الجمعة 19 أبريل 2024 06:13 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

أهم الأخبار

سقوط شيخ الفتاوي ياسر برهامي

الكلمة أمانة .. قد تصعد بصاحبها إلى عنان السماء .. أو أن تلقى به فى مذبلة التاريخ .. الشيخ ياسر برهامى ،نائب رئيس الدعوة السلفية ، كان واحدا من الذى يشار لهم بالبنان لكن بعد أن اتخذ من "الفتاوى المثيرة" عنوانا لأحاديثه أصبح واحدا من الذين يتلقون سهام اللعنات صباحا ومساء داخل كل بيت مصري.. الفتاوى الشاذة التى يطل علينا بها نائب رئيس الدعوة السلفية تسببت فى سقوطه "سقوطا مدويا" وأصبح مادة خصبة لأحاديث النميمة والسخرية .. الداعية السلفى جمع بين الجنس والدين فى فتاويه وأصبغها باللون السياسى فى كثير من الأحيان فخرجت غريبة على خلاف طبيعة المجتمع المصرى .. فتواه الأخيرة حول جواز ترك الرجل زوجته تغتصب إذا أتقن أنه سيتم قتله تعارضت مع صحيح الدين ومع قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من مات دون عرضه فهو شهيد", كم أنها أحدثت نوعا من البلبلة فى المجتمع المصرى،خصوصا أنه تطرق لموضوعات تتعلق بالثوابت الإجتماعية التى يعتز بها المصريين , ولم يتوقف "برهامى" عند حد الثوابت بل تطرق لبعض الأمور الشائكة الخاصة بإحتفال المصريين بأعياد شم النسيم ،وزواج الأطفال فى سن الثالثة وهو ما جعل البعض يطالب بإيقافه عن الخطابة ،وإصدار الفتاوى .
وأثارت فتواه الأخيرة بجواز ترك الرجل زوجته تغتصب إذا أيقن عجزه عن حمايتها،ضجة كبيرة فى أوساط الشعب المصرى ، واعتبرها البعض تعدى على الشرع ،وكرامة المصريين ،وجاءت فتواه ردا على سؤال وجه له عبر موقع "أنا السلفى "نصه : "سمعت حضرتك تستدل بقصة إبراهيم -عليه السلام- المشهورة مع الملك الظالم على عدم وجوب الدفاع عن العرض إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أنه سيقتل وتؤخذ زوجته أو ابنته، لأن في هذا مفسدتين، وفي فتوى سابقة قرأت لحضرتك أنك قلت في الدفاع عن المال: إنه إذا علم أنه سيقتل إن لم يعط اللصوص ماله فلا يجوز له أن يقاتلهم أو يقاومهم، بل يجب أن يسلم لهم المال حتى لا يقتل... والسؤال: هل كذلك تقول حضرتك في العرض أن من علم أنه يقتل وتغتصب زوجته أيضا فيجب عليه ألا يقاتلهم أو يقاوم المجرمين؟، ما الحكم لو كان الإنسان إذا دافع عن عرضه ويعلم أنه مقتول لا محالة، لكنه سيحفظ عرض زوجته أو ابنته بقتل نفسه على أيدي المجرمين؟ فهل في هذه الحالة يكون قتاله لهم واجبًا عليه أم هذا يعتبر إكراهًا أو عذرًا في عدم الوجوب؟", وكان نص جواب الشيخ ياسر برهامى: "النقل الذي اعتمدته في الإجابة المذكورة هو كلام الإمام العز بن عبدالسلام - رحمه الله- في كتابه: "قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، وهو إنما ذكر وجوب تقديم المال لحفظ النفس، ولم يتعرض لمسألة العرض، ولكن مقتضى كلامه ذلك أيضًا، ولكن انتبه أن هذا الأمر إنما هو في حالة واحدة، وهي العلم بقتله وأن تغتصب، وأما مع احتمال الدفع، فقد وجب الدفع بلا خلاف". وتابع حديثه: "هو في هذه الحالة مكره، وسقط عنه الوجوب على مقتضى كلام العز بن عبدالسلام - رحمه الله- وغيره، ولكن نعيد التنبيه أنه مع إحتمال الدفع يجب الدفع، مع أن صورتك في السؤال صورة ذهنية مجردة، إذ كيف يكون غرضهم إغتصابها ثم إذا قتلوه لم يغتصبوها؟", وعاد برهامى ليوضح فتواه بعد أن أثارت ضجة كبيرة فى الشارع المصرى ،و تناول وسائل الإعلام لها ،وقال إن الفتوى المنسوبة إليه بـ"جواز ترك الزوج زوجته للمغتصبين حفاظا على النفس" بترت بطريقة مشوهة.
وأوضح أن تلك الفتوى جاءت ردا على سؤال وجه له حول شخص تتعرض زوجته للإغتصاب وجاوب عليه قائلا "إذا كانت لديه إمكانية للدفاع عنها يلزمه بلا شك الدفاع عنها، وأما إذا كان متيقنا أنه سيقتل وهى تغتصب فهو لا يأثم إن تركها لأنه سيقتل".
