مواجهة «فوضى الإعلام».. قضية مصر الكبرى

لا شك أن وسائل الإعلام يمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً فى تنوير المجتمع، إلا أن ما تشهده ساحات الفضائيات خلال الفترة الاخيرة من فوضى عارمة وخروج عن المألوف ومفاهيم مغلوطة وشتائم متبادلة على الهواء مباشرة.. كلها تجاوزات رفضها الشارع المصرى بكافة أطيافه ولا ينبغى السكوت عنها.
وتصل خطوره بعضها إلى حد تهديد أمن المجتمع والإخلال باستقراره، لذا كان لزاماً وضع استراتيجية تجعل من الإعلام شريكاً أساسياً فى التنمية؛ باعتبارها ضرورة ملحة فى ضوء آليات جديدة وواضحة تضمن التطبيق الصارم لضوابط العمل الإعلامى.
بداية يؤكد الدكتور صفوت العالم، أستاذ كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أحد أعضاء لجنة تشريعات الإعلام أننا نأمل فى وجود مؤسسات إعلامية تقوم بدورها فى ضبط الخطاب الإعلامى، والتصدى للمفاهيم الخاطئة، والأفكار المضللة، وفوضى الفتاوى المتشددة، التى تقوم بعملية "غسيل مخ" لعقول الشباب والبسطاء، وتحض على الكراهية والشغب والاقتتال، ونشر الوعى والتنوير، وهو ما يتطلب سن تشريعات صارمة والتطبيق السليم للقانون.
وأكد أستاذ الإعلام ضرورة وضع آليات لتطوير وتفعيل ميثاق الشرف الإعلامى بشكل متكامل، من حيث الضوابط والشروط المهنية لتنظيم الممارسة الإعلامية، وأشار إلى أن القوانين العامة تقوم بدورها إلى أن يأتى تشكيل المجلس الأعلى للإعلام كبديل لوزارة الإعلام وفقاً للمادة (211) فى الدستور، والمادة (213) التى تنظم المجلس الوطنى للإعلام السمعى والمرئى كبديل لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، والمادة (212) التى نصت على وجود المجلس الوطنى للصحافة كبديل للمجلس الأعلى للصحافة.
والتقط طرف الحديث الدكتور حسن عماد مكاوى، وكيل المجلس الأعلى للصحافة، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قائلاً إن دور الإعلام مكافحة قنوات الفتنة وإصلاح الأفكار المتطرفة والتكفيرية والبعد عن المفاهيم الخاطئة واحترام القيم الأخلاقية والمحافظة على حقوق الآخرين والتركيز على الجوانب المضيئة كعامل استقرار لا احتراب أو صراع وحظر قبول أى تبرعات أو إعانات أو رشاوى أو مزايا خاصة من أى أشخاص أو جهات أجنبية أو محلية سواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بجانب حماية حقوق الصحفيين والإعلاميين المهنية والوظيفية والحصول على الرواتب والمكافآت التى تضمن لهم مستوى معيشيا لائقا وتسهيل عملهم بالحصول على المعلومات السليمة والدقيقة من مصادرها العليمة، بما يسهم فى الارتقاء بالعمل الإعلامى لأعلى مستويات التميز، وتوعية وتثقيف أفراد المجتمع.
وأوضح الدكتور "مكاوى" أهمية استقلالية المؤسسات الإعلامية، التى تعبر عن لسان الشعب، عن كل سلطات الدولة، وتمويلها، وتنظيمها بصورة جيدة وديمقراطية وفقاً للدستور، وهو ما يتطلب إنشاء "الهيئة الوطنية" للصحافة والإعلام، بما يضمن تحديث هذه المؤسسات بشكل كامل، وحيادتها، والتزامها بالأداء المهنى، والإدارى، والاقتصادى الرشيد، تجاه كل أطراف المشهد الإعلامى، وإنهاء حالة الفوضى الإعلامية، وحفاظاً على أمن واستقرار البلاد، وتوفير الطمأنينة لكل المصريين.
خطاب مستنير
ومن جانبها، ترى الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية وعضو مجلس الشعب، ضرورة حماية المجتمع من فوضى الفضائيات، والأفكار المتطرفة والهدامة، وتحصين الشباب المصرى ضد نزاعات التعصب التى تهدد الأمة واستقرارها، ودفع عجلة التقدم، ومن هنا وجب العمل الدءوب لإعداد العلماء والدعاة، الذين يجمعون بين المعرفة الإسلامية، والرؤية العصرية، مع الغيرة الإيمانية، والأخلاق، لأن المسلمين أحوج ما يكونون اليوم إلى الداعية البصير والحليم والحكيم "أى قدوة حسنة"، والعالم المتمكن، الذى إذا استقضى قضى بحق.. وإذا استفتى أفتى على بينة وبعد نظر وحسن تخطيط وتلطف فى الخطاب لكسب قلوب الناس، وأن يكون مهموماً بدعوته دون كلل أو ملل، ومخلصاً لها، وصادقاً فى قصده، حتى يمكن إبطال كيد الأعداء، وفضح خططهم، ورد تدبيرهم إلى نحورهم.
