مافيا الأراضى تستولى على 4.5 مليون فدان قيمتها 150 مليار جنيه

هذا ملف لا يجب إغلاقه.. لأنه يحوى جريمة لا تسقط بالتقادم.. حق وطن يسكنه ملايين الفقراء.. اقتصاده منهك والمؤامرات تحيط به من كل جانب.. وطن ظل عشرات السنوات يجرى نهبه لصالح عدد من رجال الأعمال والمسئولين معدومى الضمائر، وكل فى أمان من الحساب والعقاب.. طريق سريع للثراء مع أكل علنى لحق الدولة فى جريمة نصب مكتملة الأركان، أدلتها المادية صوت وصورة وتقارير رقابية كان يتم تكفينها فى أدراج البرلمان والرئاسة وكافة المؤسسات المنوط بها حماية المال العام.
إنه ملف التعديات على أراضى الدولة والاستيلاء عليها.. هذه الظاهرة الخطيرة التى انتشرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك واستمرت بعد خلعه.. مافيا بكل ما تعنيه الكلمة استولت على الأراضى المخصصة للاستصلاح والاستزراع.. حولتها لمنتجعات بالمخالفة للقانون لتحقق ثروات خرافية لتصبح الجريمة جرائم متعددة من استيلاء على الأراضى ثم النصب على الدولة وتحديها.. ووفق التقارير التى أعدها الجهاز المركزى للمحاسبات فإن ما تم الاستيلاء عليه قبل ثورة 25 يناير 2011 بلغ ما يزيد على 3.5 مليون فدان من أراضى التنمية الزراعية فقط وهى مساحة قيمتها تزيد على 100 مليار جنيه، وبعد ثورة 25 يناير 2011 استغلت هذه المافيا الفوضى التى مرت بها البلاد وزادت جرائمها؛ حيث إنه وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة تصل مستحقات الدولة مقابل تقنين أوضاع المخالفين فى الطرق الصحراوية لأكثر من 80 مليار جنيه، أما مخالفات التعديات على أراضى الدولة فى عدد من المناطق فى الصحراء الغربية فتبلغ أكثر من 70 مليار جنيه، ما يعنى أن حق الدولة عند هذه المافيا يصل إلى 150 مليار جنيه مقابل تثمين الأراضى لأغراض الاستصلاح الزراعى أو مقابل توفيق أوضاع المساحات التى تم تحويلها إلى أغراض المنتجعات السياحية.
أموال ضائعة
فى البداية وإحقاقاً للحق لم تكن الأجهزة الرقابية غائبة عن هذه الجريمة ورصدها بالأرقام والوقائع والأسماء، خاصة الجهاز المركزى للمحاسبات، أكبر الأجهزة الرقابية فى مصر وأكثرها خبرة فيما يتعلق بالحسابات والمخالفات، فقد رصد الجهاز فى عدة تقارير له هذه الظاهرة، ومن هذه التقارير يمكن الوقوف أمام عدة حقائق هامة:
أولاها: الاستيلاء على مساحات من الاراضى بدون سند قانونى بلغ ما أمكن حصره منها 3.5 مليون فدان.
القيمة التقديرية لتلك الاراضى ما يزيد على المائة مليار جنيه تمثل أموالاً ضائعة على الخزانة العامة للدولة يمكن استردادها فوراً، بإعمال صحيح القانون وتطبيقه دون خوف أو محسوبية وبتفعيل ما ورد بالتقارير المتعاقبة للجهاز المركزى للمحاسبات التى تم ابلاغها لكافة الجهات المعنية ولجهات التحقيق.
ثانياً: التعدى على الأراضى المبيعة والمخصصة للاستصلاح والاستزراع باستغلالها فى غير الاغراض المحددة بالمخالفة للقوانين المنظمة فى هذا الشأن.
الحصر المفقود
والجدير بالذكر أن الهيئة بحسب تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات قبل ثورة 25 يناير 2011 ليس لديها حصر شامل لكل تلك المخالفات ولكن ما أمكن حصره لديها هو لبعض الاراضى الموجودة بطريق مصر اسكندرية الصحراوى من الكيلو 42 الى الكيلو 84 بإجمالى مساحة 20 الف فدان موزعة على 28 شركة مخالفة مثل شركة الريف الاوربى للتنمية الزراعية، شركة الحصاد للمشروعات الزراعية، شركة برفكت موتورز، والشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الاراضى.
