النهار
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 11:38 مـ 17 صفر 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
حسام البدري: لم أطلب من إدارة أهلي طرابلس التعاقد مع أحمد عبد القادر سفيرة مصر في أنجولا تؤازر منتخب السلة أمام مالي في افتتاح مشواره بالأفروباسكت ضربة أمنية موجعة بسقوط ”شحته” أخطر عنصر إجرامي بطوخ خطة قتل محكمة.. تقود سيدة وزوجها وشقيقه لطبلية عشماوى لقتلهم شخص والتخلص من جثته بالمصرف بطوخ في مؤتمر دولي بالصين.. الأمين المساعد لـ(البحوث الإسلامية): الأزهر يحمل رسالة سلام ويواجه الكراهية بخطاب الحكمة محافظ الجيزة: بدء المرحلة الثانية لتنسيق القبول بالثانوية العامة غدًا الأربعاء وكيل الأزهر يستقبل مفتي موسكو ويتفقان على تدريب أئمة روسيا في أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة مفتي القدس: مصر ودار الإفتاء المصرية تمثلان عمقًا استراتيجيّا ودينيّا لفلسطين في كل المحافل لقاء ثنائي لمفتي الجمهورية وإمام الجمعية الإسلامية بفنلندا يعزز التعاون في مواجهة الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية لقاء بين مفتي الجمهورية ومفتي شرق جورجيا يؤكد عمق العلاقات الدينية والتعاون المشترك ورشة ”المؤشر العالمي للفتوى” بمؤتمر الإفتاء العالمي العاشر الذكاء الاصطناعي يجلس علي منصة القضاء

عربي ودولي

هل تُصبح المدينة الإنسانية بغزة إعادة إنتاج لفكرة الجيتو؟

آثار الحرب
آثار الحرب

بين الحين والآخر، تطل دولة الاحتلال الإسرائيلي على الإعلام بمُسميات ومُقترحات تحاول من خلالها تغليف فكرة ابتلاع غزة في إطار قانوني أو أخلاقي، رغم كل المحاولات المُستميتة التي تُنفذها من أجل إحياء فكرة التهجير وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، من خلال سياسات متعددة كالتجويع والحصار والحرب والقتل التي يستهدف عمداً النساء والأطفال في المقدمة.

خطة جديد قدّمتها إسرائيل لإعادة مخطط التهجير القسري لسكان القطاع والذي أجهضته الدولة المصرية، ولكن بشكل جديد تحت غطاء «المدينة الإنسانية» في جنوب قطاع غزة وعلى مقربة من الحدود المصرية، تقوم على إنشاء منطقة محصورة جنوب القطاع وتحديدًا في منطقة المواصي غرب مدينة رفح الفلسطينية، بزعم أنها مكان آمن لإيواء المدنيين، وهي منطقة مغلقة بمدينة رفح الفلسطينية بين محوري موراغ وفيلادلفيا جنوبي القطاع.

وفق التقارير الإعلامية والإسرائيلية، تستهدف بداية نقل نحو 600 ألف فلسطيني إليها في مرحلة أولى، مع إقامة 4 مراكز لتوزيع المساعدات وتديرها منظمات دولية، وسيخضع السكان لعمليات تدقيق أمنية بهدف التأكد من عدم انتمائهم لحركة حماس، وبمجرد دخولهم المنطقة لن يُسمح لهم بالمغادرة.

بهذه الآلية، فجر الدكتور محمد حربي، من المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، مفاجأة كُبرى، مفاداها أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تُعيد إحياء جريمة ومعاناة اتخذتها لأكثر من قرن كضحية لهما ولكن هذه المرة على شعب فلسطين، فبدلًا من أن يكون الجيتو درسًا ورمزًا لعدم التكرار أصبح أداة جاهزة بيد من يدعي أنه ضحية له، وإعماله على سكان قطاع غزة، فيعيد ضحية الجيتو نفس أدواته ضد شعب آخر، والفارق أن ذلك الشعب هو صاحب الأرض.

