نميرة نجم : فقدان الارض تدمير لثقافة الشعوب وللحق في تقرير المصير
أكدت السفيرة الدكتورة نميرة نجم،، الرئيس الشرفي للجمعية الإفريقية للقانون الدولي بباريس (AfSIL)، وخبيرة القانون الدولي، ومديرة المرصد الإفريقي للهجرة بمنظمة الاتحاد الإفريقي، أن الارتباط بين الأرض والثقافة في إفريقيا يمثل أحد أهم ركائز الهوية الجماعية للشعوب الإفريقية، مشددة على أن فقدان الأراضي الأجدادية «الأراضي الموروثة عن الأسلاف " أو السيطرة عليها يؤدي مباشرة إلى تآكل الثقافة واللغة والعادات، بل وإلى تهديد الحق في تقرير المصير ذاته.
جاء ذلك خلال كلمتها في جلسة تحت عنوان «إفريقيا، الثقافة، والقانون الدولي» في مؤتمر الجمعية الإفريقية للقانون الدولي (AfSIL) بالشراكة مع نقابة المحامين في موزمبيق (OAM) في مؤتمرها السنوي الرابع عشر في مابوتو عاصمة موزمبيق ،والذي بحث قضايا التراث الثقافي الإفريقي، العدالة التاريخية، واسترداد الممتلكات الثقافية المنهوبة.
وفي كلمتها استعرضت السفيرة نميرة نجم عدداً من القضايا القانونية التي أرست هذا المبدأ في الاجتهاد الإفريقي والدولي، مشيرة أولاً إلى قضية المطالبات بين إثيوبيا وإريتريا أمام لجنة المطالبات (EECC)، حيث أبرزت إريتريا كيف أن عمليات الطرد من الأراضي الأجدادية أدّت إلى تآكل التقاليد الشفوية والهويات العرقية، وربطت اللجنة بين احتلال الأراضي والأضرار الثقافية، مستندةً إلى المادة 56 من لائحة لاهاي لعام 1907 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية، والمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، حتى دون تصديق على اتفاقية لاهاي لعام 1954.
وأوضحت اللجنة أن تدمير الثقافة يفاقم مسألة الاغتراب عن الأرض من خلال محو الروابط المجتمعية، وهو ما يمس مباشرة الحق في تقرير المصير.
ثم تناولت السفيرة نجم قضية مجتمع الأوغوني ضد نيجيريا أمام اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACHPR)، ووصفتها بأنها محطة مفصلية في تطوير مفهوم الحقوق الثقافية في إفريقيا، إذ اعترفت اللجنة لأول مرة بـ الحق في بيئة سليمة بموجب الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (ميثاق بانجول)، وربطت بين الأضرار البيئية وفقدان الأراضي من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجماعية من جهة أخرى.
وأشارت السفيرة إلى أن اللجنة، رغم عدم استخدامها لعبارة “فقدان الأرض يعني فقدان الثقافة”، قد أقامت رابطاً مباشراً بين تدمير أراضي الأوغوني وتآكل أسلوب حياتهم، مؤكدة أن مثل هذه الخسائر تهدد بقاء المجتمعات الأصلية وهويتها وتنميتها الجماعية.
وأضافت أن اللجنة اعتبرت الاغتراب عن الأرض مأساة ثقافية لأنها تفكك الأنماط التعاونية التقليدية لاستخدام الموارد، وهي الأساس في استمرارية الثقافة الإفريقية.
كما أوضحت السفيرة نميرة نجم أن هذا التطور القانوني توطد لاحقاً في قضية مجتمع الأوغيك ضد الحكومة الكينية أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (AfCHPR) عام 2017، حيث وجدت المحكمة أن كينيا انتهكت أحكام الميثاق الإفريقي، وخاصة المواد 3 (الحق في التعليم والثقافة)، 21 (الحق في التصرف الحر في الثروات والموارد الطبيعية)، و22 (الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
وبيّنت أن المحكمة الإفريقية ربطت صراحة بين فقدان الأراضي الأجدادية وتآكل ثقافة الأوغيك، واعتبرت ذلك انتهاكاً للمادة 17 (الفقرتين 2 و3) من الميثاق، التي تضمن الحق في المشاركة في الحياة الثقافية وتُلزم الدول بحماية القيم التقليدية.
وقد فسّرت المحكمة مفهوم “الثقافة” تفسيراً واسعاً باعتباره يشمل الطريقة الكاملة للحياة لدى الجماعة: لغاتها، رموزها، أسلوب بناء مساكنها، أنشطتها الاقتصادية، طقوسها، وقيمها المشتركة.
وأضافت السفيرة أن تسبيب المحكمة استند إلى ثلاثة محاور رئيسية هي أولا الهوية الأصلية وصلتها بالأرض: حيث اعترفت المحكمة بالأوغيك كشعب أصلي بناءً على تعريفهم الذاتي واحتلالهم التاريخي لغابة ماو وثقافتهم المميزة، مستندة إلى إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (UNDRIP) ولا سيما المادتين 8 و26 منه.
