النهار
الخميس 14 أغسطس 2025 08:51 مـ 19 صفر 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
ألاسكا.. قمة باردة تجمع بين ترامب وبوتين انتخابات الشورى ..مشاركة متميزة للمصريين بالمغرب ”جمعية رجال أعمال إسكندرية” توقع بروتوكول تعاون مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية لدعم قِطاع الصادرات رئيس الأركان يهنئ صدام خليفة حفتر بمناسبة تعيينه نائبا للقائد العام للجيش الليبي علي معلول يطلب مواجهة الأهلي في مئوية الصفاقسي ”جمعية رجال أعمال إسكندرية” توقع بروتوكول تعاون مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية لدعم قِطاع الصادرات تحت شعار ”صناع الغد”.. إنطلاق مبادرة تكريم المتفوقين علميا بمراكز شباب القليوبية اجتماع حاسم بين فليك وديكو لتقييم قائمة برشلونة قبل انطلاق الدوري الإسباني بـ48 ساعة ”حريق هائل يندلع في مصنع ويتسبب فى وفاة 5 عمال” بالقناطر الخيرية برعاية ”الشباب والرياضة”.. طهطا تحتضن أكبر مؤتمر شبابي لتدريب 1000 شاب مجانًا ضمن مبادرة ”حكاية” زومبى ولا نوع جديد.. ظهور أرانب بقرون فى أمريكا يثير فزع السكان.. صور تشكيل بيراميدز في مواجهة الإسماعيلي

عربي ودولي

كيف عزز وزراء دولة الاحتلال فكرة «إسرائيل الكبرى»؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي
رئيس الوزراء الإسرائيلي

بين الحين والآخر تظهر تصريحات لوزراء إسرائيليين تعزز فكرة «إسرائيل الكبرى» التي يزعم بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل تأسيسها، وأدّت تلك التصريحات إلى الكشف عن طبقاتٍ أعمق من النوابا المضمرة؛ فتكرار الدعوات إلى «الإبادة الكاملة» أو «التدمير الشامل» لم يعد زلة لسان معزولة، بل نمطًا موثقًا استدعى افتتاحيات ناقدة في الصحافة الإسرائيلية نفسها، طالبت بدفع أثمانٍ سياسية على التحريض ضد السكان. هذا السجل الخطابي بات قرينةً يعتمدها نقاش حقوقي دولي لربط القول بالفعل حين تُحلَّل نية الجريمة.

وفق تقارير إعلامية، يزيد من خطورة هذا المسار تسرّب تصريحات منسوبة إلى رئيس الوزراء في مايو 2025 عن «تدمير منازل كي لا يعود الفلسطينيون»، وهي جملة تلخّص بدقة هدف «القضاء على قابلية العودة» عبر الهندسة المادية للحيّز العمراني. لا يعود الهدم هنا مجرد تكتيكٍ لتفكيك بنية قتالية، بل أداةً لتغييرٍ ديموغرافي مستدام، وهو ما يُفهم ضمنيًا من إعادة إنتاج حزامٍ عازل وممرّات فصلٍ دائمة.

على هذا الخط، جاء وصف إيهود أولمرت لمشروع «مدينة إنسانية» في رفح بأنه «معسكر اعتقال»، ضمن موجة انتقاد داخلية شملت شخصيات من المعارضة والوسط، ما يشير إلى إدراكٍ لدى طيفٍ إسرائيلي بأن مشروع «تركيز السكان» في نطاقٍ مسيّج ويراهنٍ على هجرةٍ لاحقة هو منزلقٌ قانوني وأخلاقي خطر، ويحوّل اعتبارات الحماية إلى وسائل نفيٍ جماعي مقنّع، بحسب التقارير.

لم تكن إعادة تشكيل الجغرافيا أفقا نظريا؛ فالممرّ «النتساريمي» الذي شق القطاع وفصل شماله عن جنوبه تحوّل إلى بنية هيكلية تعيد توزيع السيطرة وتُنتج «فراغًا أمنيًا» يمنح الجيش عمقًا واستدامة.

تقارير بحثية مستقلة وثّقت كيف بُني هذا الممر على أطلال مدن وأحياء، بما يجعله عائقًا وظيفيا أمام أي عودة طبيعية للحياة، لا مجرد أداة عبورٍ تكتيكي.

وأوضحت التقرير أن الأيديولوجيا التي تسند لسياسات «الحد الأقصى من الأرض والحد الأدنى من العرب» ليست دخيلة على التيار الصهيوني اليميني؛ فقد راكمت منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية سرديةً قانونية تصف منظومة السيطرة الممتدة «من النهر إلى البحر» بأنها نظام تفوّقٍ ونفيٍ ممنهج للحقوق، وهو توصيف لا ينحصر في الضفة الغربية بل يشمل شرائح من الواقع القانوني داخل الخط الأخضر. هذا التتابع في الاستنتاجات يمنح سياقًا لممارسات غزة بوصفها حلقة ضمن بنية أشمل بحسب منظمة بيت ساليم.

إحدى مفاتيح القراءة التاريخية هي «خطة ألون» بعد 1967 التي سعت لضمّ الأغوار وأحزمة استراتيجية وترك التجمعات العربية في جيوبٍ مقطّعة؛ ورغم أنها لم تُعتمد رسميا كسياسة دولة، إلا أنها صاغت لسنواتٍ طويلة عقيدة «الحدود القابلة للدفاع» وبنية الاستيطان في الأطراف الحيوية. هذا الإرث يتجلى اليوم في تفضيل «الأمن الحدودي العميق» على أي تسوية تُنتج تماسا جغرافيا فلسطينيا قابلا للحياة.

