الأغنية التي كتبها حبيبها الإيطالي لويجي تينكو، وغناها ثم انتحر بعدها مباشرة بعد رفض الأغنية في مهرجان سان ريمو. كانت أول صدمة عاطفية كبيرة في حياتها. حاولت داليدا الانتحار بعده، لكنها نجت. هذه الأغنية تحوّلت إلى تحية مستمرة له في كل حفلاتها.

كان قد بلغ 18 سنة – Il venait d’avoir 18 ans

أغنية جريئة وموجعة، تسرد فيها علاقتها بالشاب لوتشيو، الذي أحبته رغم فارق السن، وحملت منه، لكنها أجهضت، لتفقد حلم الأمومة إلى الأبد. العقم تحوّل إلى كآبة دائمة، كان أحد أسباب قرارها بالانتحار.

هاتفوني – Téléphonez-moi

صرخة من فنانة تملأ الصحف والمسرح، لكنها فارغة في حياتها الخاصة. الوحدة كانت عدوتها التي لم تستطع الانتصار عليها.

كي لا تعيش وحيدًا – Pour ne pas vivre seul

أغنية تأملية عن العزلة والموت، كتبها ولحّنها رفيق دربها كلود لومي. تعترف فيها أنها "تخاف أن تعيش وتموت بلا أحد".

الموت على خشبة المسرح – Mourir sur scène

أمنيتها الأخيرة التي لم تتحقق كما أرادت. كانت تحلم بموتها على المسرح، بينما انتهت حياتها في غرفة مغلقة، بصمت مؤلم.

قرار شخصي.. كتب نهاية الرحلة

في 3 مايو 1987، أنهت داليدا حياتها بمزيج من الحبوب والخمر، بعد صراع طويل مع الاكتئاب. لم تكن مجرد انتحار، بل ختام مدروس لرحلة مريرة رغم كل الأضواء.

صوت لا يموت

رغم مرور عقود على وفاتها، إلا أن صوتها لا يزال يُبث يوميًا، وصورها تملأ المتاحف والمجلات والمهرجانات. داليدا لم تكن فقط مطربة، بل سيرة نسائية فريدة، فيها الجمال، الألم، القوة، والضعف... مثل كل امرأة، لكنها أكثر.