وأضاف أن "العلماء قسموا حفظ الدين ثم النفس ثم العرض، وبالتالى لا يجوز للزوج ترك زوجته تغتصب إذا كان غير قادر على الدفاع عنها، وإذا كان يعلم أنه سيقتل، ولا يعرض نفسه إلى التهلكه وليس عليه إثم".
ورد "علي حاتم"، المتحدث بإسم مجلس إدارة الدعوة السلفية،أيضا على الهجوم الذى تعرض له برهامى بسبب هذه الفتوى قائلا " فتوى الدكتور ياسر برهامي، المتعلقة بإغتصاب الزوجة، ورائها مندس ،حاول إختلاق أزمة وعمل مشكلة، وحرف كلام برهامى عن عمد ،موضحا أن ألفاظ الفقه لابد أن تكون محددة ولا تجتزأ .
ولم يلبث أن يتفهم البعض تفسيرات برهامى والدعوة السلفية حول فتواه الأولى الخاصة "بإغتصاب الزوجة" إلى أن خرج بفتوى أخرى ،أكثر لبسا وهى أن قتل الزوج لزوجته وعشيقها حال التلبس بوقوع الزنا يستوجب " رؤية الفـرج في الفرج" من باب دفع الصائل، وأنه لا يقبل شرعا ادعاؤه إلا بالشهود أو إعتراف أولياء القتيلين".
وجاءت فتواه أيضا إجابة على سؤال وجه له عبر موقع "أنا السلفى" وكان نصه :"زوج رأى زوجته تزني مع رجل، ولم يتمكن من قتلها هي وعشيقها الزاني وقتها، لكن رتب هذا الأمر وقتلهما بعد ذلك، فهل يكون معذورا عند الله في الآخرة إن أفلت من قضاء الدنيا؟ أم أنه معذور فقط في قتلهما أثناء ممارسة الزنا، ولا يكون معذورا إذا قتلهما وهما جالسان وقد فرغا من الزنا؟ وإذا قتل الرجل زوجته وعشيقها وهما في وضع الزنا واعترف أقارب العشيق أنه كان يزني مع زوجته، فهل يسقط عنه الحد الشرعي في الدنيا، ويكون كافيا لعدم محاسبته على إزهاق روحين؟ أم يقتل في القضاء الشرعي بزوجته الزانية دون الرجل؟ وهل يجوز للرجل قتل زوجته وعشيقها إن رأى زوجته عارية تماما مع رجل أجنبي عاري تماما؟ أرجو بيان حكم الشرع في ذلك، وجزاك الله خيرًا؟.
وجاء رده صادما للجميع حيث قال " إنه لا يجوز ذلك إلا إذا رأى الفرج في الفرج وأما بعد حال التلبس، فإقامة الحد إلى الحاكم الشرعي، والإفتئات عليه حال وجوده وقيامه بالشرع يستحق صاحبه العقوبة في الدنيا والآخرة ولا يجوز له القتل لمجرد رؤيتهما عاريين ما لم ير الفرج في الفرج".
وكان لبرهامى فتوى سابقة أيضا حول "عدم جواز إثبات واقعة الزنا من خلال الكاميرات الحديثة"، حيث أكد في فتواه أن إقامة حد الزنا لا يكون إلا بالشهود، ولا يجوز إقامة الحد بالتصوير لأنه ليس من ضمن الشروط.
وفتوى برهامى كانت ردا على سؤال له على موقع "أنا السلفي" الذى يشرف عليه ونصه: "هل يثبت حد الزنا بوسائل التصوير الحديثة"، ورد برهامى نصا "إنه بإجماع القرائن لا تكفي في إقامة حد الزنا دون الشهود، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة التي كانت تظهر السوء -وفي رواية: الشر- في الإسلام: (لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، رَجَمْتُ هَذِهِ) (متفق عليه)، وقال في الحديث الآخر في المرأة الملاعنة: (لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْن) (رواه البخاري).
وتابع برهامى "أن كلام ابن القيم -رحمه الله- إنما هو في العمل بالقرائن جملة، وليس في كل موضع، وإنما يُستغل التصوير للحصول على الإعتراف؛ وإلا لا يجوز إقامة الحد به اتفاقًا".
واستمر برهامى فى وضع نفسه محل جدل واسع هذه المرحلة حتى وهو يرد على تلك الفتوى التى قال إنها خرجت عن سياقها ،حيث أوضح فى فتوى جديدة أثناء لقائه فى أحد البرامج الحوارية "أن تقبيل غير الزوج للزوجة لايعد من الزنا ولا يجوز القصاص فى هذه الحالة"، وأن شروط الزنا معروفة ومذكورة فى القرآن ووجب توفيرها.
ولم تكن هذه الفتاوى هى الأولى من نوعها لبرهامى فأصبح معروفا عنه أنه كل فترة يصدر فتوى تثير الرأى العام حيث نسبت له من قبل فتوى" إباحة زواج ومعاشرة الطفلة منذ بلوغها سن الثالثة, قائلا: " الشرع يسمح بالزواج من الفتاة قبل سن الحيض، مادامت قادرة على المعاشرة"،ولكنه عاد ونفاها وقال إن هذه الفتوى "محض كذب ".
