حوار- صابر غلاب : لو تمسك مرسى باقالة النائب العام لحدثت مذبحة

للمرة الثانية في أقل من 4 أشهر، انفجرت أزمة جديدة مدوية، بين الرئيس محمد مرسي وقضاة مصر، فبينما كانت الأولي بناء علي قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية العليا أعلي محكمة في البلاد بحله وأنه والعدم سواء حتي اضطر الرئيس في نهاية الأمر، لسحب قراره والتراجع عنه، أمام طوفان غضب القضاة والرأي العام.أما الأزمة الثانية والتي كان بطلاها أيضاً الرئيس وقضاة مصر، فكانت علي إثر قراره بعزل النائب العام من منصبه بالمخالفة لقانون السلطة القضائية الذي يحصن منصب النائب العام ولا يعطي لأي قيادة في البلاد إقالته من منصبه، إلا أن الرئيس مرسي قد أقدم علي هذه الخطوة بعدما أشار عليه مستشاروه بتقنين القرار في صورة تعيين النائب العام في منصب سفير مصر في دولة الفاتيكان.ومن أكبر الشواهد علي أن القرار لم يأت مصادفة وكان محاولة للإجهاز علي جهاز النيابة العامة ممثلة في رأسها وهو النائب العام الذي تهاجمه قيادات جماعة الإخوان المسلمون وحزبها الحرية والعدالة، خاصة بعد صدور الحكم ببراءة المتهمين في قضية موقعة الجمل، والتي وجهت سهام التقصير فيها إلي النيابة العامة والنائب لعدم تقديمهم الأدلة الكافية والدلائل المطلوبة لإدانة المتهمين والحكم عليهم بأقصي عقوبة.الأزمة التي نشبت بين الرئيس والنائب العام، التف حول النائب العام فيها كل الشرفاء والواعون لمستقبل مصر والفهم الصحيح للقانون ولدولة القانون، حتي خرج النائب العام منتصراً ومن حوله قضاة مصر الذين تدخل مجلسهم الأعلي لرأب الصدع وحماية استقلال القضاء فكان الوفاق بين الرئيس والنائب العام ليتراجع الرئيس عن قراره وليبقي النائب العام في منصبه.حول حرب الثلاثة أيام، وسيناريوهات الحل والتصعيد، ومن داخل نادي القضاة، تحدث المستشار الدكتور صابر غلاب، رئيس محكمة جنايات السويس.. وإلي نص الحوار:في البداية تري كيف انتهت هذه الأزمة وبقي النائب العام في منصبه؟- ما بني علي باطل فهو باطل، وهذا القرار من البداية غير قانوني ومشوب بالبطلان الذي يصل به إلي الانعدام، فهو ولد ميتاً أو منعدماً؛ لأنه يخالف نص المادة 119 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والتي تقضي بأن النائب العام غير قابل للعزل، كما أن سند بطلان هذا القرار قانوناً أن الذي يحول بين النائب العام وبين استمراره في وظيفته وهي محددة قانوناً علي سبيل الحصر أحد الحالات الآتية:بلوغه سن المعاش 70 عاماً . 2- الوفاة 3- الطريق التأديبي 4- الاستقالة 5- تعيينه في وظيفة أخري بشرط قبوله لها.ثانيا: إذا استعرضنا ملابسات هذا القرار تجد أنه لم ينص علي إقالة أو العزل للنائب العام، ولكنه تضمن تعينيه سفيراً لمصر بدولة الفاتيكان، وهذا في حقيقته إقالة أو عزل مقنع، والثابت والمعلن أن النائب العام رفض هذا التعيين، وكان يلزم موافقته علي ذلك مسبقاً وبالطريق الرسمي. ثالثا: من المعروف وفق البروتوكول الدولي والأعراف الدولية أن تعيين سفير لدي دولة أخري يلزم موافقة هذه الدولة علي السفير الموفد إليها مسبقاً، ولم يثبت أن دولة الفاتيكان قد وافقت علي تعيين النائب العام سفيراً لديها. يواصل المستشار صابر