تعرف على مهندس عملية تأميم قناة السويس

كان الضابط محمود يونس هو قائد عملية تأميم قناة السويس، حيث أعطاه الرئيس جمال عبد الناصر سلطة رئيس الجمهورية فى تنفيذ عملية التأميم. ومنذ التفكير فى تأميم القناة وحتى التنفيذ كانت هناك شبكة من الاتصالات وتبادل المعلومات مع الجهات المختلفة المعنية بالتنفيذ ومراقبة ومتابعة ما يحدث لحظة بلحظة.. ومرت الساعات والأيام الأولى فى هدوء نسبى مشوب بالحذر الشديد والكتمان.
محمود يونس، هو مهندس عملية تأميم قناة السويس، وكان ضمن أول دفعة مهندسين مصريين فى الجيش المصرى، وفى ١٩٤٣م عمل فى إدارة العمليات الحربية، وكان زميلًا للملازم أنور السادات وتعرف على صاحبيه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر منذ ١٩٤٨م، وشارك فى حرب فلسطين. وُلد محمود يونس فى ١١ أبريل عام ١٩١١م، فى شارع الأربعين بحى السيدة زينب، لأب يعمل موظفًا فى السكة الحديد، ثم حصل على الابتدائية من مدرسة محمد على عام ١٩٢٤م، والتحق بالمدرسة الخديوية ونال الكفاءة فى ١٩٢٨، ثم البكالوريا عام ١٩٣٠ وبعد معاهدة ١٩٣٦م التحق يونس بمدرسة الهندسة العسكرية.
أما عن دوره ليلة تأميم القناة فكانت من واقع مذكراته التى نشرتها مجلة الإذاعة عام ١٩٥٨ م، تحت عنوان "عصير حياتى"، فقال: فى ليلة التأميم كنا ثلاث مجموعات إحداها رئيسية فى الإسماعيلية والثانية فى السويس والثالثة فى بورسعيد، وكنتُ على رأس مجموعة الإسماعيلية، ولم يكن أحد يعلم سر المهمة فى المجموعات الثلاث غيرى وعبد الحميد أبو بكر وعادل عزت، ووصلنا الإسماعيلية بعد ظهر يوم التأميم، فلما خطب ناصر فى الإسكندرية وقال كلمة ديليسبس ثم قال: "والآن إخوان لكم"، دخلت مع المجموعة مبنى الشركة واستدعيت المسئولين وأبلغتهم قرار التأميم بالعربية وانهاروا أمامى وطلبوا منى تأمين حياتهم.
وفى يوليو ١٩٥٧، صدر قرار ناصر بتعيين يونس رئيسًا لهيئة القناة، وظل فى موقعه حتى أكتوبر ١٩٦٥، حيث تم تعيينه نائبًا لرئيس الوزراء لشئون النقل والمواصلات ثم وزيرًا للبترول، كما اختير أيضًا عضوًا بالبرلمان عن دائرة البستان ببورسعيد عام ١٩٦٤، وتُوفى فى ١٨ أبريل ١٩٧٦
يقول المهندس محمد عزت عادل رئيس هيئة قناة السويس الأسبق فى حوار له بالأهرام: "عندما التقى المهندس محمود يونس بنا ـ المهندس عبد الحميد أبو بكر وأنا ـ أبلغنا بخبر تأميم قناة السويس.. وأعطى الرئيس جمال عبد الناصر محمود يونس سلطة رئيس الجمهورية فى تنفيذ عملية التأميم. كان خبر التأميم بالنسبة لنا مهولا، وزاد من الهول انه أبلغنا أن عبد الناصر سيعلن قرار التأميم بعد غد فى خطاب بميدان المشية بالإسكندرية.
وفى اليوم التاريخي السادس والعشرين من يوليو..التقينا جميعا فى الصباح فى مكتب محمود يونس..ثم تحركت بنا السيارات إلى الإسماعيلية.. واتجهنا مباشرة إلى مكتب قائد معسكر الجلاء حيث وجدنا القادة العسكريين فى الانتظار ـ دون أن يعلموا شيئا فالتعليمات لديهم ان ينفذوا ما يطلبه المهندس محمود يونس.. وكان مع قائد كل مجموعة مظروف مغلق سرى للغاية وعليه ألا يفتحه إلا عندما يذكر جمال عبد الناصر فى خطابه بالإسكندرية اسم ديليسبس. وعندما نطق عبد الناصر اسم ديليسبس.. تبادلنا نحن الثلاثة الذين نعرف..النظرات وخفقت قلوبنا.. وإذا بعبد الناصر ـ ليؤكد الرسالة ـ يعيد ذكر اسم ديليسبس.. فأعطى بهذا الإذن لمحمود يونس ليعلن عن السر.. وصاح الجميع مهللين مكبرين..
انطلقنا إلى المركز الرئيسى فى الإسماعيلية.. ودعونا المديرين الكبار ـ وكلهم أجانب ـ للاجتماع وتحدث اليهم المهندس محمود يونس بادئًا أن عليهم عدم الانزعاج.. وأن قرارًا قد صدر بتأميم شركة قناة السويس.. وهنا بدأ المديرون يتصايحون كيف ومتى وأثناء شرح يونس.. كان الراديو الذى حرصنا على وجوده مفتوحا.. ورفعنا صوته وعبد الناصر يعلن القرار التاريخى.. وبدأ الاضطراب على المديرين والموظفين الأجانب.. فطمأنهم يونس مؤكدًا لهم مبادئ أساسية: أن حياتهم وأسرهم وأموالهم فى حماية تامة وسلامة كاملة وأن هذه مسئولية الدولة المصرية لتأمينهم وممتلكاتهم وتنفيذ رغباتهم ـ إن الإدارة الجديدة للقناة يسعدها بل ترجوهم أن يستمروا فى أعمالهم بنفس تخصصاتهم وبنفس مرتباتهم وامتيازاتهم ـ ان كل حقوق العاملين بالشركة مصونة دون مساس بل إن حقوق المساهمين فى الشركة مصونة وسيتم تعويض حملة الأسهم كما أعلن الرئيس عبد الناصر حسب إقفال بورصة باريس فى اليوم السابق. وأنهى يونس كلمته بإعادة طمأنة العاملين ورجاء الإدارة الجديدة بأن يستمروا فى أعمالهم.