4 سيناريوهات اقتحمت «دماغ مبارك» في ليلة نجاح الثورة
30 ثانية، ظهر بها على الشاشة الصغيرة، اللواء الراحل عمر سليمان، نائب الرئيس الجمهورية الأسبق، أعلن فيها نجاح 18 يومًا، شهدت مظاهرات مستمرة معلنة اندلاع ثورة 25 يناير.
الثواني الـ 30، أعلن فيها سليمان، تنحي مبارك، وتخليه عن السلطة، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بإدارة شؤون البلاد، عبر قائده المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، لتسطر البلاد تاريخًا قيل وقتها إنه "عصر الحرية".
وبعيدًا عن تحليلات سياسية، هي باتت معتادة منذ اندلاع الثورة، قبل أربع سنوات، نرصد سيناريوهات منة وحي خيال كاتبيها، عما دار في عقل مبارك قبل اتخاذ قرار التنحي.
سيناريو.. ياسر عبد المجيد، مؤلف مسلسلي "فرعون"، و"السيدة الأولى"
في غرفة خاصة، بها العديد من الشاشات، التي تنقل كل ما يدور في معظم ميادين مصر، وخاصة ميدان التحرير، جلس مبارك على مقعده يتابع الشاشات في توترٍ واضحٍ، بينما جلس أمامه جنرال قصير القامة يرتدي البدلة العسكرية، له صلعة خفيفة وجبهة عريضة، وجهه بشوش، وملامحه هادئة للغاية..
يتحدث الجنرال الذي يعطي ظهره لشاشات العرض:
- مفيش حل يافندم غير التنحي.. خلاص الناس مش هترضى بأي حل تاني
يتابع مبارك الشاشات في جمود، ثم يبدو أنه قد توصل إلى فكرة فينظر إلى الجنرال
-طب بص.. إحنا نعمل لعبة.. حد يطلع ويقول بيان التنحي.. لو الناس فرحت بجد يبقى أنا أتنحى فعلاً.. ولو مفرحوش يبقى نشوف صرفة وأرجع.. أكيد مش هنغلب ..
يصمت الجنرال وكأنه يقلب الأمر في رأسه، ثم يهز رأسه مقتنعًا:
- السيد عمر سليمان هو اللي هيذيع بيان التنحي.. هو أكتر واحد متماسك دلوقتي..
بعد ساعة يتم إذاعة بيان التنحي، الذي يتابعه مبارك في اهتمام والجنرال، بجواره بينما عيونهم متعلقة بالشاشات التي تنقل ردود أفعال الجماهير صوت وصورة..
ما أن ينتهي البيان حتى تتعالى صيحات وصرخات الجماهير الفرحة بخبر التنحي حتى أنها تصل إلى مسامعهما من الخارج وليس عبر الشاشات فقط.
ينظر الجنرال إلى مبارك ويبتسم ابتسامة خفيفة فيشير مبارك إلى الشاشات بيده في حركة عصبية:
- بص فيه ناس مش فرحانة بجد.. والله مش فرحانين بجد.. بياعين البطاطا مش فرحانين بجد.. الستات .. الستات مابيقدروش يزيفو مشاعرهم .. لو فرحانين بجد هيبان ..
يبتسم الجنرال ابتسامته المعتادة، بينما تدوي من بعيد أصوات زغاريد نسائية متعددة فينكمش مبارك في مقعده مستسلمًا.
في صباح اليوم التالي مازال مبارك جالسًا وبجواره الجنرال يتابعون الشاشات التي تنقل ما يحدث في ميدان التحرير، حيث نرى المتظاهرين وهم يكنسون وينظفون الشوارع في حماسٍ شديد، بينما يبدو التأثر الشديد على وجه المؤلف الشاب في لقاء تليفزيوني في شاشة أخرى، وهو يخبر المذيع عن إحساسه في تلك اللحظة: "أنا حاسس كأني أول مرة ألمس فيها إيد البنت اللي بحبها".
يبدو التأثر الشديد على وجه مبارك والجنرال ثم يتابعون مرة أخرى المتظاهرين اللذين ينظفون الشوارع فيتنهد مبارك تنهيدة عميقة:
- ما شاء الله.. ياريتني كنت اتنحيت من زمان والله.. أو على الأقل كنت اتنحيت مرة كل شهر.. كانت البلد نضفت من زمان.