غلاب في حديثه قائلاً: علاوة علي ما سبق وهي القنبلة ذات العيار الثقيل في الأزمة أن السيد النائب العام من مواليد 1946، أي بلغ حتي الآن 66 سنة ومن المقرر قانوناً تقاعده في عام 2016 لبلوغه سن التقاعد القانوني لرجال القضاء، والمقرر أن سن معاش السفراء هو 60 عاماً، ومن ثم لا يجوز تعيين النائب العام سفيراً في وزارة الخارجية لتجاوزه سن التقاعد الدبلوماسي، فلا يقبل تعينه سفيراً قانوناً، وهذا سبب كاف للعدول عن قرار رئيس الجمهورية.هل تعتقد أن صدور حكم ببراءة المتهمين في قضية قتل المتظاهرين يوم 2 - 2 -2011 والمعروفة بقضية موقعة الجمل هي التي دفعت رئيس الجمهورية لإصدار قرار عزل النائب العام بعد إصدار الحكم بـ24 ساعة؟- الظروف والملابسات المحيطة بإصدار هذا القرار المعلن وما تداولته أجهزة الإعلام أن القرار صدر لترضية أو لتهدئة الرأي العام بمقولة أن هذا مطلب للبعض، سيما والملاحظ أن عقب صدور حكم البراءة في قضية موقعة الجمل، بالرغم من أن الثابت والمعلوم للجميع أن قضية موقعة الجمل لم تحققها النيابة العامة، بل قضاة التحقيق المنتدبين من قبل وزير العدل، وبالتالي فليس للنائب العام أو اعضاء النيابة العامة ثمة دور في جمع الاستدلالات أو توجيه الاتهام أو الإحالة للمحكمة الموضوع في هذه القضية. هذه واحدة، أما الثانية وعلي فرض أن النائب العام أو جهاز النيابة العامة باشر سلطاته المخولة قانوناً في التحقيق أو الاتهام أو الإحالة إلي قاض الموضوع وقضي بالبراءة، فليس معني هذا أنه توجد مسئولية أو إخلال من النيابة العامة؛ ذلك أن المقررر قانوناً أن المحكمة غير ملزمة وغير مقيدة برأي أو طلبات النيابة العامة، فقد تكون العدالة في البراءة، كما تكون في توقيع أقصي العقاب علي المتهم، ذلك أن محكمة الجنايات لا تعرف سوي الحكم بالبراءة أو الإدانة.من هنا أفهم أن القاضي الذي حكم في قضية موقعة الجمل لم يستطع من خلال الأوراق والمستندات التي بين بديه أن يحكم بالإدانة حتي وإن شك في ارتكاب الجريمة؟.- من قواعد المحاكمات الجنائية والأصول والضوابط الحاكمة أن المتهم برئ إلي أن تثبت إدانته، كذلك فإن الشك يفسر لمصلحة المتهم، وأود الإضافة بأن المشرع حدد طرقاً محددة للطعن في الأحكام وهي: المعارضة الاستئناف، النقض، الالتماس، إعادة النظر، وهذه الطرق مقررة لتدارك ما عسي أن يقع فيه القاضي من أخطاء، فيجوز للمحكمة الأعلي تدارك هذا الخطأ، حيث تملك تعديل الحكم أو إلغائه أو تأييده إذا تبين صحته. كذلك فالمبين أن الحكم عنوان الحقيقة، والحكم لا يلغي إلا بحكم من محكمة أعلي. وفي إطار الأحكام الصادرة في قضايا قتل المتظاهرين سواء في ميدان التحرير أو موقعة الجمل أو أمام مديريات الأمن وأقسام الشرطة وما سمي إعلامياً بـمهرجان البراءات، فللنيابة العامة الطعن علي هذه الأحكام الصادرة بالبراءة، وهو ما حدث بالفعل، وعليه تملك محكمة النقض نقض الحكم والإعادة.. أي إعادة المحاكمة من جديد أمام دائرة أخري وتملك الدائرة الأخري إصدار حكم مغاير علي خلاف الحكم السابق بالبراءة ولو بتوقيع أقصي العقوبة علي المتهم إذا ما ثبتت إدانته.هل أخذ النائب العام الوقت الكافي حتي يطلع علي منطوق الحكم ودراسة أسبابه؟