قضية الآثار المنهوبة هاجس يؤرق العالم ..وهم مصرى

حسام ابراهيمتشكل قضية الأثار والتحف والنفائس المنهوبة هاجسا يؤرق العالم كله بقدر ماتحولتهذه القضية الى هم مصرى خاص فى الأونة الأخيرة وموضع نقاش عام سواء على مستوىالصحافة ووسائل الاعلام او الشارع المصرى.وفى كتاب صدر مؤخرا بعنوان مطاردة افروديت..البحث عن التحف المنهوبة فى اغنىمتحف بالعالم-يقول المؤلفان جاسون فيلش ورالف فرامولينو انه فى العقود الأخيرةباتت سوق النفائس والتحف التاريخية اكثر ميلا لتعاملات مشبوهة وصفقات منكرة تجرىتحت جنح الظلام.وعبر الكتاب الذى يقع فى 375 صفحة يستعرض المؤلفان التاريخ الطويل لنهب وسرقةالتحف والنفائس والأثار منذ الامبراطورية الرومانية وحتى الامبراطوريةالبريطانية وصولا للحظة الراهنة.ويعد متحف بول جيتى الأمريكى الذى يشتهر بمجموعته من الأثار اليونانيةوالرومانية مثالا لمتاحف تواجه مشاكل بسبب قبولها لبعض الاثار التى نهبت من دولاخرى ونقلت لها بصورة غير مشروعة .وكان مسؤولون امريكيون قد اعلنوا ان متحف بول جيتى الخاص فى لوس انجلوس وافق علىاعادة 40 قطعة اثرية الى ايطاليا من اشهرها تمثال افروديت ربة الحب والجمال فىالاساطير اليونانية بموجب اتفاق ينهى نزاعا طال امده بين الجانبين.والى جانب متحف جيتى-نجح الايطاليون عبر التقاضى امام محاكم امريكية فى استعادةنحو مائة تحفة واثر تاريخى من خمسة متاحف فى الولايات المتحدة كانت قد استحوذتعلى هذه التحف والأثار المسروقة من ايطاليا ومن بينها متحف بوسطن للفنون الجميلة.وفى سياق حملة تعكس ضمير كاتب وطنى ومثقف مصرى كبير-فجر فاروق جويدة بصحيفةالأهرام قضية نهب قصور الرئاسة المصرية وتحدث عن تزييف اللوحات النادرة بهذهالقصور وتهريب اللوحات الأصلية مؤكدا على ان ماحدث كارثة تاريخية وعملية نهبخطيرة وتدمير متعمد لتاريخ هذا البلد.واشار جويدة الى تخصص البعض فى فنون تهريب مقتنيات القصور الرئاسية من سجاد وتحفالى حد تفصيل غرف آثاث بفراغات مسحورة متقنة لضمان اخفاء النفائس المسروقةداخلها وتصديرها الى الخارج.واضاف :كما لجأ عاملون فى هذه القصور الى حيلة اكثر مكرا بتكليف فنانين مهرةبتقليد اللوحات الفنية النادرة واستبدالها بالمقلدة اما الأصلية فتهرب الىزبائنها بالخارج.وفى تجاوب سريع مع هذه الحملة-قرر وزير العدل المستشار عبد العزيز الجندى اعادةتشكيل لجنة جرد جديدة للقصور الرئاسية وشرعت بالفعل فى عملها ب42 قصرا فيما ناشدالكاتب فاروق جويدة كل من يعرف شيئا عن المقتنيات التى سرقت من قصور مصر التقدمبالشهادة امام لجنة التحقيق فى تشكيلها الجديد.كما اكد فاروق جويدة على اهمية دور المجتمع المدنى فى مواجهة هذه النوعية منالجرائم التى استباحت تاريخ الوطن وذاكرة الأمة داعيا فى الوقت ذاته وزير العدلالمستشار عبد العزيز الجندى لأن ترسل اللجنة القضائية المكلفة بالتحقيقات صورا منمقتنيات القصور الملكية الى قاعات المزادات العالمية فى العواصم الكبرى حتىلايفلت اللصوص بما نهبوا.وفى الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهيرة يوم الخامس من اغسطس فى عام 70 قبلالميلاد-شهدت روما الجلسة الافتتاحية لمحاكمة جنائية مثيرة وترافع ممثل الادعاءالشاب ماركيوز تيوليوز سيزيريو ليتهم مسؤولا فى الامبراطورية الرومانية هو جيوسفيريز بالسلب والنهب وسوء الادارة اثناء فترة حكمه لجزيرة صقلية حتى لم يعدبالوسع اعادة الأمور فى الجزيرة لما كانت عليه قبل ولاية فيريز التى استمرت ثلاثسنوات عاث فيها فسادا.ورغم تعدد الجرائم التى ارتكبها فيريز فان اكثرها سوءا وبشاعة من وجهة نظرالادعاء ولعه بسرقة التماثيل من المعابد والاعمال الفنية وروائع التحف والنفائسالتى اهداها حكام اخرون لصقلية غير انه من الغريب فى هذه القضية التاريخية انجيوس فيريز نجح فى الفرار خارج صقلية ليعيش فى المنفى قبل ان يصدر القضاء حكمهبعد سماع المرافعات البليغة لممثل الادعاء ماركيوز سيزيريو الذى اختير فيما بعدكقاض للامبراطورية الرومانية .ومنذ هذا الزمن البعيد تحول فيريز الى علامة للصوص الأثار وناهبى كنوز ونفائسوتراث الأوطان وكأن اسمه يعنى ان هناك جريمة نهب تحف او نفائس وقعت فى مكان مابهذا العالم فيما يتضمن كتاب مطاردة افروديت العديد من اسماء تجار الأثاروالمتعاملين فى هذا العالم الغامض والحافل بالأسرار .وقبل الاتفاق الذى ابرم بين السلطات الايطالية ومتحف جيتى هددت روما بقطع كافةعلاقاتها الثقافية مع المتحف ان لم يرد التحف والتماثيل المسروقة ومن بينها تمثالافروديت البالغ طوله سبعة اقدام ونصف القدم والذى نهب على الأرجح من منطقةمورجانتينا.ومن المعتقد ان تمثال افروديت ربة الحب والجمال فى الاساطير اليونانية قد اشتراهمتحف جيتى فى عام 1988 من تاجر اثار فى لندن ب18 مليون دولار دون معرفة اصل هذاالتمثال الذى يعود للقرن الخامس قبل الميلاد فيما اعيد التمثال بالفعل مؤخرالمتحف ايدونى فى صقلية.وسمى متحف جيتى على اسم قطب النفط الراحل بول جيتى الذى تبرع فى وصيته للمتحفبمليار دولار فيما يسرد كتاب مطاردة افروديت وقائع مثيرة للعنة هذا المتحف منذبدايات الثمانينيات فى القرن العشرين حيث اختلطت فضائح الآثار المسروقة والتحفالمنهوبة بعمليات تزوير وتزييف وحتى تحرشات جنسية ليتحول المتحف الى علامة لسوءالسمعة واشارة لعالم الاسرار الشنيعة لتهريب الاثار.وبعيدا عن مسألة تحف ونفائس القصور الرئاسية-كانت وزارة الاثار المصرية قد نفتصحة مارددته بعض وسائل الاعلام حول خروج معارض للآثار تضم قطعا اثرية من مجموعةالملك توت عنخ آمون من المتحف المصرى وعدم اعادتها اليه.ووسط حالة من الترقب واللغط والاهتمام الملحوظ فى الشارع المصرى بقضية تمس ذاكرةالوطن وتراثه-اعتبر الدكتور محمد عبد المقصود المشرف العام على مكتب وزير الدولةللأثار ان هناك حملة منظمة لبث معلومات مغلوطة عن الآثار المصرية موضحا ان معرضتوت عنخ امون موجود حاليا فى استراليا وان عائد المعرض فى جولته الخارجية التىتستغرق خمس سنوات يبلغ مائة مليون دولار.وذهب عبد المقصود فى تصريحاته الصحفية الى ان حملة المعلومات المغلوطة تستهدفالاساءة لمصر ووزارة الدولة للأثار لتحقيق اغراض شخصية وتصفية حسابات وكلها مزاعمواكاذيب ليس لها اساس من الصحة مؤكدا على ان وزارته ليس لديها ماتخفيه من حقائقاو معلومات وهى على استعداد للرد على كل الادعاءات الكاذبة بالأدلة والبراهين ومنمنطلق الشفافية حول العمل الأثرى فى مصر.ويوضح جاسون فيلش ورالف فرامولينو فى كتاب مطاردة افروديت ان السلطاتالايطالية اسست ادارة خاصة فى الشرطة تضم خبراء متخصصين فى قضايا الاثار المنهوبةوالتحف المسروقة والعمل على استعادتها بقيادة قضاة وقانونيين يشار لهم بالبنان فىهذا المجال المتصل بحماية التراث الوطنى للبلاد وذاكرة ايطاليا.ويكشف الكتاب الجديد ايضا عن ان السلطات الايطالية اولت اهتماما خاصا للصحافةوالاعلام فى الدول التى تستحوذ على تحف واثار ايطالية منهوبة بغرض كسبها لصفها فىمعركة استعادة هذه النفائس وهى معركة اتخذت صورة المنظومة المتكاملة العناصروالمتناغمة معا بغرض الفوز وفضح لصوص الآثار ومن يتعامل معهم .وكان جويدة قد كشف النقاب فى بداية حملته عن انه فى خضم ثورة 25 يناير وتداعياتهاتم الاستيلاء على جميع مقتنيات القصور التى تتبع الرئاسة وجردت من الأشياءالثمينة حتى اصبحت متاحف وغرف ومنشآت هذه القصور الآن خاوية على عروشها.وقال الكاتب والشاعر فاروق جويدة:لقد خرجت مقتنيات هذه القصور ولاأحد يعرف اينذهبت..لاأحد يعرف اين ذهبت مقتنيات قصور الشعب المصرى التى اصبحت جزءا عزيزا منتاريخه وثروته.ويؤكد كتاب مطاردة افروديت على ان قصة الآثار والتحف المنهوبة فى هذا العالم هىقصة الصراع بين الفن والسلطة والثروة فيما يورد العديد من المكاتبات والوثائقالقانونية المتعلقة بمعارك قضائية لاستعادة نفائس مسروقة والمساجلات بين الدولالتى سرقت منها هذه النفائس والمتاحف التى تحتفظ بها فى دول اخرى.وبعد ثورة 23 يوليو 1952 اصدر محمود الجوهرى المسؤول عن لجان جرد القصور الملكيةكتابا باللغة الانجليزية بعنوان قصور مصر الملكية وهو كتاب مدعم بالمعلوماتوالصور النادرة عن تفاصيل ومحتويات 17 قصرا ملكيا.ويحظى قصر عابدين بأهمية خاصة فى هذا السياق لما يضمه من تحف ووثائق ولوحات فنيةونفائس عديدة فيما تتوالى اسماء القصور الهامة الأخرى مثل قصور القبة والطاهرةوالمنتزة ورأس التين والمعمورة.ويضم قصر عابدين الذى بناه الخديوى اسماعيل عام 1836 اكبر متاحف القصور الملكيةومكتبة تضم 55 الف كتاب فيما يمتد قصر القبة الذى بناه الخديوى اسماعيل ايضا علىمساحة 70 فدانا وبه غابة كبيرة من الأشجار الأسيوية النادرة اما قصر المنتزة الذىيوصف بتحفة الخديوى عباس الثانى فأقيم على مساحة 370 فدانا ومازال من اهممزارات الثغر السكندرى.وكل هذه القصور كانت تضم انواعا نادرة من المشغولات الذهبية والماسية والفضيةوالأطقم الفريدة واللوحات والسجاد النادر والسيوف والبنادق والخناجر الذهبيةالمرصعة بالماس والحلى النادرة.ونقل فاروق جويدة عن احد المسؤولين بلجنة جرد القصور قوله له ان قصر عابدين وفيهاكثر من 270 غرفة لايوجد به الآن قطعة واحدة مضيفا :لقد اختفت جميع المقتنيات منمتحف قصر عابدين وكان يضم جميع مقتنيات اسرة محمد على من الآثار التاريخيةوالأدوات والأوانى الفضية والذهبية وانواع الكريستال والبلور الملون والتحفالنادرة والسجاد الثمين والتابلوهات واللوحات والكنوز الأثرية.وقال الكاتب فاروق جويدة فى مقالة مثيرة لوجيعة كل وطنى مصرى وكل اصحاب الضمائرالحية :لقد اختفت جميع الوثائق والأوراق والمستندات الخاصة بهذه القصور وفيهاقوائم جرد هذه المقتنيات فى ازمنة سابقة.واردف موضحا:وجدت اللجنة مئات الحقائب الموجودة فى القصور وهى فارغة تماما من كلمحتوياتها ولايوجد بها شىء سواء من الأوراق او الوثائق التاريخية ..خلت جميعفاترينات ووسائل العرض فى المتاحف من جميع المقتنيات التى كانت تتجمل بها هذهالقصور.والواضح ان انظمة الحكم الاستبدادية لاتكتفى بجرائم الاستبداد وانما تنتهك تراثالشعب وتاريخه لأنها لاتدرك قيمة تاريخ الأوطان كثروة حقيقية للشعوب كما لاحظ بحقالكاتب فاروق جويدة فيما سيبقى العار يطارد اسوأ انواع اللصوص الذين سرقوا جزءاعزيزا من تاريخ الشعب وذاكرة الأمة تماما كما ستبقى مصر نايا على شفاه التاريخوانشودة عدالة وحرية ولن يفرط المصريون فى تاريخهم ابدا.