يتنهد الجنرال تنهيدة عميقة دون أن تفارقه ابتسامته الهادئة.
سيناريو.. حسام موسى، مؤلف مسلسلات "العقرب"، و"كيكا ع العالي"، و"شطرنج"
تفكيرٌ عميقٌ يشغل بال مبارك طوال الليل، وحتى الساعات الأولى، من الصباح.. يمر أمامه شريط حياته وذكرياته، منذ أن كان أحد الجنود الذين حاربوا في حرب أكتوبر 1973، حتى أصبح رئيسًا للجمهورية، ويطرح على نفسه عدة أسئلة منها:
أسيب المنصب اللي بقالي فيه 30 سنة عشان شوية متظاهرين بيطالبوني بالرحيل؟ ولا أفكر يمكن ألاقي وسيلة أو حاجة أرضيهم بيها؟
يظل مبارك يسير في غرفته مشغولًا بالتفكير في الأمر الذي بات يأرقه في غضون أيام قليلة لم يتوقع قبلها أن تصل به الأمور لهذه الدرجة التي قد تطيح به من منصبه، ووجد نفسه بين خيارين إما أن يظل كما هو سياسي فاشل لم يستطع تنفيذ أي مشروع مهم للبلد اللي بيحكمها واللي شعبها انفجر عليه في لحظة، أو أن يحافظ لنفسه على صورة المقاتل العظيم أحد أفراد حرب أكتوبر وينسحب حقنًا للدماء.. ويسترجع ذكريات أول عام له في حكم مصر، وكيف لم يتوقع أنه سيكون فاشلًا في عالم السياسة والسلطة، مع أن هذا لا يتعارض مع كونه جندي مقاتل شريف.
الصراع بين الشخصيتين والخيارين يأخذ مبارك بتفكيره للخطوة التالية للخيار الذي سيقع عليه، حتى يصل في النهاية لتحكيم عقلية المقاتل على عقلية السياسي الفاشل والعنيد، محدود التفكير والرؤية اللي حكم بيها 30 سنة في مصر، واللي تسببت في بلاوي كتيرة في البلد، حتى أرشدته عقلية المقاتل إلى أن يتنازل ويتنحى ليحفظ أمن البلد.
لحظة تقرير مبارك بالتنحي مكنتش سهلة.. ذكاؤه كمقاتل وكرجل عسكري يملك من شرف وعظمة العسكرية باعتباره أحد رجال حرب أكتوبر الذين ضحوا من أجل البلد دفعته للحفاظ على صورته، عشان كده فكر كتير حتى قرر إهمال الشخصية الثانية اللي جواه وهي تلك السياسية السلطوية العنيدة، وخرجت شخصية المقاتل الشريف اللي دفعته للانسحاب، والابتعاد عن عالم السياسة بقذارته ومشكلاته.
وفي الصباح طلب مبارك الجنرال عمر سليمان أن يأتي له في مكتبه بالقصر الرئاسي ليتناقش معه في قراره، ويخبره أنه قد توصل لم يجد حلًا آخرًا سوى التنحي، ليهدأ الشارع المصري، وبصوت يجمع بين قوة المقاتل وضعف السياسي الفاشل يقول له: أنا قررت أتنحى يا عمر، عشان أحافظ لنفسي على صورة المقاتل الشريف أحد جنود حرب أكتوبر 1973، وأفضل إني أختم فترة حكمي بإني أنا تنازلت وتنحيت لأجل الشعب، قبل أن تزيد ثورته، وحتى لا أكون سببًا في ضياع أرواح كتيرة، بس أنا مش هقدر أقول بيان التنحي بنفسي للشعب، أنا عاوزك إنت تطلع تقوله.