لاحقًا، بلورت «خطة دروبلس» في الثمانينيات تصورا عمرانيا-سياسيا لزرع المستوطنات كشبكة فصلٍ ومعابر سيطرة تحول دون قيام دولة فلسطينية متصلة، وهو ما وثّقته أرشيفات أممية ودراسات بحثية، وأثر بعمقٍ في توزيع الكتل الاستيطانية وممراتها. بهذه الخلفية، تبدو سياسات الهدم وإعادة التوزيع في غزة استمرارًا لمنطقٍ عمراني-سياسي يغلّب الديموغرافيا على القانون.

لا تنفصل سردية «التحرير لا الاحتلال» عن واجهةٍ دعائيةٍ تُخاطب الغرب؛ فالتصريحات المتكرّرة بأن الهدف «ليس احتلال غزة» تصطدم بخطط تموضعٍ أمني وتمديد سيطرة ورفضٍ لأي إدارة فلسطينية ذات سيادة، ما يجعل الشعار ذاته غطاءً لغرضٍ مختلف: إدارةٍ إسرائيلية مباشرة أو بالوكالة في بيئةٍ منزوعٍ منها أي تمثيلٍ سياسي مستقل. الفجوة بين القول والفعل هنا ليست تفصيلاً، بل محورُ تقييمٍ دولي لسوء النية.

في الحقل الإعلامي، تتبدّى المشكلة التقنية في السماح الانتقائي بدخول صحفيين أجانب ضمن أطر مرافقة عسكرية وضوابط «أمن عملياتي»، ما يُنتج موادَّ منقّاة لا تمكّن تحققًا مستقلاً ولا تضع الجمهور أمام مشهدٍ غير مصمّم سلفًا. ومع إقصاء الصحافة المحلية بفعل القتل والمنع، يتحول «فتح المجال» إلى علاقات عامة أكثر منه مساءلة، ويُبقي التحكم في السردية داخل غرف قيادة العمليات.

البيئة الإقليمية بدورها تتكيّف: دول أوروبية ناقشت مهمات تفويضٍ أممي انتقالية، وأخرى رفعت سقف الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو علّقت تصدير عتاد عسكري قد يُستخدم في غزة. كل ذلك يضغط على سردية «العملية الأمنية الصرفة» ويطوّقها بمعادلةٍ سياسية: لا أمن بلا إطار قانوني ودولي يعالج الأصل لا المظهر. تبدو المقاربة متعددة الأطراف مسارا وحيدا لكبح جماح التصعيد، بحسب ما جاء في التقارير الإعلامية.

على مستوى الخطوط الحمراء، تصاعدت المطالبة بمواءمة الدعم العسكري مع التزامات القانون الدولي، مع الإشارة إلى أن تجاهل أوامر محكمة العدل الدولية قد يرتّب مسؤولياتٍ على المورّدين بموجب مبادئ «عدم الإعانة» على الانتهاكات الجسيمة، وهو نقاش قانوني يتبلور في برلماناتٍ ومجالس وزراء أوروبية ويعيد تعريف «العلاقة الخاصة» مع إسرائيل بمعايير مشروطة.

يظهر «الممرّات» و«الأحزمة» كركائز هندسة سياسية أكثر منها ترتيبات أمنية عابرة؛ فشبكات الفصل هذه، حين تُثبَّت بالخرسانة وتدار بالأوامر العسكرية وتُحاط بمناطق عازلة، تتحوّل إلى تقسيمٍ واقعي طويل الأمد، يعيد تعريف غزة كجيوب متجاورة غير قابلة للتكامل، ويُفرغ أي اتفاق لاحق من محتواه الجغرافي والديموغرافي. هكذا يُنتج الواقع خريطةً لا تحتاج إعلانات ضم صريحة لتعمل.

تاريخ الأفكار في اليمين القومي-الديني الإسرائيلي—من «الجدار الحديدي» إلى «أرض إسرائيل الكاملة»—لم يكن يومًا مُجرد «نوستالجيا» لغوية؛ إذ تغذّي هذه المرويات قراراتٍ عملية في الاستيطان والتشريع والسياسة الأمنية. ومن منظور مراقبين حقوقيين، يُترجم هذا الإرث إلى «نظام تفوّق» متكامل الأدوات يتبدّى الآن في غزة بأقصى مظاهره العارية، حين تُحالف القوة العسكرية مع سياسات التجويع والإزاحة أو الإبعاد.

يتكشّف هذا المسار أيضا في المعجم المستخدم داخل النقاش الإسرائيلي؛ فحين يَسِمُ رئيس وزراء سابق مشروعًا حكوميًا بأنه «تطهير عرقي» أو «معسكر اعتقال»، تتجاوز القضية خلافا حزبيا لتغدو سجالا حول الحدود الأخلاقية للدولة نفسها. هذا الانكشاف في الخطاب يُصعّب على الحلفاء تسويق السردية الأمنية الخالصة، ويجعل من ربط الدعم بشروطٍ حقوقية مطلبا منطقيا.

تاريخيًا، شكّلت «خطط الحدود القابلة للدفاع» بعد 1967 مظلة فكرية لتثبيت السيطرة على أحزمة استراتيجية مثل الأغوار، مع ترك جيوبٍ عربية كثيفة خارج سيادةٍ إسرائيلية مباشرة. اليوم، تتخذ الفكرة شكلا مُحدَّثا: ممرّات داخل غزة، حزامٌ ساحلي، ومناطق «خالية» تتحول عمليا إلى خطوط فصل طويلة الأجل، مما يربط بين إرث «ألون» والوضع الراهن في «نتساريم» في منطقٍ واحد.