واعتبر «حربي» بحسب تحليله، مشروع المدينة الإنسانية المزمع إقامته جنوب رفح الفلسطينية أحد النماذج المستحدثة لسياسات الجيتو، إلا أنها ألصقت بها كلمة «الإنسانية» للهروب من المساءلة أمام المجتمع الدولي، غير أنها تتميز عن الجيتو في أنها تؤسس لواقع ديموغرافي جديد بالقوة وما تنتهكه من حق السكان الأصليين للسيادة على أرضهم وحقهم في العيش بسلام، فكلاهما يهدف للاضطهاد والتهجير والنقل القسري للسكان، وكلاهما ينتهكان القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

ترجع أصول كلمة جيتو إلى مدينة البندقية في إيطاليا، حيث أصدرت السلطات مرسومًا عام 1516 يقضي بعزل السكان اليهود في حي محدد داخل المدينة، وأُجبروا على العيش فيه، والدخول إليه والخروج منه وفق شروط صارمة، وقد سُمّي هذا الحي بـجيتو نوفو «Ghetto Nuovo» ومن هنا بدأ مصطلح الجيتو كتسميه جغرافية لاسم مكان إلى أن أصبحت رمزًا للعزل والتمييز العنصري.

تُعيد دولة الاحتلال الإسرائيلي إحياء جريمة ومعاناة اتخذتها لأكثر من قرن كضحية لهما ولكن هذه المرة على شعب فلسطين، فبدلًا من أن يكون الجيتو درسًا ورمزًا لعدم التكرار أصبح أداة جاهزة بيد من يدعي أنه ضحية له، وإعماله على سكان قطاع غزة، فيعيد ضحية الجيتو نفس أدواته ضد شعب آخر، والفارق أن ذلك الشعب هو صاحب الأرض، بحسب تحليل الدكتور محمد حربي، موضحاً أنه من أكثر المفارقات المأساوية في التاريخ المعاصر أن تتحوّل جماعة تؤكد في كل المحافل الدولية على مر التاريخ أنها عانت من أبشع أشكال العزل والتهميش إلى فاعل يعيد إنتاج نفس النمط من الجرائم على حساب شعب آخر.

وأكد الدكتور محمد حربي، أن جيتو وارسو شكّل رمزًا عالميًا للاضطهاد والعزل العنصري، واليوم تمارس إسرائيل الدولة التي تأسست على أنقاض تلك الكارثة سياسات متطابقة في قطاع غزة من خلال مقترحات المدينة الإنسانية، والتي تُخفي خلف اسمها المضلل مشروعًا لعزل الفلسطينيين ديموغرافيًا، وتجريدهم من حقوقهم الأساسية بذريعة الحماية الإنسانية، فالمدينة الإنسانية المقترحة تؤكد على إعادة إحياء ذات المنطق الإقصائي لكن بلغة جديدة.

كلا النموذجين «المدينة الإنسانية والجيتو» يُجمع السكان داخل منطقة محدودة ومحاصرة تحت دعوى الحماية أو التنظيم بينما تُدار هذه المنطقة أمنيًا من قبل الجهة المسيطرة، ويُحرم السكان فعليًا من حرية التنقل، والوصول للخدمات المستقلة والارتباط الجغرافي ببقية وطنهم. ففي وارسو، أُغلقت الجيتوات بأسوار، وعُزل سكانها عن بقية المجتمع تمهيدًا لنقلهم إلى معسكرات الإبادة، أما في غزة فالمدينة الإنسانية ستُقام في منطقة منفصلة جغرافيًا عن بقية القطاع، معززة بحواجز أمنية، وتُدار عبر تنسيق أمني خارجي، ما يُثير شبهة استخدامها كأداة لتكريس التهجير الداخلي القسري الدائم وفصل ديمغرافي مقصود أو الضغط للخروج خارج حدود الدولة في اتجاه الدولة المصرية.

ذلك الأمر الذي أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت لصحيفة «الجارديان» البريطانية، موضحاً أن المدينة الإنسانية ستكون معسكر اعتقال، وأن إجبار الفلسطينيين على دخولها سيكون بمثابة تطهير عرقي، مؤكداً أن إسرائيل ترتكب بالفعل جرائم حرب في غزة والضفة الغربية، وأن بناء المخيم سيمثل تصعيدًا، معتبرا أن الغضب من إسرائيل بسبب حرب غزة لا يعود فقط إلى معاداة السامية.

وأكد أنها معسكر اعتقال فبمجرد دخول الفلسطينيين، لن يُسمح لهم بالمغادرة إلا للذهاب إلى دول أخرى.