سيناريو محمد عبد العزيز، أحد أفراد ورشة كتابة مسلسل "البيوت أسرار"، سيناريو قال عنه كاتبه غير حقيقي.. غير واقعي.. غير منطقي
استيقظ في الصباح الباكر كعادته، ولكنه استغرب أن الحرس الخاص به لم يحضروا له "حلة الجمبري" التي اعتاد أن "يقزقز" فيها مثل اللب كل يوم في السادسة صباحًا، وهو ويقرأ تقارير الأمن القومي، منذ فترة طويلة وخاصة من بداية اليوم الأسود في تاريخه 25 يناير 2011 وهو يشعر بالملل من التقارير اليومية التي تأتي له.
كان يقرأ في الماضي أخبار أخرى لطيفة للغاية عن علاقات ومفاجآت وفضائح ترتبط بمعارضيه أو بجوقة المنافقين، ولكن التقارير لليوم الثامن عشر على التوالي تأتيه بأخبار تجعل صباحه أكثر كآبة، حتى أن حلة الجمبري أصبحت بلا طعم.
في هذا الصباح كانت التقارير تأتيه بأخبار غير سعيدة، لقد رفعوا الأحذية في وجهه بالأمس أثناء كلمته، ماذا يفعل لهم أكثر من ذلك؟، "عينت لهم نائبًا كلفته بمهامي الجسيمة ومع ذلك لا يرضون؟؟".
أومأ برأسه قليلاً وردد في سره دون أن يسمعه أحد: لقد تماديت في التنازل.. قطع صوته الداخلي صوت ألفه منذ مدة طويلة "محتاج تتنازل أكتر يا ريس"، التفت وهو يعرف من الذي حضر، إنه نائبه الخارق للعادة عمر سليمان، تعجب وأطال النظر في عيونه الثابتة التي لا تظهر أي مشاعر، ثم عاد لحلة الجمبري ليكمل "قزقزة" وهو يتمتم "لن أعطيهم الحلة.. لن أعطيهم الحلة".
اقترب منه الرجل أكثر وجلس إلى جواره وهو ينظر لحلة الجمبري ويسيل لعابه على واحدة منهم: "يا ريس الناس محتاجاك تتنازل أكتر"، نظر إليه بطرف عينه "عايز إيه يا عمر.. أعملهم أكتر من كده إيه.. عايزني أسيب الحلة؟ مش هسيبها يا عمر".
سال لعاب عمر أكثر على الجمبري حتى لاحظ الريس ذلك فأبعد الحلة عن نظر عمر، وتحرك ليصبح بين عمر والحلة: "طب إنت عايز تعمل إيه؟" قالها عمر بعد أن لملم لعابه ليرتدي الريس نظارته الطبية ويطمئن على الحلة ويقول بصوت واثق: "إنت شايف إن الشعب يستحق الديموقراطية"، يفاجأ عمر من السؤال، ثم يتحقق من إجابته قبل أن يقولها: "طبعًا يا ريس يستحقها But hwen?.. وبعدين مانت الحزب بتاعك الوطني الديموقراطي، وإنت أساسًا جاي بالصندوق، ولا هما نسيوا إنك جيت بانتخابات حرة نزيهة".
يبتسم الريس: "طب هما عايزين إيه بقى أكتر من كده؟" يعتدل عمر في جلسته: "عايزينك ترحل يا ريس"، يتفاجأ الريس: "هما مين دول؟"، عمر يتحدث بصوت خفيض: "الاخوان .. الاخوان لاعبين في دماغهم.. هما اللي ورا الموضوع ده كله يا ريس".
يجاريه الريس في صوته الخفيض: "خليهم يتسلوا" يقولها ثم يضحك ضحكات طويلة يهتز معها كرشه الصغير، ويبادله عمر الضحكات هو الآخر، وهو يلف من حوله حتى يصل إلى حلة الجمبري فيلتقط منها واحدة بسرعة شديدة.. ولكن قبل أن يضعها في فمه يلحقه الريس، ويمسك يده ويلفها حتى يتوجع عمر من الألم فيترك الجمبرياية لتقع على الأرض.. يلتقطها الريس وينفخ فيها ثلاث نفخات.. ثم يضعها في فمه ويكمل ضحكه.
ومنذ ذلك الوقت.. وجميعنا نتسلى.. تسلية موجعة
سيناريو لـ"عمرو الدالي"، مؤلف "دوران شبرا"، و"فرح ليلى"، يرصد الحال شعبيًا، وكيف تبدَّل الحال مع قبول الوطن:
مشهد ١ميدان التحرير
تتعالى الهتافات في الميدان "ارحل... ارحل..... ارحل يعني امشي يمكن مابيفهمشي".
