ماذا حدث في السويداء السورية؟.. اقتتال أهلي وتدخل إسرائيلي

«السويداء».. إحدى محافظات الجمهورية السورية، تقع جنوب سوريا، شهدت تصعيدًا دمويًا واسعًا أسفر عن مقتل مئات الأشخاص، في اشتباكات اندلعت بين الدروز والبدو، وسط اتهامات رسمية لتدخل إسرائيلي مباشر في مجريات الأحداث، وتزامن ذلك مع ردود فعل دولية وإقليمية غاضبة، ومواقف متباينة بين النظام السوري والمعارضة، وسط تحذيرات من حرب أهلية مفتوحة في الجنوب السوري.
تفاصيل الصراع
وبحسب «المونيتور» الأمريكي، بدأت الاشتباكات في حي المقوس بمدينة السويداء بسبب عمليات اختطاف متبادلة بين الدروز والبدو، ثم امتدت إلى بقية أنحاء المحافظة، وأعلن وزير الدفاع السوري لاحقًا وقفًا كاملًا لإطلاق النار، ونشر وحدات أمنية لمراقبة الوضع.
وأعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة وقف إطلاق النار بشكل كامل بعد التوصل إلى اتفاق مع وجهاء السويداء، مؤكدًا نشر وحدات من الشرطة العسكرية لمراقبة الأوضاع وتسليم الأحياء لقوى الأمن الداخلي، وأفادت وكالة «سانا» السورية بأن الجيش بدأ بسحب المعدات الثقيلة من المدينة، تمهيدًا لتسليمها للأمن الداخلي.
نشر قوات الأمن
ورحّبت قيادة الطائفة الدرزية بنشر قوات الأمن، لكنها سرعان ما تراجعت عن موقفها بعد انتقاد الزعيم الروحي حكمت الهجري للبيان، واتهم دمشق بإملائه عليهم، واتهم «الهجري» النظام السوري بانتهاك وقف إطلاق النار، ورفض البيان الصادر باسم الطائفة الدرزية، واصفًا ما يجري بأنه حرب إبادة شاملة تستهدف الدروز، داعيًا إلى مقاومتها بجميع الوسائل.
وأفادت وسائل إعلام سورية، بأن الجيش الإسرائيلي شنّ هجمات جديدة على محافظة السويداء جنوب البلاد، وألقى متحدث باسم وزارة الداخلية السورية باللوم على إسرائيل في تفجير الأوضاع، معتبرًا أنها المسؤولة عن اندلاع الاشتباكات بين مقاتلين دروز وبدو من الطائفة السنية، إلى جانب مسؤولين حكوميين محليين، إذ أسفرت المواجهات عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخص، وفق وسائل إعلام سورية.
وبالرغم من إعلان النظام وقف إطلاق النار، استمرت أعمال الشغب، وظهرت مقاطع مصورة على الإنترنت تُظهر رجالًا مسلحين يحلقون شوارب ولحى دروز، ما أثار صدمة في أوساط المتابعين، وقال نور الدين البابا، المتحدث باسم الجيش السوري الحر، في مقابلات متلفزة، إن «الاعتداءات الإسرائيلية أدت إلى تصعيد متجدد، وأن عناصر الجيش الحر منتشرة في السويداء لحماية المدنيين»، كما أشار إلى وجود تيار انفصالي بين بعض الدروز يتعاون مع إسرائيل، واصفًا ذلك بأنه مواجهة مباشرة مع الدولة والشعب السوري.
كما دعا الوزير الإسرائيلي عميحاي شيكلي عبر منصة «إكس» إلى القضاء على الرئيس السوري الجولاني، معتبرًا إياه «إرهابيًا وقاتلًا»، كما وصفه بأنه نسخة من حركة حماس، وأيّد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش هذه الدعوات، واتهم النظام السوري بارتكاب مجزرة وحشية بحق الدروز، مؤكدًا ضرورة عدم انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة وجبل الشيخ، لحماية مستوطنات الجولان.