ثالثاً: رصد الجهاز المركزى للمحاسبات حالات التعدى على المصادر المائية خاصة المياه الجوفية بغير وجه حق لخدمة هذه المساحات. وهو برأى الجهاز المركزى يمثل تبديداً للمياه الجوفية خاصة فى ظل أزمة مياه النيل مع دول المنبع.
دراسة مهمة
ولقد قام الدكتور خالد بسيونى عضو الجهاز المركزى للمحاسبات بإعداد رسالة دكتوراه بشأن تلك الظاهرة الخطيرة، وأثبت فى تلك الرسالة أن الخزانة العامة للدولة يضيع عليها سنويا ما لا يقل عن 30 مليار جنيه قيمة المياه الجوفية التى يتم استخراجها واستخدامها دون سداد أى قيمة مالية مقابلها لعدم وجود تشريع ينظم ذلك، مثل مصانع الخرسانة الجاهزة ومصانع تعبئة المياه المعدنية ومصانع المياه الغازية والبحيرات الصناعية (3 آلاف بحيرة صناعية ترفيهية) ومئات مصانع العصائر والمقرمشات وتعليب الفواكه والتخليل.
والعجيب أن شبكات مياه الشرب والصرف الصحى تقوم بمحاسبة بعض المصانع على قيامها بتصريف المياه المستخدمة بواقع 1 جنيه للمتر المكعب دون محاسبتها على قيمة استخراج تلك المياه واستخدامها، ولو تم حصر كميات المياه تلك فهى لا تقل عن 3 مليارات متر مكعب سنويا،ً وفى حال المحاسبة على ان المتر المكعب بـ10 جنيهات فسيدخل لخزينة الدولة 30 مليار جنيه دون اية استثمارات اضافية، ناهيكم عن فرص العمل التى ستتوفر للكشافين والمحصلين والمجالات التى يمكن ان يتم استخدام تلك المبالغ فيها.
ومثال ذلك مصنع واحد فى طنطا لصناعة الشيبسى يستهلك فى العام 365 الف متر مكعب يوميا، وهذا حصر حقيقى من واقع فاتورة الصرف الصحى، ولو تم محاسبته بواقع المتر 103 ج فيجب ان يورد للخزينة العامة للدولة 3.65 مليون جنيه، وهذا لمصنع واحد. (فساد من نوع جديد وهو الغياب التشريعى).
خسائر الوطن
وقد نتج عن هذه المخالفات ضياع حق الدولة المتمثل فى ثمن الاراضى المتعدى عليها والرسوم والضرائب المستحقة على النشاط الزراعى وغيره من الانشطة المخالفة للغرض المخصص لها، وعدم سداد حق الدولة فى فروق الاسعار بين النشاط الزراعى بالفدان والانشطة الاستثمارية بالمتر، اضافة إلى النشاط العشوائى المصاحب لهذه الظاهرة. (طرق ومبان ومرافق عشوائية).
وكذلك مشاكل ومصاعب الرى والمجارى المائية بالمناطق المجاورة للمناطق المتعدى عليها وعدم تحقيق خطة الدولة فى مجال التوسع الأفقى والاستصلاح بالكفاءة المطلوبة.
كشف تقرير أعدته وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بشأن أسماء الشركات والجمعيات والهيئات الحكومية التى استولت على أراضى وادى النطرون بطريقة غير مشروعة- عن أن المساحة الكلية لوادى النطرون 1230 كيلومترًا مربعاً حصلت منها شركة كيماويات البناء الحديث على 538 فداناً، وباعت 15 فداناً منها لشركة أمريكانا، بينما حصلت شركة الحصاد للمشروعات الزراعية على 718 فدانا، أما شركة لينا التى يمتلكها رجل الأعمال إبراهيم البنا فقد حصلت على 37 ألف فدان، فى حين أن شركة جرين لاند حصلت على 6000 فدان، وشركة العدالة 10 آلاف فدان، وشركة النوبارية لإنتاج البذور نوباسيد 10 آلاف فدان باعتها لمستثمر سعودى يُدعى عبدالإله صالح، وصدر ضده حكم بسحب الأرض منذ عام 2006 ولم يُنفذ كأحكام كثيرة فى هذا الشأن فى مناطق أخرى، كما حصلت شركة الهاشمية على 11 ألف فدان، وشركة البدر على 4600 فدان، وشركة البنا للدواجن 2000 فدان، وشركة جرين انتربيز جروب على 5100 فدان، أما شركة جريماتكو فقد حصلت على 275 فدانأ، والشركة العامة للتوكيلات فالى فارم 21 فداناً، وعبدالسلام حجازى 126 فداناً، وشركة محمد عبدالوهاب وشركاه 300 فدان، وحصلت شركة الكارن على 106 أفدنة، ورابطة الضباط 5700 فدان، وشركة المباركة 880 فدانا، وشركة الجبالى 12500 فدان، وعلى ورور رئيس مجلس إدارة شركة ريجوا خمسة آلاف فدان ويقوم بتقسيمها وبيعها لرجال أعمال عرب وأجانب، ومجمع الأديرة حصل على 10 آلاف فدان.
