النهار
الخميس 14 أغسطس 2025 08:55 مـ 19 صفر 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
ألاسكا.. قمة باردة تجمع بين ترامب وبوتين انتخابات الشورى ..مشاركة متميزة للمصريين بالمغرب ”جمعية رجال أعمال إسكندرية” توقع بروتوكول تعاون مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية لدعم قِطاع الصادرات رئيس الأركان يهنئ صدام خليفة حفتر بمناسبة تعيينه نائبا للقائد العام للجيش الليبي علي معلول يطلب مواجهة الأهلي في مئوية الصفاقسي ”جمعية رجال أعمال إسكندرية” توقع بروتوكول تعاون مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية لدعم قِطاع الصادرات تحت شعار ”صناع الغد”.. إنطلاق مبادرة تكريم المتفوقين علميا بمراكز شباب القليوبية اجتماع حاسم بين فليك وديكو لتقييم قائمة برشلونة قبل انطلاق الدوري الإسباني بـ48 ساعة ”حريق هائل يندلع في مصنع ويتسبب فى وفاة 5 عمال” بالقناطر الخيرية برعاية ”الشباب والرياضة”.. طهطا تحتضن أكبر مؤتمر شبابي لتدريب 1000 شاب مجانًا ضمن مبادرة ”حكاية” زومبى ولا نوع جديد.. ظهور أرانب بقرون فى أمريكا يثير فزع السكان.. صور تشكيل بيراميدز في مواجهة الإسماعيلي

عربي ودولي

ماذا تعني «إسرائيل الكبرى» التي يزعم نتنياهو الوصول إليها؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي
رئيس الوزراء الإسرائيلي

كشفت تقارير إعلامية دولية، أن الرؤية التي يعكسها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة تستند إلى مسار تاريخي طويل في الفكر الصهيوني، حيث طُرحت فكرة «إسرائيل الكبرى» منذ أواخر القرن التاسع عشر في كتابات تيودور هرتزل وبعض قادة الحركة الصهيونية الأوائل.

وفق التقارير الإعلامية، فإن الخريطة التي ظهرت في أدبيات الحركة لم تقتصر على فلسطين التاريخية، بل شملت أراضٍ من لبنان وسوريا والأردن وسيناء منذ 1967، ومع احتلال الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء، بدأت هذه الأيديولوجية تأخذ شكلًا عمليًا عبر سياسات الاستيطان والضم، وهي ما يمهد الأرضية اليوم لما يحدث في غزة.

أوضحت التقارير أن هذا البعد الأيديولوجي ليس مجرد خطابا، بل تحوّل إلى سياسات تخطيطية وإجراءات عسكرية واقتصادية، وفي سياق الحرب على غزة، تبدو سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية استمرارًا لمفهوم «أكبر مساحة أرض وأقل عدد من العرب»، وهو الشعار الذي لخصه باحثون مثل إيلان بابيه في كتابه عن «التطهير العرقي في فلسطين».

تصريحات نتنياهو في مايو ويوليو 2025، كما نقلتها Times of Israel ، حول تدمير منازل الغزيين لمنعهم من العودة، ليست سوى صيغة مباشرة لهذا النهج، إذ يثبت التاريخ أن مثل هذه السياسات لم تكن مؤقتة قط؛ فالاحتلال المؤقت عام 1967 أصبح دائمًا، والضم الفعلي للأراضي صار واقعًا رغم الإدانات الدولية، ما يدعم قراءة المحكمة الدولية في يوليو 2024 التي وصفت الاحتلال بأنه غير قانوني وينتهك الحق في تقرير المصير.

نوهت التقارير إلى أن العدوان الإسرائيلي على رفح في مايو 2024 رغم أوامر محكمة العدل الدولية، ثم تدمير خان يونس في مطلع 2025، يدخل في إطار تكتيك «التجويع والترحيل» الذي رصدته تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مثل Human Rights Watch.

هذه الاستراتيجية ليست موجهة ضد المقاومة كما تزعم إسرائيل، بل تهدف إلى خلق بيئة معيشية غير قابلة للاستمرار، تدفع السكان إلى النزوح الجماعي. منذ يناير 2024، حيث قالت الأمم المتحدة إن غزة أصبحت «غير صالحة للحياة»، وهو توصيف يكتسب وزنه حين يقترن بتصريحات وزراء إسرائيليين كسموتريتش الذي تحدث علنًا عن «الإبادة الكاملة» للقطاع.

من الناحية القانونية، بحسب التقارير فإن رفض إسرائيل الامتثال لثلاثة أحكام من محكمة العدل الدولية بشأن خطر الإبادة في يناير ومارس ومايو 2024، وتجاهلها لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، يمثلان تحديًا صارخًا للنظام القانوني الدولي، هذا التحدي ليس جديدًا، فقد وثقت تقارير Amnesty International و B’Tselem تاريخًا طويلًا من سياسات التمييز والفصل العنصري، بدءًا من قوانين الأراضي وصولًا إلى نظام التصاريح الذي يخنق الحياة الفلسطينية. ما يفعله نتنياهو اليوم هو تعميق لهذه البنية القانونية والسياسية التي تجعل الاحتلال دائمًا وتوسعيًا.