ثانيا تأثير الإخلاءات القسرية: إذ رأت المحكمة أن تقييد الوصول إلى الأرض أثّر بشكل كبير في قدرتهم على الحفاظ على تقاليدهم ومعتقداتهم وطقوسهم المرتبطة بالمواقع المقدسة ومناطق الدفن.
ثالثا التزامات الدولة ، فألزمت كينيا باتخاذ إجراءات لحماية اللغة والممارسات الدينية والحقوق الثقافية للأجيال القادمة، ورفضت الادعاء بأن ثقافتهم “تحولت” بفعل الحداثة، معتبرة أن هذه التغييرات فُرضت بسياسات إقصائية قسرية.
وأكدت السفيرة نجم أن هذا الاجتهاد يعكس تطوراً نوعياً في الفكر القانوني الإفريقي، إذ يؤكد أن الأرض بالنسبة للشعوب الأصلية ليست مجرد مورد اقتصادي بل هي أساس الاستمرارية الثقافية والهوية الجمعية.
وأشارت إلى أن تنفيذ الحكم ما زال يواجه تحديات عملية، حيث أصدرت المحكمة الإفريقية في عام 2024 أمراً جديداً يُلزم كينيا بمهل زمنية محددة للامتثال وسط تقارير عن استمرار عمليات الإخلاء.
وفي ختام كلمتها، شددت السفيرة الدكتورة نميرة نجم على أن الطب التقليدي والمعارف الأصلية الإفريقية جزء من التراث المنهوب بفعل الاستعمار، وأن عرض هذا التراث في المتاحف حول العالم يجب أن يحفز جهود استعادته وحمايته وتعليمه للأجيال القادمة.
وقالت:“في عالم اليوم الذي تحكمه الاحتكارات المالية، أصبح التراث الثقافي مورداً اقتصادياً ذا قيمة عالية، لكن عندما يُنهب لا تستفيد منه شعوبنا حتى في ظل الآليات الدولية الراهنة ، علينا أن نحمي هذا التراث ونربط الثقافة بحقوق الإنسان كحق أصيل من حقوق الشعوب الإفريقية في تقرير مصيرها وتنميتها الثقافية والاجتماعية.”
واختتمت بالتأكيد على أن الربط بين الثقافة والقانون الدولي ضرورة استراتيجية، داعيةً إلى تطوير نهج إفريقي متكامل يحمي التراث ويعزز الهوية ويكرّس الثقافة كركيزة للعدالة والكرامة والتنمية في القارة الإفريقية.
واشار السفير محمد فرغل سفير مصر في موزمبيق في كلمته في إفتتاح المؤتمر عن أهمية حماية التراث الثقافي الأفريقي مشيرا الى عدد من الأدباء والشعراء الأفارقة الذين أكدوا على اندماج الثقافة الإفريقية ، و أهمية الحضارة المصرية القديمة الي الحضارة الانسانية في العالم .
وأوضح السفير فرغل ان انتخاب إفريقي مصري هو الدكتور خالد عناني على رأس منطمة اليونسكو ، يؤكد على أهمية الثقافة والحضارة الأفريقية في الحضارات البشرية ، ومن هنا يتضح أهمية موضوع المؤتمر لحماية التراث الثقافي الأفريقي واسترداد ما تم سرقته منه.
وصرح البروفيسور ماكان مويس مبينغوي رئيس الجمعية و رئيس قسم القانون الدولي في جامعة جنيف والمحاضر في معهد العلوم السياسية في باريس ان المؤتمر هدف الي استكشاف التراث الثقافي الإفريقي وحمايته، ومناقشة العدالة التاريخية، استرداد الممتلكات الثقافية المنهوبة، وحماية الصناعات الإبداعية والحقوق الثقافية للشعوب الإفريقية على المستوى الدولي.
يمثل التراث الثقافي الإفريقي أحد أعظم إرث للبشرية – فهو منبع للمعرفة والإبداع والحكمة التي شكّلت الثقافة العالمية لقرون، حتى وسط التهجير والنهب والقمع. فمن فلسفة «أوبونتو» في الإنسانية المشتركة إلى مخطوطات تمبكتو في علم الفلك والطب والرياضيات والقانون؛ ومن علم المعادن لدى حضارة “نوك” إلى النصوص الطبية المصرية والتأملات اللاهوتية الإثيوبية؛ لطالما قدّمت إفريقيا علمًا وفكرًا متقدمًا أسهما في تشكيل الحضارات. إن عبقرية القارة في الفن والموسيقى لا تزال تلهم وتحوّل الثقافة العالمية — من برونز بنين وأقمشة كنتي إلى موسيقى الأفروبِيت والإيقاعات التي أنجبت موسيقى الجاز والبلوز.