ناصر،٥٠ سنة، أعرج يحمل كراسي بلاستيكية يسير بعرجة واضحة، وينفخ دخان سيجارته المعلقة على شفتيه، وهو يعدل الكراسي بالقرب من الجزيرة الكبيرة في الميدان، قائلاً لصبيه "عادل"٢٠ سنة:
ناصر: "عايزين ننجز يا عم ممكن الخطاب يجي في أي وقت".
يضع عادل التربيزة أمام الكرسي الذي وضعه ناصر:
عادل: "فين ده يا أسطى، المرة اللي فاتت ذل أمنا، وطلع قال كلمتين فارغين مش هايمشي يا عم ده هايعيش ويموت فيها".
يسحب عادل كرسي آخر و ينغزه ناصر في كتفه برجل الكرسي وعادل يفرد تربيزة بلاستكية أخرى أمام الكرسي الذي وضعه ناصر:
ناصر: "ومين قال إننا عايزينه يمشي يا ابن الورمة، خليه أنا لسه مكملتش المبلغ"
يقول عادل وهو يعتدل في مكانه متأثرًا:
عادل: "برضو هتسافر يا أسطى" !!!!
ينفخ ناصر ويسير نحو الجزيرة، وهو يعرج فتظهر قدمه الصناعية ويقول غاضبًا:
ناصر: آه مسافر هاقعد أهبب إيه ناقص ٤٠٠٠ جنيه، وأكمل لأشرف المحامي فلوسه وأطير خلاص اتعشت كده
عادل متضايقًا يقول له:
عادل: "طب وأنا"؟
ينتبه ناصر له ويداري وجهه عنه ثم ينظر إليه ويرفع قدمه الصناعية صارخًا فيه:
ناصر: ما أنا قلت لأمك ١٠٠ مرة وإنت مش عايز تفهم، أنا مش أبوك أنا حيالله لاقيتك من ٢٠ سنة، واللي عليا عملته، وأديك كبرت وبقيت بغل أهو شوف مصلحتك بقى ويلا اليوم هايطير وإنت قاعد بترغي والناس بتلالي روح عايزين ايه يلا ماتنحش
يعرج ناصر مبتعدًا ويجلس بعيدًا ينظر نحو الكراسي، وبعض الثوار يجلسون على كراسيه يشربون القهوة والشاي، بينما عادل في الخلفية ينظر إليه شذرًا ويصب الشاي للزبائن ويتردد حوله أصوات الثوار.
صوت الثوار: ارحل ... ارحل
ينظر عادل نحو ناصر بضيق ثم يلقي بالأكواب التي في يده في غضب شديد ثم يتحرك مبتعدًا عن النصبة، وناصر يقف في مكانه ينادي عليه.
ناصر: "رايح فين يا ابن الحرام.... واد يا عادل ارجع ياله الله يحرقك هاتبوظ اليوم"
عادل ينغمس وسط الثوار، ويردد معهم والدموع تملي عينه:
عادل: "ارحل ... ارحل ... ارحل"
عمر سليمان فوق شاشة الميدان العملاقة والثوار ينظرون في صمت إلى الشاشة، وبينهم ناصر من مكانه، وعادل من مكانه، وسط الثوار يعلن عمر سليمان خبر تنحي الرئيس يهلل الجميع بسعادة، ويجلس عادل على أقرب رصيف مبتسمًا، ينظر نحو النصبة باحثًا بعينه على ناصر، تمتد يد وتوضع على كتف عادل يلتفت إليه عادل يبتسم ناصر ويحتضنه، ويربت على كتفه في حنان ويقول له وهو في حضنه:
ناصر: "ماتزعلش مبروك يلا نشوف ورانا إيه يلا"
يبتسم عادل ويسير عائدًا بصحبة ناصر نحو النصبة، وفي الخلفية الثوار يحتفلون بتلك اللحظة والدبابات تاتي من بعيد فوقها الثوار والجنود.


.jpg)

.png)


.jpeg)

.jpg)