وأضافت الدكتورة آمنة أن المسألة هنا ليست مقتصرة على الأدوار الاجتماعية والثقافية كالمؤسسات الإعلامية سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية فحسب، ولكن هناك الجوامع والدعاة، بالإضافة إلى الدور التربوى فى المدارس التى عليها تربية نشء جديد، إلى جانب دور الأسرة وهو الأكثر أهمية وعبئا، وأخيراً دور وزارة الثقافة.
فيما رأى معتز صلاح الدين، رئيس شبكة إعلام المرأة المصرية، مؤسس حركة "صوت مصر"، الخبير الإعلامى، ضرورة وضع آليات بناءة وخطط استراتيجية مدروسة وواضحة المعالم لتطوير المنظومة الإعلامية، ويمكنها مواجهة الانفلات الإعلامى، ووسائل رادعة تحد من المخالفات الكارثية، وحماية حقوق المشاهدين أو المستمعين.
وأضاف: لابد أن يقوم المحتوى الإعلامى للبرامج التليفزيونية والإذاعية على 3 مقومات أساسية هى الصدق والشفافية والوضوح، لتحقيق نسب مشاهدة عالية، وأن يكون جمهورهم الذى يتابعهم ينتظر ما تتميز به من انفرادات وتقارير مهنية موضوعية تلقى الضوء على مشاكل المواطنين وتتواكب مع المتغيرات المتلاحقة.
ووافقه الرأى السابق كمال زاخر، المفكر القبطى، مطالباً زملاءه العاملين فى الصحف والإذاعة والتليفزيون بضرورة الالتزام بالموضوعية والمهنية باعتبارهما أمرين هامين للعمل الإعلامى، مع وجود المهارات اللازمة التى تؤهل الصحفى أو مقدمى البرامج الإذاعية أو التليفزيونية لهذا العمل الإعلامى ليقدم بشكل حر ودون قيود على حرية الرأى والتعبير، كما ناشد ضيوف البرامج ممن تتيح لهم الفرصة الظهور فى وسائل الإعلام، أن تأخذ الحلقات النقاشية شكل المناظرة بينهم وبين المقدمين والمشاهدين للبرامج، وان يقدموا حلولاً ومقترحات للمشكلات المجتمعية المتفاقمة.
من جهته، يؤكد الدكتور على ليلة، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس، ضرورة محاربة القنوات الإعلامية الإخوانية قانونياً لإغلاقها نهائياً، ومحاكمة مقدمى البرامج على هذه القنوات، بسعيهم لبث الفوضى فى الأمة، بمختلف الأساليب، وفى أزمات متتابعة، وآثارهم السلبية ظهرت فى زيادة العنف وحالة عدم الأمان فى الشارع المصرى اللتين يعتبران الدافع الأساسى فى الشعور بعدم الرضا عن الأداء الحكومى، وتوليد الغضب والاضطراب والإحباط.
ورحب بالرأى السابق، الدكتور محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
وأردف "خليل": إننا نريد وسائل إعلامية مستقلة مالياً وسياسياً وتحريرياً عن ضغوط الدول أو الجماعات مهما كانت مسمياتها، كما يجب على كل وسيلة إعلامية أن تتعامل بمبدأ المسئولية الاجتماعية، وذلك بالمحافظة على حق الشعب المصرى فى التمتع بإعلام حر ومتنوع، والحرص على تدعيم ثوابت وتقاليد وقيم المجتمع.
وأشار إلى ضرورة مراقبة المجتمع لوسائل الإعلام، فمقدمو البرامج التليفزيونية أو الإذاعية عليهم الالتزام مهنياً بمجموعة من المعايير التى تحكم إنتاج الخطاب الإعلامى المقدم للجمهور، مثل العمل بشكل ديمقراطى، وعدم التدخل فى الحياة الشخصية للمصادر العليمة، أو الشخصيات العامة، وعدم نشر الأكاذيب أو الشائعات المغرضة، التى تمس الوحدة الوطنية.
ومن ناحيتها، تقول الدكتورة هدى زكريا، أستاذة الاجتماع بجامعة الزقازيق: انه من المؤسف وجود بعض الوسائل التى تستخدم مواد إعلامية دون ضوابط حقيقية، وأصبح من يمتلك سلطة القلم والكاميرا يفاجئنا بنشر الشائعات وتزييف الحقائق، أو التغافل عن معلومات ذات أهمية للمواطنين، ناهيك عن الشتائم المتبادلة، كما أن هناك قنوات إعلامية كثيرة موجهة، دون النظر للمصلحة الوطنية المصرية.
وأوضحت أنه يجب تعامل مقدمى البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية بحيادية مطلقة مع المواد الإعلامية واحترام عقل المشاهد أو المستمع، والتعامل من منطلق خدمة قيم وسلوكيات المجتمع، وليس لخدمة مصالح شخصية أو مالية.. لأن الإعلام هو مرآة المجتمع وعاكس ضوئى كاشف للحقيقة.
وأشارت إلى أن الفترة القادمة ستشهد وجود تشريعات حقيقية ورقابة أكثر صرامة، بما يحقق قدراً أكبر من الانضباط الإعلامى، كما ناشدت المواطنين ضرورة العزوف عن متابعة أى وسيلة لا تتعامل بشفافية فيما تنشره من مواد إعلامية، مع ضرورة إفساح المجال لعلماء الأزهر.