كما أفادت مصادر عسكرية لوسائل إعلام محلية، بمقتل 138 عنصرًا من قوات النظام منذ بدء الاضطرابات، بينما نقلت أخرى أكثر من 215 قتيلًا من القوات السورية، وبدوره، أعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن عدد القتلى بلغ 99 شخصًا، بينهم 60 درزيًا (56 مقاتلًا وامرأتان وطفلان) و18 بدويًا، و14 عنصرًا من قوات الأمن، إلى جانب سبعة آخرين لم تُحدد هويتهم.
وقُتلت طبيبة أثناء توجهها إلى عملها في مستشفى السويداء، بينما أطلق دروز لبنان عبر مواقع التواصل دعوات للتوجه إلى سوريا لمساندة الدروز هناك، في خطوة قد تنذر بتصعيد أكبر.
قناة «الميادين» اللبنانية، التابعة لحزب الله، نقلت أن إسرائيل شنّت أكثر من عشر ضربات على السويداء، وأدت إحداها إلى مقتل خمسة من عناصر الأمن الداخلي، وأفادت قناة «سوريا تي في» عن هجوم بطائرة مسيّرة إسرائيلية، فيما تحدثت تقارير أخرى عن استهداف كتيبة دبابات في ريف درعا، بالإضافة إلى إصابة مبنى قرب قيادة الشرطة في السويداء.
من جهتها، أدانت وزارة الخارجية التركية الهجمات الإسرائيلية، معتبرة أنها "تدخل عسكري سافر"، ودعت إلى وقفها فورًا ودعم جهود الحكومة السورية في إعادة الأمن.
بعد إعلان وقف إطلاق النار، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاورات هاتفية عاجلة مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير، وسط مخاوف من عمليات حكومية ضد الدروز، وبعد ذلك، أعلنا في بيان مشترك تكليف الجيش الإسرائيلي بمهاجمة قوات النظام التي تم رصدها في السويداء.
وقال البيان إن إسرائيل "ملتزمة بمنع أي أذى يلحق بالدروز في سوريا"، في ظل ما وصفوه بـ"التحالف الأخوي العميق مع الدروز في إسرائيل"، معلنة أن أي تهديد للدروز في الجنوب السوري يعد تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل القومي.
وفي وقت لاحق، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ هجمات على دبابات وناقلات جند ومركبات موجهة لاسلكيًا في السويداء، بهدف عرقلة تقدمها نحو المناطق الحساسة.
ووثق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تنفيذ إسرائيل لـ67 ضربة داخل سوريا منذ بداية عام 2025، منها 57 جوية و10 برية، وقد أسفرت تلك الهجمات عن تدمير 99 هدفًا من مستودعات أسلحة ومقرات وآليات، وقُتل في تلك الهجمات 37 شخصًا، بينهم 10 من وزارة الدفاع السورية، و3 مجهولي الهوية، و15 مدنيًا، و9 ممن وُصفوا بـ"المدنيين الذين حملوا السلاح"، كما شنت إسرائيل نحو 500 غارة جوية منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، أدت إلى تدمير ترسانة الأسلحة السورية بالكامل.
شهدت سوريا منذ سقوط بشار الأسد موجات عنف طائفي متكررة، وفقًا لـ«رويترز»، التي وثّقت مقتل 1500 علوي في مجازر نُفذت بمشاركة أكثر من 12 فصيلًا مواليًا للحكومة، كما تعرضت كنائس ومناطق سكنية لهجمات طائفية بين السنة والعلويين والدروز، ما يعرقل مسار الانتقال السياسي.
ومنذ توليه السلطة، دعا الرئيس الجديد أحمد الشرع إلى نبذ الطائفية، وفتح تحقيقات في مجازر مارس الماضي، وواصل تمديد عمل لجنة التحقيق. كما رفعت الولايات المتحدة جماعة "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب، وهي الجماعة التي يقودها الشرع منذ الإطاحة بالأسد.
وحسب "المونيتور" تمثل الاشتباكات في السويداء تصعيدًا متشابكًا بين قوى طائفية محلية وتدخلات إقليمية، وتفتح الباب أمام موجات جديدة من عدم الاستقرار في جنوب سوريا، في ظل تزايد الضربات الإسرائيلية وتصاعد الانقسامات الداخلية، تظل المنطقة على صفيح ساخن لا يُعر
ف متى تنطفئ نيرانه.