فرقتهم الحرب وجمعهم النصر..أبناء ”المكس” يروون تفاصيل رحلتهم في ملحمة أكتوبر

يعد نصر أكتوبر من أبرز الأحداث التي تركت بصمة تاريخيّة لا زالت محفورة في أذهان وقلوب المصريين، ووسام فخر واعتزاز على صدورهم، تلك الملحمة الوطنية التي لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، وإنما تكاتف كل أفراد الشعب والاستماتة والتضحية بكل مايملكون للدفاع عن الأرض والعرض، بشرف وكرامة لأخر شبر منها، وفداء خير أجناد الأرض بروحهم ودمائهم لحفظ مكانة الوطن واسترداد ماسُلب منه بغير وجه حق.
فقد كان الأهالي على مدار السنوات الطوال يزرعون في نفوس أبنائهم قيمة الوطن وقوته، وضرورة الاستماتة في الدفاع عنه للحفاظ عليه والتصدى لأي معتدي، ومع أول نداء للحرب، كانوا الجنود البواسل أبناء الشعب يدافعون بضراوة واستماتة عن كل قطعة أرض، لنوال شرف المشاركة في صناعة هذا الحدث التاريخي.
وضرب الصياد السيد أحمد عيسى، من سكان منطقة المكس غرب الإسكندرية، أقوى مثال في حب الوطن، فبالرغم من بساطة معيشته والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على مهنة الصيد، فضل تقديم 7 من أبنائه للاتحاق بالجيش والدفاع ببسالة عن أرض الوطن، بدلاً من مساندته ومساعدته في توفير مستوى معيشي أفضل، وماكان لهم إلا الامتثال لأمر والدهم وتلبية نداء الوطن.
ويحكى فرج السيد أحمد عيسى، تفاصيل الفترة التي عاشها خلال حرب أكتوبر، حيث انضم للجيش عام 1971 بمركز تدريب أنشاص، وانتقل بعد ذلك للاتحاق بمجموعة قتال الفرقة 19 بالصاعقة خلف خطوط العدو في منطقة الأتكة بمحافظة السويس، للقيام بعمليات استكشافية واستطلاع لمنطقة البر الغربي.
وأضاف فرج، أنه تم اختياره ضمن 9 أفراد للقيام بعمليات استطلاع للبر الغربي، فقام بتغطية جميع أنحاء جسده بأوراق الشجر وربط حبل حول خصره متصل بقارب مطاطي صغير به 8 جنود الباقين المكلفين للقيام بالعملية، ثم سبح لمسافة أكثر من 3 كيلومتر حتى وصل للبر الغربي بالقرب من معسكر للعدو، وتفقد المكان وعند التأكد من عدم وجود خطر قام بسحب القارب، ثم قام بالهجوم على المعسكر للقضاء عليه وعادوا للبر الشرقي مرة أخرى بعد نجاح المهمة، واستمر القيام بتلك العمليات الاستكشافية قبل بداية حرب أكتوبر.
وأوضح فرج، أن بداية الاستعداد والتجهيز الفعلي لحرب أكتوبر بدأ من فجر يوم 2 وحتى 5 أكتوبر، حيث تم تكليف الجنود بالذهاب للجبهة مجهزين بكامل العتاد استعدادًا لقيام الحرب، وذلك للقيام بعمليات التمويه بلعب الكورة وممارسة الأنشطة المختلفة كنوع من إبداء عدم الاهتمام بهم وأن الأمور مستقرة، وتكرر الوضع حتى جاء اليوم الموعود ودقة ساعة الصفر، وتم إبلاغ جميع الجنود ببدأ الحرب ومواجهة العدو، وكان الرد موحد وتعالت الأصوات بكلمة "الله أكبر".
وتابع فرج، أنه كان ضمن مقدمة الجيش، ووجدوا خط بارليف مغطى على امتداده بالدوشم، وكانت التعليمات بعدم الأسر والتصفية بشكل مباشر ودخول كل الملاجئ، واستمر حتى قطعوا مسافة 40 كيلوا.
ويقول أحمد السيد أحمد عيسى، شقيق فرج، أنه جند في الجيش عام 1967 بالكتيبة 73 بالصاعقة، خلال فترة حرب الاستنزاف، وانتقل في البداية إلى بور فؤاد ثم إلى المنصورة وبعدها الإسماعيلية، حيث كانت تنقلات كل كتيبة مستمرة وكانت غير مستقرة في منطقة محددة والتي لا تتجاوز مدة الإقامة في المكان 6 أشهر، مضيفًا أنه قام بالعديد من العمليات الاستكشافية بحرب الاستنزاف وأكتوبر.
وأضاف أحمد، أنه تلقى استدعاء من الجيش للتجنيد للاستعداد لقيام حرب أكتوبر، خلال حفل زفافه، ما جعل الأمر معقد من ترك عروس يوم زفافها وتلبية الاستدعاء، ولبث حتى شروق الشمس وتحرك تنفيذًا وتلبية لاستدعاء الجيش، لمدة 45 يومًا دون إجازات أو صدور تصاريح للخروج وزيارة الأهل.
وأكد أحمد، أنه نشئ في أسرة تقدس حب الوطن والانتماء له والدفاع عنه أثمن وأهم من البحث عن لقمة العيش، موضحًا أن والده كان يقوم بتفقد تصاريح الزيارة قبل دخول المنزل للتأكد من عدم هروب أي منهم واستكمال الفترة، كما كان يطالبهم بالعودة إلى مكان تجنيدهم وأسلحتهم قبل انقضاء الإجازة بليلة، وذلك للحفاظ على إصرارهم وعزيمتهم والاستماتة في الدفاع عن الأرض.