4.8 مليار جنيه خسائر التهريب.. هل تنجح إصلاحات الجمارك في وقف نزيف الخزينة؟

في تحول استراتيجي جديد نحو التحديث الشامل لمنظومة الجمارك، كشفت وزارة المالية عن إطلاق 29 إجراءً إصلاحيًا جديدًا، ضمن خطة تهدف إلى توحيد وتبسيط إجراءات التخليص الجمركي على مستوى الجمهورية، تأتي هذه الحزمة من الإجراءات كجزء من جهود الدولة المستمرة لتقليص زمن الإفراج الجمركي، وتحسين بيئة الأعمال، ودعم حركة التجارة والاستثمار، من خلال بناء نظام جمركي أكثر كفاءة وشفافية ويُتوقع أن تُحدث هذه الإصلاحات نقلة نوعية في أداء المنافذ الجمركية، بما يسهم في تقليل التكاليف اللوجستية وتعزيز ثقة المجتمع التجاري في المنظومة الاقتصادية.
التهرب الجمركي
وفي سياق ذلك، قالت الدكتورة هدى الملاح مدير عام المركز الدولي للإستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى وعضو هيئة التدريس بالأكاديمية العربية للعلوم و التكنولوجيا والنقل البحري، في تصريح خاص لـ "النهار"، إن إعلان وزارة المالية عن إطلاق 29 إجراءً جديدًا لإصلاح منظومة الجمارك يمثل خطوة نوعية تستهدف تقليص زمن الإفراج الجمركي، تعزيز الشفافية والحد التدريجي من ظاهرة التهرب الجمركي، بما يسهم في زيادة الإيرادات العامة للدولة، لاسيمًا إذا تزامن ذلك مع الاستثمار في تدريب الكوادر البشرية وتوسيع نطاق التحول الرقمي.
أكدت "الملاح"، أن الإجراءات الجديدة، رغم أهميتها، لا تُغلق كافة ثغرات التهرب الجمركي بشكل نهائي، لكنها تُسهم بفاعلية في تقليص فرص التلاعب، لا سيمًا مع التوسع في الميكنة وربط قواعد البيانات، ما يقلل إمكانية تقديم فواتير مزيفة أو تعديل بيانات الشحن دون كشف التناقضات، موضحة أن تطبيق نظام إدارة المخاطر يُعزز الرقابة على المستوردين أصحاب السجل التجاري المرتفع الخطورة، فيما تُعد مبادرات مثل «التخليص بمقر العميل» و«القائمة البيضاء» أدوات تحفيزية تقلل من الاعتماد على قنوات التهرب.
التلاعب في الفواتير
وأوضحت، أن خطر التهرب عبر الفواتير لا يزال قائمًا، ما لم يتم دعم هذه الإصلاحات برقابة مصرفية صارمة وتبادل بيانات دولي، محذّرة من أن غياب هذه الآليات قد يحوّل الإجراءات إلى مجرد تبسيط شكلي دون معالجة جوهر المشكلة.
أشارت الخبيرة الاقتصادية، إلى بيانات رسمية وإعلامية ، تكشف أن الحكومة حررت نحو 58.8 ألف محضر تهرب جمركي خلال عام 2024، ونجحت في تحصيل ما يقرب من 4.84 مليار جنيه من قضايا مكافحة التهريب وتمثل هذه الأرقام حصيلة ما تم ضبطه فعليًا، لكنها لا تعكس بالضرورة الحجم الكامل للخسائر الناتجة عن التهرب الجمركي، حيث تشير تقارير دولية إلى أن الجزء الأكبر من التجارة غير المشروعة يظل خارج نطاق الرصد.
الرسوم الجمركية
أضافت، أنه رغم تسجيل مؤشرات على ارتفاع في تحصيلات الضرائب والرسوم الجمركية، خاصة خلال النصف الأول من العام الجاري بفضل إجراءات الميكنة وتشديد الرقابة، فإن تقدير الخسائر الحقيقية الناتجة عن التهرب يظل أمرًا معقدًا ويتطلب دراسات متخصصة ونماذج اقتصادية دقيقة، تُعتمد عالميًا لقياس الفجوة بين الواقع والإيرادات الممكنة.
شبكات التهريب
أوضحت، أنه بالرغم من التقدم الذي تحقق عبر الإصلاحات الجمركية، تظل ثغرات التهرب قائمة بسبب عدم الربط الإلكتروني الكامل بين الجمارك ومصلحة الضرائب والبنوك والبيانات الدولية، مما يتيح استمرار التلاعب بالفواتير وتقليل القيمة الجمركية، بالإضافة إلى وجود تحديات فساد إداري يتطلب حوكمة شفافة ورقابة فعالة وحماية المبلغين، فضلاً عن تطور شبكات التهريب المنظمة التي تنتقل إلى أساليب رقمية واستغلال ثغرات قانونية، مما يستوجب تحديثًا مستمرًا لأنظمة إدارة المخاطر ومتابعة دائمة لأنماط التهريب لضمان فعالية المكافحة.