وفقا لتقارير رسمية بلغ عدد حالات التعدى على الأراضى الزراعية، بعد ثورة 25 يناير، وحتى الآن، مليون و354 ألفا و322 حالة، بإجمالى مساحة 59 ألفا و422 فدانا.
ما تم إزالته من التعديات بلغ فقط 12 ألفا و790 فدانا بنسبة تصل إلى 7% من إجمالى التعديات.
فى حين طالبت تقارير للجهات المختصة بحماية الأراضى بضرورة باستمرار ملاحقة المخالفين والحد من التعديات بوقف الأعمال الإنشائية فورا وعدم توصيل المرافق، والبحث عن إطار قانونى يمنع الأفراد وشركات المقاولات من مساعدة المخالفين فى البناء على الأراضى الزراعية، بالتنسيق بين الوزارات المعنية، وتشكيل لجان متابعة من الوزارات المعنية لإحالة مخالفات المسئولين المتورطين فى تمرير مخالفات البناء على الأراضي الزراعية، أو توصيل المرافق سواء الكهرباء أو المياه للمنشآت المخالفة، تأكيدًا لاستعادة هيبة الدولة.
أبرز الشركات
وفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الزراعة، فإن أبرز الشركات التى استولت على أراضى الدولة على الطرق الصحراوية هى شركة العزيزية، ومشروع مشارف، وشركة مجموعة رمسيس والمهندس للتنمية الزراعية، بالإضافة إلى شركة الأفق للاستثمار والاستصلاح، وسامية إبراهيم شركس، وشركة الصديق لاستصلاح الأراضى والثروة وشركة سوزى لاند، والمجموعة الأولى للاستثمار والتطوير، وشركة وادى النخيل.
مافيا الاستيلاء على أراضى الدولة تمدد وتوسع نشاطها فى معظم المحافظات، فبحسب التقارير الرقابية فإنه فى 6 محافظات تم الاستيلاء على اراضى دولة تبلغ مساحتها نحو 5.18 مليون متر مربع وتبلغ قيمتها 150 مليار جنيه.
هذه الأراضى كانت مهملة من قبل الدولة لوجود معظمها فى الصحراء، حيث قام بعض البلطجية والعربان بوضع أيديهم عليها وبنوا أسواراً حولها ثم قاموا ببيعها بعقود صورية لبعض رجال الأعمال الذين قاموا بتقسيمها وبيعها بالمتر بأسعار باهظة خاصة فى محافظات البحر الأحمر وسيناء وكفر الشيخ والسويس والجيزة والقليوبية.
ففى محافظة البحر الأحمر تم الاستيلاء على نحو 1500 فدان بمساعدة بعض المسئولين وكبار الشخصيات بالمحافظة، وهذه الأراضى قيمتها ارتفعت لدخولها ضمن التخطيط الجديد للمدن والقرى، كما تم إهدار نحو 30 مليار دولار نتيجة قيام بعض أصحاب القرى السياحية بالاستيلاء على مناطق على الشواطئ.
وفى سيناء قام ثلاثة رجال أعمال بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضى وزراعتها بالموالح وإقامة الفيلات والمنتجعات عليها.
وكشفت التحقيقات أن محافظة كفر الشيخ من كبرى المحافظات التى شهدت الاستيلاء على الأراضى، حيث قام رجال أعمال وحيتان الأراضى بالاستيلاء على نحو 47 ألف فدان على الطريق الدولى رغم امتلاك وزارة الأوقاف عقوداً رسمية لمساحة 2500 فدان من الأراضى التى قام رجال الأعمال بالاستيلاء عليها واستصلاحها بالمزروعات.
وفى الجيزة قام عربان بالاستيلاء على نحو 10 آلاف فدان تم استصلاحها وبيعها بعقود مزورة إلى رجال أعمال بالقاهرة، وتم إنشاء زرائب مواشى وفيلات ومزارع خضار عليها، ووصلت قيمة قطعة الأرض الفعلية إلى نحو 15 مليون جنيه.
وفى القليوبية قام حيتان الأراضى بالاستيلاء على مساحات شاسعة فى مناطق بهتيم وطوخ لبناء أبراج عليها وبيعها بأعلى الأسعار.