وأضاف البروفيسور ماكان ان اليوم، تقف الثقافة الإفريقية عند مفترق طرق: فهي مُحتفى بها عالميًا، لكنها معرّضة في الوقت نفسه للنزاع والاستيلاء والاتجار غير المشروع. تُظهر القضايا الحديثة أمام المحاكم والهيئات الدولية — من الاعتراف بتدمير التراث الثقافي كجريمة حرب إلى المطالبات المستمرة بالاسترداد — كيف أن القانون قد حمى التراث الإفريقي وفي أحيان أخرى فشل في حمايته. فأسئلة الملكية والسيادة والتعويضات ما زالت تفرض نفسها، إلى جانب تحديات بناء أطر قانونية معقدة تحمي الصناعات الإبداعية في سوق عالمي.
وأشار إلى أن التراث الإفريقي يواجه تحديات خطيرة أبرزها تدمير المخطوطات في تمبكتو، والتهديدات التي تطال الآثار في السودان، والاتجار غير المشروع بالقطع الثقافية، ما يستدعي تعزيز الأطر القانونية والتعاون الدولي لحمايته.
وأوضح البروفيسور ماكان انه من خلال جمع نخبة من أبرز العلماء والممارسين القانونيين من إفريقيا وخارجها، هدفت الجمعية الإفريقية للقانون الدولي في مؤتمرها هذا العام إلى توفير منتدى لا يقتصر على معالجة المظالم التاريخية والتحديات المعاصرة، بل سعى المؤتمر إلى تصور مستقبل قانوني مبتكر تُصان فيه الثروة الثقافية الإفريقية ويُحتفى بها ويُعزَّز حضورها على الساحة الدولية.
واختتم مبينغوي بالتأكيد على ضرورة تطوير مقاربة قانونية إفريقية شاملة تُمكّن المجتمعات والمبدعين من الاستفادة من تراثهم الثقافي المتنامي القيمة، وتُرسّخ الدور الإفريقي في صياغة مستقبل القانون الدولي في هذا المجال .
وفي برنامج المؤتمر طرحت تساؤلات أساسية عديدة منها كيف تعامل القانون الدولي تاريخيًا مع التراث الثقافي الإفريقي وقضايا الاسترداد؟ كيف يمكن توظيف مبادئ مسؤولية الدولة وحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي للحماية؟ هل يمكن إعادة تشكيل التجارة والملكية الفكرية والاستثمار بحيث تُعيد الفوائد إلى المبدعين والمجتمعات الإفريقية؟ وإلى أي مدى يمكن للسرديات والتقاليد القانونية الإفريقية — التي طالما همّشت — أن تثري القانون الدولي ذاته؟ كما تتناول المؤتمر ثقافة القانون الدولي نفسها.
وقد تولي البروفسيرو ديري تلادي القاضي بمحكمة العدل الدولية رئاسة جلسة النقاش حول موضوع «مسؤولية الدولة والمسارات القانونية لاستعادة الفنون والتحف الإفريقية».
وقد إفتتح في المؤتمر السنوي للحمعية المنعقد تحت عنوان «إفريقيا، الثقافة، والقانون الدولي» وزيرة الثقافة و السياحة في موزمبيق إلديفينا «كيكا» ماتيرولا (Eldevina “Kika” Materula) و هي عازفة أوبوا والتي أسست أوركسترا كاميراتا موزامبيكا في بلدها ، وحضره نخبة من القضاة و أبرز العلماء والممارسين القانونيين، الافارقة يتقدمهم القاضي دير تلايدي (محكمة العدل الدولية)من جنوب أفريقيا ، القاضي ريموند رانجيفا، نائب رئيس محكمة العدل الدولية السابق ، الدكتور جان بيليه فوميتيه، نائب مسجل محكمة العدل الدولية ،، الدكتور ويبر ندورو مدير مركز التراث الإسلامي العالمي (ICESCO منظمة الإيسيسكو ، البروفيسورة هيلين تيغروجيا خبيرة حقوق الإنسان والقانون الدولي. الدكتورة أيلا دو فال ألفيس، محاضِرة في القانون بجامعة جنوب أستراليا، السيد إدوارد كواكوا، مساعد المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو ) ،و الفنان العالمي موريرا تشونغويشا، عازف ساكسفون، وملحن من موزمبيق ،
وكرَّس المؤتمر السنوي لهذا العام لذكرى السفيرة إيفيت رابيتافيكا رانجيفا (1942–2025)، سفيرة ومندوبة مدغشقر الدائمة لدى اليونسكو، وعالمة مرموقة في القانون الدولي والثقافة الإفريقية، التي كان إخلاصها وتفانيها للجمعية الإفريقية للقانون الدولي حجر الزاوية في تطورها منذ تأسيسها ، المؤتمر انعقد برعاية نقابة المحامين في موزمبيق و الأكاديمية الإفريقية لممارسة القانون الدولي و مطبعة جامعة كاباراك و شركة Foley Hoag LLP و أكاديمية ALN.


.jpg)



.jpg)


.jpg)

.jpg)