أما عن البعد الديني في فكر نتنياهو، والذي يتقاطع مع تيارات قومية متطرفة، يعطي بعدًا رمزيًا لحملة «الاحتلال الكامل» لغزة. هذا البعد، كما أشار باحثون في Haaretz، يرتبط بمرويات توراتية تضع غزة والضفة كجزء من أرض الميعاد. ما يميز المرحلة الحالية أن هذا الخطاب لم يعد مقصورا على الهامش الديني، بل أصبح جزءا من السياسات الرسمية، مدعوما بتحالفات داخل الكنيست حيث أيدت أغلبية مطلقة في يوليو 2024 رفض قيام دولة فلسطينية.

تصريحات وزراء مثل إسرائيل كاتس في يوليو 2025 حول تحويل رفح المدمرة إلى ما وصفه إيهود أولمرت بـ«معسكر اعتقال»، تكشف طبيعة الرؤية العمرانية لما بعد الحرب: هندسة ديموغرافية تمنع أي إعادة إعمار تسمح بعودة الفلسطينيين. هذه السياسة تجد جذورها في مشاريع سابقة مثل «خطة دروبلس» في الثمانينيات، التي دعت إلى توزيع المستوطنات لقطع التواصل الجغرافي بين التجمعات الفلسطينية.

منذ 7 أكتوبر 2023، كانت النية المعلنة من قبل قادة إسرائيليين هي «حرق غزة» وإزالتها من الخريطة، كما وثقت تصريحاتهم في صحف كبري. هذه اللغة لم تكن مجرد دعاية حرب، بل تحولت إلى سياسة تدمير 90% من البنية التحتية للقطاع، مقارنةً بتجارب تاريخية مثل اجتياح بيروت 1982، فإن التدمير الحالي أوسع وأشد شمولًا، ويستهدف ليس فقط القدرات العسكرية بل مقومات الحياة المدنية.

الإصرار على استبعاد السلطة الفلسطينية من أي دور في غزة، كما جاء في قرارات مجلس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة، يوضح أن الهدف هو السيطرة المباشرة وطويلة الأمد، وليس أي صيغة إدارة فلسطينية حتى لو كانت موالية، إذ تعيد هذه السياسة إلى نموذج الإدارة العسكرية المباشرة قبل اتفاق أوسلو، وهو ما يراه باحثون في International Crisis Group مؤشرًا على إلغاء أي إطار تفاوضي.

تُظهر ديناميات التصعيد الراهن أن النقاش داخل المؤسسة الإسرائيلية لا يدور فقط حول التوقيت والوسائل، بل حول «مفهوم العملية» نفسه؛ إذ أفادت تغطيات دولية بأن رئيس الأركان إيال زمير أمَّن تأييدا للمفهوم الرئيسي لهجوم متركّز على مدينة غزة، رغم التوترات السياسية المحيطة بالحكومة، ما يوحي بأن البنية العملياتية جاهزة لاستدامة المجهود القتالي في بيئة حضرية كثيفة السكان، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر قانونية وإنسانية متضخّمة. هذه الجاهزية العسكرية تتعايش مع خطاب رسمي يزعم أنه «تحرير لا احتلال»، ما يخلق فجوة بين اللغة السياسية ومتطلبات السيطرة الفعلية على الأرض.

يتقدّم على خطٍ موازٍ مسارٌ دبلوماسي يُعيد إدخال الأمم المتحدة في قلب «اليوم التالي»، إذ أيّدت مدريد مقترح باريس لمهمة أممية مؤقتة لتأمين القطاع وحماية المدنيين وتهيئة انتقالٍ إلى حوكمة فلسطينية، في إشارةٍ إلى أن حلفاء تقليديين لتل أبيب باتوا يربطون أي مكاسب أمنية إسرائيلية بإطارٍ دولي يُقيّد الفعل الانفرادي ويؤسّس لإشراف متعدد الأطراف. هذا الاتجاه ينسجم مع موجة انتقادات أوروبية متصاعدة للتصعيد في غزة، ويربط الاستقرار بقرارات مجلس الأمن وكفاءة وكالات أممية مثل الأونروا.

في المقابل، تستمر الوقائع الميدانية في ترسيخ صورة انهيار إنساني منهجي؛ فالتقارير الأخيرة عن تكثيف القصف وسقوط قتلى في طوابير الغذاء، بالتوازي مع وفيات مرتبطة بالجوع، تعيد التذكير بأن «الممرات الإنسانية» لا تشكّل معالجةً لأسباب الكارثة بل إسعافات أولية لنتائجها، ما يغذي حجّة المطالبين بوقف توريد السلاح والضغط عبر آليات قانون دولي مُلزِمة.

على المستوى القانوني، شكّلت أوامر محكمة العدل الدولية في يناير ومايو 2024 نقطة انعطاف: فهي ربطت لأول مرة بين واجب منع الإبادة وبين التزامات محددة لفتح المساعدات ومنع التجويع، ثم عادت وأكّدت تدابيرها الوقائية بصياغات أكثر تشدّدا. تجاهل هذه الأوامر على الأرض يعزّز سردية أن العمليات ليست «انزلاقًا» بل سياسة ذات تصميم مؤسسي تتعارض مع التزاماتٍ قضائية دولية صريحة.

التحذير الأممي المبكر من أن غزة «أصبحت غير صالحة للحياة» لم يكن توصيفا إنشائيا، بل قراءة مبنية على مؤشرات موضوعية: تهجير ساحق، انهيار البنية الصحية، ومؤشرات مجاعة. حين يُوضَع هذا التحذير ضمن إطار القيود الأمنية على دخول المساعدات والوقود والاتصالات، يصبح الحديث عن «أضرار جانبية» أقل قدرة على الصمود أمام اختبار الواقع، خاصة مع استمرار القيود التي تُضعف قدرة الهيئات الإنسانية على العمل.