وأوضح أنه قال" إن القرآن الكريم لم يحدد سن الزواج، ولكن هذا لا يبيح زواج طفلة عمرها 3 سنوات، مشيراً إلى أن الترويح لمثل هذه الفتوى إنما القصد منه تشويه صورة الدعاة بعد فشل مروجي هذه الشائعات في الطعن على أساسيات العقيدة ذاتها".
وأحيانا تأتى فتاوى برهامي مرتبطة بمناسبة معينة ،حيث نسبت له فتوى "تحريم أكل سمك الرنجة، وإقامة الحفلات فى يوم شم النسيم،وأن أكل الرنجة قبل "شم النسيم" بيوم واحد هو اعتراف بعيد النصارى المسمى بعيد القيامة، ولابد ألا يرتبط الإحتفال بتلك الأيام".
وأخذت فتاوى برهامى طابع سياسى أيضا ،حيث أفتى بجواز إنصراف المسلمين من المعارك الحربية، إذا تيقنوا أن عدد جيشهم أقل من نصف العدو، وتابع "أن القرآن الكريم أمر المسلمين أن يحسبوا قوتهم وقوة عدوهم قبل دخول المعركة حتى يكون في الإمكان تحصيل إعلاء كلمة الله بالنصر على الأعداء، فليس المقصود أن يموت المسلمين، ولذلك إذا علموا أنهم مقتلون من غير إحداث نكاية، حُرم القتال ووجب الإنصراف إجماعًا، فإذا كانت قوة المسلمين أقل من نصف عدوهم فالإنصراف من المعركة جائز".
ولم تكن هذه أيضا الفتوى السياسية الوحيدة حيث أباح للزوجة من قبل الكذب على زوجها لتخرج من أجل التصويت في الإستفتاء ،،وكانت هذه الفتوى رد على سيدة سألته عن جواز نزولها دون إذن زوجها للتصويت على الدستور، وجاء رده عليها غريب رفضه الكثيرين من الشيوخ ، وهو "استأذنيه للخروج لأي سبب آخر دون ذكر الإستفتاء، ثم اذهبي إلى الإستفتاء".
ورغم كل هذه الفتاوى التى تحدث عنها برهامى ،ولم يرض عنها معظم شيوخ الأزهر ،إلا أنه إعترض على فتوى منسوبة للدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، التى قال فيها "إن الراقصة إذا قُتلت أثناء طريقها للعمل فهى شهيدة".
ونشر برهامى ردا على تلك الفتوى عبر موقع "صوت السلف" قال فيه :"لا دليل على هذا الكلام من كتاب ولا سنة، ونعوذ بالله من افتراء الكذب على شرع الله الذى يصل بالعبد إلى أن يقول إن الراقصة الذاهبة إلى الملهى الليلى إذا قتلت؛ فهى شهيدة! والحديث المذكور يرد عليه"كل مَن قُتل فى شىء مباح فهو شهيد".
تصريحات برهامى الأخيرة دفعت بعض النشطاء إلى تصميم "هاشتاج" على صفحات التواصل الإجتماعى "تويتر" يحمل إسم "أوقفوا شيوخ الضلال"، للمطالبة بمنع "برهامى " من إطلاق فتاوى غريبة جديدة .
وأكد المشاركون في الهاشتاج، أن مصر تعاني منذ فترة من "فوضى الفتاوى"، وتجرؤ عدد ممن أسموهم "مدعي الدين" بإطلاق الفتاوى الفاسدة التي لا تليق بصحيح الدين الإسلامي.
ومن جانبهم إعترض علماء الأزهرعلى فتاوى برهامى ،حيث قال الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الإسلام بريء منه ومن أمثاله، ورد على فتواه بجواز ترك الزوجة تغتصب فى حالة فشل الدفاع عنها ،بإن النبي أخرج بني قينقاع من بيوتهم حينما كشف أحدهم عورة إمرأة مسلمة، كما أن الخليفة المعتصم بعث جيشًا جرارا لنصرة إمرأة قالت "وامعتصماه".
وأوضح مهنى،أن فتاوى برهامى لا صلة لها بصحيح الدين الإسلامى ،وتعبر عن فكر "معوج" يتناقض مع الشهامة وليس الدين فقط لأنه إذا مات الرجل دفاعًا عن زوجته أو أخته أو أمه فهو شهيد، بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل دون عرضه فهو شهيد".
وأضاف الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية،أن من يموت دفاعا عن أهله شهيد ، و أنه إذا حدث هجوم على أحد أفراد الأسرة وحاول المعتدون الفتك برب الأسرة أو الزوجة ونحو ذلك، فيجب عليه صد هذا الإعتداء بكل وسيلة حتى لو أدى ذلك إلى قتله ،ولا يجوز للرجل ترك زوجته للمعتدين للنجاة بنفسه ففي ذلك مذلة ومهانة لا يقبلها الإسلام.