- إذا ما استعرضنا ما حدث نجد أن هناك نوعا من السرعة والتسرع في القرار الذي انخذه الرئيس بشأن النائب العام، ذلك أن المحكمة التي أصدرت الحكم بالبراءة في موقعة الجمل لم تكن قد انتهت بعد من إيداع أسباب حكمها، باعتبار أن المقرر قانوناً أن المشرع حدد ميعاد ثلاثين يوماً لإيداع الأسباب في حالة الإدانة.أما في حالة البراءة فيجوز تجاوز هذا الميعاد. ومن المعلوم أن النيابة العامة أعلنت أنها ستدرس القضية والحكم الصادر فيها وأسبابه تمهيداً لإعداد مذكرة للطعن عليه بالنقض.هل نالت الأزمة من القضاء والقضاة؟-لا شك أن هذه الأزمة نالت من القضاء وقد يكون لها تداعيات في التصعيد حال استمرارها، ولكن بتدخل العقلاء والحكماء فقد تم بحمد الله تدارك الموقف ورأب الصدع وصولاً إلي حل مرض سريع وقانوني في نفس الوقت، سيما مع الظروف التي تمر بها البلاد، وأن الوقت غير مناسب لأي خلافات أو صراعات، خاصة أن البعض يتدخل لزيادة الفرقة والشقاق، وأن القضاء المصري مشهود له بالكفاءة والنزاهة، لكنه مستهدف سواء من الداخل أو الخارج، ولم يبق سوي القضاء كحصن حصين للحقوق والحريات، فبالقضاء تصان الأعراض وبدونه تسفك.. وبه تقتضي الحقوق وبدونه تهدر.تري إذا لم يتم احتواء هذه الأزمة وتراجع الرئيس عن قراره.. ما هو السيناريو المحتمل وقتذاك؟- في هذه الحالة فإن جميع الحلول ستكون متاحة وقتها أمام القضاة وأعضاء النيابة العامة، والخيارات المطروحة وهو ما لم نكن نتمناه حرصاً علي الترابط والتماسك، فقد يحدث نوع من تعليق العمل بالنيابات والمحاكم وبالتالي تعطيل مصالح الناس والخصوم، وهذا ليس في مصلحة البلاد ولا العباد، وقد يحدث استقالات جماعية أو التهديد بالاستقالة، ومن ثم نكون علي المحك وفي مفترق طرق ونصل إلي ما أسماه البعض بمذبحة قضاة أخري كما حدث في السيتينيات في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.ما تعليقك علي وقوف عدد من الجهات ومنظمات المجتمع المدني ونقابة المحامين بالوقوف بجوار النائب العام في هذه الأزمة؟- لقد كان مشهداً رائعاً من جموع القضاة والعقلاء والحكماء من منظمات المجتمع المدني والأحزاب ممن يؤيدون موقف النائب العام والقضاة، فهم يؤيدون ويدافعون عن الشريعة وعن دولة القانون التي نسعي إليها جميعاً، وليس دفاعاً عن شخص المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود، بقدر ما هو دفاعاً عن دولة القانون، ومنعاً من افتئات أو تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، وأخذاً بمبدأ الفصل بين السلطات.ماذا يشغلك كمواطن مصري؟- ما يشغلني كمواطن مصري قضيتين مهمتين خاصة ونحن علي أعتاب إقرار دستور جديد، وهما حرية الإعلام واستقلال القضاء، فهذه الحرية وذلك الاستقلال ليست لشخص القاضي ولا لشخص الإعلامي، ولكن ليكون القاضي في أمان وحصانة وبمنأي عن تدخل السلطة التنفيذية أو غيرها في أعماله، وهذه هي الحصانة الحقيقية والاستقلال الذي ننشده جميعاً. وهذه الحصانة في مصلحة المتقاضي قبل القاضي؛ لأن القاضي إذا خاف أو اهتز قلمه، أو كان خاضعاً لتأثير أو تأثر أو تدخل فلا يمكن أن يصدر حكماً أو قراراً صائباً.كلمة أخيرة تود أن توجهها في نهاية هذا الحوار.- الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل.