الجمعة 19 أبريل 2024 06:38 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

هل يساهم الإعلام فى دعم الارهاب

سادت فى الفترة الأخيرة حالة من الهياج والعشوائية فى البرامج الدينية، حيث يتصدر المشهد الإعلامى من خلال القنوات الفضائية الدينية أو حتى البرامج التى تتحدث فى برامج ديننا أشخاص غير مؤهلين، لا يجيدون فن الخطاب الدينى أو فن استقطاب الشباب او عرض الاسلام الوسطى، الأمر الذى ادى الى التطرف والعنف وانتشار افكار ليس لها اساس فى الدين أو الشرع، واحيانا اخرى الالحاد وعدم الايمان بالأديان، وكان آخر ما تم مؤخرا ماحدث من اسلام بحيرى مقدم برنامج "مع اسلام" والذى نادى بإعادة النظر فى كتب التراث ..

الأمر الذى أدى الى قيام هيئة الاستثمار بإصدار قرار وقف برنامج إسلام بحيرى "مع إسلام" وإرسال القرار لقناة القاهرة والناس ومؤسسة الأزهر الشريف. يذكر أن بحيرى متهم بالإساءة للإسلام فى برنامجه وبهدم ثوابت الدين وأصدر الأزهر الشريف بيانا يندد بما يتناوله إسلام بحيرى فى برنامجه..

الملف التالى يناقش بشكل جرىء مدى استقطاب الجماعات الإرهابية للشباب وخاصة ممن ينتمون للطبقات الاجتماعية الراقية. وكيف أن الإعلام والقنوات الدينية والدعاة غير المؤهلين ساعدت فى ذلك، أيضا من خلال الملف نحاور مقرر الندوات والمؤتمرات برابطة الجامعات الإسلامية الدكتور نبيل السمالوطى والذى  يستعرض أساليب تطوير الخطاب الدينى خلال الفترة المقبلة وأشياء أخرى .

 

التدين الحقيقى يطرد الإرهاب من المجتمع

يرى الدكتور نبيل السمالوطى مقرر لجنة الندوات والمؤتمرات برابطة الجامعات الاسلامية  واستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الازهر ان الحضارة الانسانية نابعة من الاسلام وان حقوق الانسان اقرتها الشريعة الاسلامية قبل حوالى 1400 عام، وأن  العالم الغربى يسعى الى هدم الإسلام بواسطة الجماعات المتطرفة التى تدعى لنفسها الإسلام فى حين أن تلك الجماعات ممولة ومسلحة من امريكا والدول الغربية ويرى السمالوطى أن الدين الاسلامى له ثوابت لا يستطيع احد ان يغيرها،  فمفهوم تجديد الخطاب الدينى هو من أساسيات الاسلام لمناقشة القضايا التى تطرأ على البشرية وليس كما يعتقد البعض.. حوار ملىء بالعديد من المعلومات والتصريحات الجريئة فى السطور التالية ..

*ما هو دور رابطة الجامعات الاسلامية فى محاربة الجماعات الارهابية ؟

**محاربة هذة الجماعات  تتم من خلال توضيح صحيح الدين وان الدين الاسلامى يدعو الى الحريات وكرامة الانسان بما فيها حرية العقيدة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولا اكراه فى الدين، وقد أكد الإسلام على حقوق المواطنة لكل الناس سواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية  والقانونية.

واعتقد ان الارهاب لا ينتشر أبدا مع وجود تدين حقيقى وهو اقوى شىء يواجهة الإرهاب، ويقاوم التطرف والغلو والعنف، وبقوة الاسلام ينتشر العدل والمساواة وعلى ذلك لابد على المتخصصين فى اصول الدين والدعوة والفقه والدعاة ان يواكبوا مشاكل الواقع والمكان الذى نعيش فيه ومدركين  لقضايا المجتمع ولابد من ضرورة تدريبهم من قبل دار الافتاء ومجمع البحوث الاسلامية.

وقد استدعى الدكتور نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الاسبق مجموعة من العلماء المسلمين وقدروا زكاة رجال الأعمال بـ 300 مليار جنيه ومن خلالها  نستطيع أن ننشئ مساكن آدمية ومصانع ومزارع ومشروعات يعمل بها الشباب، ايضا من خلال هذه الاموال يمكننا أن نخفف معاناة  16 مليون شخص يسكن فى العشوائيات، وكذلك نساهم فى حل مشكلة تأخر سن الزواج التى تشمل  اكثر من 13 مليون شاب وفتاة تخطوا سن الزواج، فالزواج الشرعى المعروف  فى الاسلام اجبارى لتكوين العائلة اما فى اوربا الزواج اختيارى برغم الحالة المادية الميسورة لديهم، وأيضا نستطيع الصرف على الأرامل والعجائز والمرضى وحل مشاكل اطفال الشوارع.  

*لماذا ظهرت جماعات متطرفة ارهابية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربى؟

**الدول الغربية تريد تدمير الاسلام بواسطة الجيل الرابع من الحروب  من خلال الجماعات الارهابية  داعش وانصار السنة والنصرة ومن يدعون الجيش الحر وكل ذلك بأيدى المسلمين المتطرفين من خلال  إحداث الصراعات والارهاب الداخلى  للدول العربية، وإظهار ان الحكومات غير قادرة على السيطرة وايضا ظهور الطابور الخامس ومع مظاهرات الطلبة فى جامعة الازهر والغريب أن من يقود هذه المظاهرات هم اصلا راسبون فى المواد الشرعية" الفقه، واصول الدين "وهؤلاء لا يعرفون الاسلام.   والحقيقة التى لا مفر منها أن أمريكا لا يهمها السنة ولا الشيعة، وإنما تريد فقط تدمير وتقسيم  الدول العربية فهى تعطى اسلحة وذخيرة  لداعش فى سوريا والعراق وليبيا والحوثيين فى اليمن بهدف أن تكون اسرائيل اكبر دولة بالمنطقة.. هذا مخطط برنارد لويس عندما وضع مخطط الشرق الاوسط الجديد فى ثمانينيات القرن الماضى  وقال وقتها ان مصر ستستعصى على  التقسيم، لأنه يعرف أن مصر اقدم دولة مركزية  وحضارة وشعب واقترح استئصال سيناء وجعلها إمارة منفصلة..

*كيف ترى الكم الهائل من القنوات الفضائية مما ينتج عنها خروج  الفتاوى المتضاربة ؟

**يجب على الدولة ان تساعدنا فى ألا يتحدث فى الدين الا المتخصصون وكلمة متخصص هنا تعنى لابد ان يكون من خلال مؤسسة علمية شرعية  كبرى وهى الازهر، انا ضد القنوات الفضائية الدينية واطلاق الحبل على الغارب لكل من يريد أن يفتتح قناة فضائية دينية. والتى وصل عددها  الى مائة قناة يتحدث فيها كل من هب ودب، حتى الحديث عن الدين فى غير القنوات الدينية لابد ان يكون محكوما، فهذا انتحال صفة مهنية فأنا لا أستطيع أن أمسك سماعة الطبيب وامارس عمله..

وللأسف كل من يصعد على المنبر  يرتدى جلبابا وعمة يصبح شيخا وخصوصا فى قرى ونجوع مصر وكثير منهم غير متخصص وليس على علم  وهذه مصيبة،

وكما رأينا الجماعات الدينية التى لها اهداف تدميرية، رأينا أمثال إسلام البحيرى الذى يشكك فى الدين ويحاور ملحد ويريد أن يهدم ابن تيمية وابن القيم والبخارى، وكيف تسمح الدولة بذلك أين مسئوليتها؟ لابد على الدولة ان تتدخل بشدة لمعاقبة مثل هؤلاء .

* ماذا يعنى "تجديد الخطاب الدينى" وهل هو مطلب من الدول الغربية ؟

  تجديد الخطاب الدينى قضية مستمرة منذ نزول القرآن الكريم (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) والرسول الكريم يقول إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، والدين له ثوابت، نحن لدينا فى الإسلام خمسة ثوابت أساسية وهى عظمة الاسلام ، المقاصد التشريعية وهى القرآن ، الأحكام قطعية الدلالة وقطعية الزمان ، العبادات ،منظومة القيم، ولا يوجد تفصيل بالنظام السياسى فى الاسلام  من الألف الى الياء لدينا منظومة قيم من ثوابت الإسلام هذه لا نخالفها.وبالتالى فإن تجديد الخطاب الدينى قضية قديمة ومتجددة، فأى إنسان تكلفه بالدعوة سواء أئمة المساجد، معلمى التربية الاسلامية أو دعاة التليفزيون يجب أن يعلم أربعة جوانب على رأسها العقائد والشريعة التى تختص بالاحكام التى تعالج الدنيا والمجتمعات وبما ان المجتمعات متغيرة ومتحورة فلابد أن تتغير الاحكام وتتحول لتتنزل على ارض الواقع الذى نعيش فية فالحضارة الاسلامية هى الأساس الأول لفكرة حقوق الانسان  وهى لا تتغير، أما منظومة القيم والعلوم الاجتماعية فنسبية فالحقائق تختلف فقبل ثورة 1952 كان الذى يتملك 1000 فدان و أكثر يصبح باشا، بعد الثورة يصبح مجرما، نتيجة قانون الإصلاح الزراعى، وشرب الخمر فى اوربا قضية عادية اما عندنا جريمة فتختلف الأخلاقيات لكن منظومة الأخلاق الدينية التى جاء بها الأنبياء جميعا واحدة مثل العدالة، الاخاء، المساواة، الوفاء، الصدق، الأمانة سيادة القانون، دولة المؤسسات هذه منظومة القيم فى الإسلام مطلقة ثابتة وليست نسبية تختلف من الزمان لزمان أو من مكان إلى مكان ولابد من وجود قيم مطلقة حتى تستقيم الأمور.

* ما هى ملامح الخطاب الدينى فى الفترة الحالية خاصة مع  انتشار أفكار اليسار واليمين والملحدين والسلفيين ؟

فكرة الإلحاد هى فكرة غربية لا وجود لها فى مصر ويقتصر تداولها على المواقع الالكترونية فقط. اما من يدعى  أنه يوجد مقهى  فى وسط البلد يطلق عليها قهوة الملحدين ويتم احضار احدهم فى احد البرامج الفضائية فهذا تهريج.فلا يوجد فى مصر ملحدون ولا مرتدون فهذا كلام غريب يريد أن يصل بالدولة لطريق غير معلوم.

*لماذا يتم استعراض مثل هذه الموضوعات عبر الفضائيات؟

**أنا كباحث فى علم الاجتماع أرى أن بعض القنوات الفضائية تريد نشر الالحاد وفكر اللواط والمثليين ولأهداف غربية لتدمير المجتمعات الدينية..ونحن نحتاج الى تجديد الحوار الدينى الآن ومعناه أن أناقش الناس فى مشاكلهم ومكانة الشريعة الاسلامية فى واقعهم وكيفية معالجة مشاكلهم، فالمجتمع لديه مشاكل تدخل فى الحرام والحلال مثل نقل الاعضاء البشرية، قضايا استئجار الأرحام  وغيرها، لابد أن يناقشها الخطاب الدينى ويعالجها ولكن كيف نعالج قضايا الواقع الاجتماعى المعاصر من خلال هذه الثوابت بشكل علمى هنا يأتى  دور الداعية المتخصص الذى لديه قدرة على التواصل ويحب الناس لا منكب على نفسه لديه حضور منبسط وذكاء فطرى واجتماعى وانفعالى ان يكون صادقا وأمينا والناس تحبه ويراعى حقوق البشر.

 

 

يجب على الإعلام تناول داعش والحوثيين على أنهم ميليشيات حقيرة تسعى لتدنيس سمعة الإسلام

 

تعد مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011 مرحلة مفصلية فى تاريخ مصر  وبعد أن تعالت أصوات الشعب المصرى المطالبة (بالعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية) وفشل الإخوان فى إدارة البلاد مما أدى الى قيام ثورة 30يونيو 2013، ومع مرور مصر بثورتين فى عامين واشتعال الصراع ما بين التيار الدينى والمدنى ومحاولات استقطاب الشباب زادت حدة  التطرف ووصل الأمر إلى مرحلة العنف كما ظهر ملمح آخر للتطرف والعنف والإرهاب، حيث ظهرت طبقات اجتماعية مختلفة غير التى كانت تمارس الإرهاب قبل ذلك،حيث فوجئنا بأبناء الطبقات الراقية يدخلون إلى حلبة الإرهاب الأمر الذى كان بحاجة ماسة الى التناول المستفيض لظاهرة اختراق الارهاب لطبقات اجتماعية بعينها بعد ان كانت مقصورة على الفقراء وقليلى التعليم.. يقول الفنان محمد صبحى إن التطرف ليس له وطن ولا دين وليس مرتبطا بطبقة اجتماعية معينة، ولكن لا يمكن ان تكون تعانى من نقص فى تشبعك الدينى او ليس لديك معلومات دينية وتصل الى درجة الصفر وتكون قويا غير قابل للاستقطاب من اى جماعة.

 واضاف: هذا  هو الشخص المقصود  الذى يصطاد بسهولة  من الجماعات المتطرفة، فالارهابى لا يذهب الى المتعلق بالدين او الذى يفهم امور دينه جيدا، فهل تتخيل ان ارهابى يقول لى  استاذ محمد من فضلك جاهد والبس الحزام الناسف وفجر نفسك ولك قصر فى الجنة، انا شخصيا سأرد عليه لا  خذ أنت القصر واكتبوا باسمك ولو فعلها سيكون ارهابيا..

وتابع صبحى: الارهابيون دائما مايقومون باصطياد الفقير، الغنى، المتعلم، غير المتعلم، المهم  أن يكون الشخص ليس لديه حجة عن دينه  وعلى رأى الفنان دريد لحام نحن ما كان عندنا مشكلة مع الله، نحن مشكلتنا فى اللى اعتقدوا حالهم اكبر من  الله، ويطلبون من البشر اشياء لا يصدقها عقل.

فكل ذلك ليس له علاقة بالاسلام  بل هو مؤامرة علية، وعندما تجند داعش اجانب وتقول هؤلاء مسيحيون واسلموا من اصول اوربية ومن كندا وامريكا، يقتلون ويحرقون البشر ويلعبون كرة بالجماجم انظروا، عندما  دخلوا الاسلام  كيف اصبحوا متوحشين..

وشدد صبحى على ضرورة أن يتناول الإعلام داعش والحوثيين وخلافه على أنهم ميشيليات حقيرة ارهابية  تأخذ أجرا مقابل  تلويث سمعة الاسلام.

فيما يرى الدكتور خالد السياجى اخصائى الطب النفسى وعلاج الادمان بالأمانة العامة والصحة النفسية، أن الفكر واحد عند البشر ولكن تختلف حسب قدرات الانسان وميوله مثلا هذا لديه رغبة فى تأسيس شركة وآخر يريد وظيفة فالقصة كلها مستخرجة من الفكرة ليس لها علاقة بالغنى أو الفقير فالظلم مثلا تأثيره على الفقير مثل الغنى ونحن فى الطب النفسى نعرف أن المدمن لديه مشكلة اضطراب  بطريقة ما سواء فى التربية او أن الاستقبال  العقلى عنده  أدى الى التعاطى، والاحداث التى  تمر حولنا الان فى مصر وبعد تعاقب ثورتين، جعلت شخصا  يستقبل الامر بشكل مختلف عن الاخر، فيوجد انسان يتعامل مع المجتمع بشكل انسانى سلمى بسيط ثم يتحول الى عدوانى  متطرف، وهنا لابد أن نضع علامة استفهام فقد يكون هذا التغيير ناتجا من اضطراب فكرى رغبة منه ان تكون له بطولات وهمية او أن من حوله قاموا بالضغط عليه  واقنعوه بفكرة ما أدت  إلى تغيير فكره وردود افعاله تجاه نفس الأمر ..

واضاف: الإعلام أيضا يؤثر على الاشخاص فهناك اشخاص  يرون مشاهد عنف وتطرف يلجأون إليها ويصبح سلوكهم غير سوى، فى نفس الوقت اشخاص اخرون شاهدوا نفس المشاهد فلا يتأثروا بها مطلقا  وهذا نتيجة اضطرابات جهاز الاستقبال لدى الانسان..

بينما يؤكد العميد خالد عكاشة الخبير الأمنى ومدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية، أن  مسألة تصوير مناخ طبقات اجتماعية فقيرة، متدنية، قليلة التعليم او من سكان العشوائيات على انها يسهل تطرفها  او انجرافها من قبل الجماعات الارهابية امر ليس ضروريا فهناك كثير من المغريات والدوافع التى تجعل شخصا مثل  اسلام يكن ومحمود الغندور يتطرف، فليس التطرف حكرا على طبقة معينة  فمثلا قد يكون الشخص ينجذب الى مشاهد العنف او فاقد الهدف او يسعى لتحقيق الذات، أو منبهر بزعيم فدائى، أو لديه هوس بالعنف نتيجة الافلام الأجنبية العنيفة، فكل هذه المحددات تجذب الأشخاص حتى لو كانوا من الطبقات الراقية، أو ذوى التعليم العالي، أو ليس لديهم مشاكل ظاهرة للعيان.

من جانبه أوضح  الدكتور أحمد حسن الليثى أستاذ علم النفس فى كلية التربية جامعة حلوان، فى دراسة عن التطرف والتعصب على عينة من (218) من أن نتائج الدراسة كشفت أن التطرف والتعصب لا يرتبط بتدنى المستوى الاقتصادى والاجتماعى بدليل انتشاره لدى بعض الأفراد من الطبقات ذات المستوى الاجتماعى والاقتصادى المرتفع، ولكنه يرتبط أيضا بنمط التفكير الذى يتبعه الفرد، حيث إن اضطراب التفكير والاضطرابات النفسية والتفاعل السلبى مع ضغوط الحياة قد يكسب الفرد السلوك المتطرف، فالأفراد ذوو التفكير السلبى والتشاؤمى أكثر تطرفا من الأفراد ذوى التفكير الايجابى . حيث إن نمط التفكير الذى يتبعه الفرد يشكل سلوكياته فى مواقف الحياة اليومية.

كما أن افتقاد القيم الأخلاقية وعدم النضج الوجدانى والاجتماعى والتفكير العقلانى قد يصنع شخصية المتطرف لدى الطبقات الفقيرة والغنية على السواء، مما يتطلب الاهتمام بالتربية الأخلاقية وقيم المواطنة وتنمية الكفاءة الوجدانية وأن تقوم التربية على مخاطبة الذكاءات المتعددة والتفكير الايجابى لدى المتعلمين بداية من مراحل التعليم المبكرة وصولا إلى التعليم الجامعى.

كما أكد الدكتور يوسف وردانى الخبير فى دراسات وبحوث الشباب بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن انضمام اشخاص بعينهم من طبقات اجتماعية راقية لطابور الارهابيين يدل على أن الشباب الأكثر ثراء ليسوا محصنين ضد الأفكار المتطرفة التى تطرحها بعض التنظيمات التى تتستر باسم الإسلام، والتى ساد الاعتقاد لفترة طويلة بأن الفقر فقط يشكل البيئة الحاضنة لها.. وأضاف وردانى أن هذه التنظيمات استغلت حالة الخواء والفراغ الفكرى والتشتت المجتمعى والاغتراب النفسى الذى تستغرق فيه هذه الفئات، ورغبتها فى الشهرة السريعة وتحقيق الذات، وقامت بالعمل على استقطابها من خلال تغذية الشعور بجفاف الحياة المادية التى يعيشون فيها وبعدها عن حالة الطهر والنقاء الديني، ومن خلال الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعى بواسطة شباب مدرب لديه الخبرة فى صياغة رسائل مثيرة وبأساليب هوليودية تجذب هؤلاء الشباب المتمرد والراغب فى التغلب على حالة الملل والروتين وخلق جو بديل تسوده روح الإثارة والمغامرة. واعتمد التنظيم فى ذلك على وسطاء متطوعين من الشباب المحليين مثل إسلام يكن فى حالة انضمام محمود الغندور.

وساعد على انجذاب هذه الفئات فشل السياسات الحكومية فى احتضان هؤلاء الشباب واستقطابهم للخط الوطنى العام من خلال الأنشطة الهادفة التى تستثمر أوقات فراغهم فى أنشطة مفيدة تؤهلهم لسرعة الانتهاء من طول فترة الانتظار الذى يعيشونها، والتى تنتج عن طول الفترة الزمنية بين تخرجهم وبين حصولهم على فرصة عمل مناسبة وبدء حياة أسرية كريمة، وكذلك عدم تطوير الخطاب الدينى ليكون جاذباً لهم، وعدم بلورة مشروع قومى واضح يؤمن به هؤلاء الشباب ويلتفون حوله..

 وهناك العديد من الفئات المعرضة للانضمام إلى تنظيم داعش أولها الدائرة الضيقة المحيطة بالشباب الذى ينتمى للطبقة الراقية مثل إسلام يكن ومحمود الغندور، وهى دائرة الخطر العاجل، وثانيها الشباب المتدين من الطبقات الوسطى والعليا، والذى يغلب على نمط تدينه الأفكار السطحية التى بثها الدعاة الجدد على مدى عقد تقريباً. وآخرها، الشباب المنتمى لتيار الإسلام السياسى والذى يشعر بأن فرصته الأخيرة قد سرقت بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر، ويرغب فى استعادة الحلم الضائع ودولة الخلافة الراشدة فى التصور الإسلامى الكلاسيكي.

وأرجع وردانى أسباب انتشار التطرف بين مختلف فئات الشباب إلى طبيعة الثورات التى شهدها المجتمع المصرى فى فترة وجيزة وهى ثورتى 2011،  2013 فالثورات فى حد ذاتها ظاهرة متطرفة تدعو الى  الامال وطموحات  غير محدودة، وثورة يناير 2011 خير دليل فبعد نظام  حكم سلطوى استمر 30 عاما انتقل الى نظام يتسم بالفوضى والحرية غير المشروطة باحترام القوانين والدستور، ودون أن تكون كتلة واحدة  قادرة على العبور بمصر الى الديمقراطية الحقيقية  فأدى  ذلك الى الانقسام والاستقطاب السياسى وتوزع بين المحور الدينى والعلمانى وارتبط بذلك غلبة التطرف على سلوك قادة الحركات الشبابية.

وأيضا صعود الاسلام السياسى خصوصا فى المرحلة الانتقالية من2011الى 2012 مما ادى الى ظهور تيارات احدثت تغيرا كبيرا فى البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاضنة للتطرف واعادت الأفكار الظلامية القديمة وتجلى ذلك فى تمرير التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011 وإجراء الانتخابات قبل وضع الدستور والانفراد بعملية وضع الدستور فى عام 2012 وشاهدنا  صراعا بين القوى الدينية والمدنية، كما رفضت تيارات الإسلام السياسى المشاركة فى ترتيب نظام الحكم الجديد بعد ثورة 30 يونيو 2013 مما أدى إلى انتقال هذة الافكار المتطرفة الى التطرف العنيف.

ويشير الوردانى إلى ضعف دور المؤسسات الدينية فى نشر الفكر الاسلامى الوسطى  المعتدل  بين الشباب خاصة خلال فترة حكم الاخوان والذى شاهد عملية  تضييق على دور مؤسسة الأزهر باعتبارها نشر الفكر الوسط المعتدل، وظهر هذا من خلال الاعتراض على  قانون انتخاب شيخ الأزهر والتقليل من هيبة شيخه، كما ساعدت القنوات التليفزيونية الخاصة على نشر الافكار المتطرفة واثارت قضايا تحض على التطرف الفكرى بين الشباب.

كما أشار إلى أن من اسباب التطرف بين الشباب غياب المشروع الفكرى والثقافى فى مجال نشر فكر المواطنة والتسامح بين الشباب الذي خرج فى 25 يناير طالبين عيشا، حرية ،عدالة اجتماعية.

 ويرى الوردانى أن استمرار المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وكثرة البطالة بين الشباب ادى الى احباط الشباب واصابتهم بالملل وبحثهم عن أشكال جديدة ومتطرفة تعبر عن ذاتهم مثل تجمعات الألتراس والذى يضم شرائح اجتماعية متباينة مع غياب مناخ الديمقراطية الذى لا يمكن ان  تتعاش معه الافكار المتطرفة، فالديمقراطية تعترف بالاختلاف  فى حين التطرف يقوم على الإقصاء ونرى ان قادة التطرف فى مصر تبذل جهودا حثيثة باستقطاب الشباب من مختلف الطبقات خصوصا الذى ليس لديه أيديولوجية وهم الأكثر تعليما وخبرة فى التعاطى بسهولة مع تكنولوجيا العصر والمعلومات والاتصال الحديث.

ويطاب الوردانى بأهمية تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون وتوفير كافة الحقوق للمواطن والاهتمام بالتنمية الشاملة مما يحصن الشباب من الانسياق نحو الاستغلال الفكرى المتطرف.