الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي: صناعة المفتي الرشيد فريضة دينية وضرورة عصرية ومصلحة زمانية

قال الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلاميِّ الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي: إننا في زمن باتت الأمة فيه أحوج ما تكون إلى المفتي الرشيد، وهو ذلك المفتي الذي يقيم منار الحق، ويشيِّد صروح الأمان، ويزرع الأمل والطمأنينة والسكينة في النفوس، ويحوِّل التحديات إلى فرص، ويتمتع بالوسطية في الفكر والسلوك، ويسعى إلى تجفيف منابع الغلو والتطرف.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي العاشر لدار الإفتاء المصرية المنعقد تحت عنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، مقدمًا أسمى عبارات الشكر والعرفان والامتنان إلى فخامة رئيس جمهورية مصر العربية السيد عبد الفتاح السيسي، على رعايته السامية لهذا المؤتمر، وللشعب المصريِّ على كرم الضيافة وحفاوة الترحاب، وفضيلة المفتي الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، بمناسبة مرور عِقد على تأسيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، مثمنًا جهوده وجهود سلفه، فضيلة الشيخ الدكتور شوقي علام، وجميع معاونيهم، فيما أنجزوه من خطوات راسخة، ومبادرات نافعة، وإنجازات مشهودة لتعزيز التعاون والتكامل بين مؤسسات الإفتاء في أصقاع المعمورة.
وأكد أمين الفقه الإسلامي، أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي، بحسبانه المرجعية الفقهية العليا الجامعة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، يعتز بمشاركته في هذا المؤتمر، امتثالًا لما أخذه الله على العَالِمين: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾، وتحقيقًا للثقة التي أولاه إياها قادة الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة ببيان حكم الله في النوازل والمستجدات التي يعظم خطرها، ويشتد أثرها، وتحظر فيها الفتاوى الفردية، صونًا لعقائد الناس، وحمايةً لوحدة الصف، وتعزيزًا لقيم الوسطية والاعتدال والتسامح.
وأشاد بتسمية المؤتمر "المفتي الرشيد"، لافتًا النظر إلى أن صناعة هذا المفتي أمستِ اليوم فريضة دينية، وضرورة عصرية، ومصلحة زمانية، تعزيزًا للأمن الفكري الذي لا مناص منه، ومحافظةً على مقاصد الشرع التي لا حيدة عنها، وحمايةً للأوطان والشعوب والأمم من التفتت والانزلاق.
ولفت فضيلته إلى أن صناعة هذا المفتي تتوقف على قيامنا طواعيةً بمراجعة مناهجنا الشرعية والاجتماعية والإنسانية، بغية الارتقاء بها إلى مستوى التحديات المتفاقمة والتطورات المتلاحقة، والتغيرات المتتابعة، وقصد صيرورتها مناهج تخرِّج عقولًا نيِّرة، وقلوبًا طاهرة، وألسنةً صادقة، تذود عن الأمة غوائل الشبهات، وتدفع عن الشعوب المهلكات، وتصون الأفراد من الموبقات، ويتحقق ذلك كله بتجديد محتوياتها، وتطوير أساليبها بما يواكب العصر؛ جمعًا بين الرسوخ في علوم الوحي ومعارفه، والتمكن من علوم الإنسان والعمران، وبين التشبع بأدوات الاستنباط والاستدلال، واستيعاب الوسائل والوسائط التي جاد بها الزمان.
وأوضح أنه من الضروري أن يكون هذا المفتي منفتحٌ على العصر، لا تروعه أمواجُ الذكاء الاصطناعي المتلاطمة، بل يحوِّلها إلى أدواتٍ في خدمة الدين والأمة والإنسانية، ولا تخيفه طلاسم التقنية الرقمية الحديثة وطاقاتها، بل يستوعبها، ويستعين بها جمعًا وتحقيقًا وتحليلًا وتخريجًا للنصوص، ومقارنة للآراء والأنظار، وتمحيصًا للأفكار، فيجعلها نعمةً مسخَّرة، لا فتنة مستعرة.
واختتم كلمته بمناشدة منظمة التعاون الإسلامي الدول والشعوب والعالم أجمع لوضع حدٍّ عاجل للمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وغزة الجريحة التي ترزح تحت حصار خانق مفجع، وتجويع ممنهج، وعدوان وحشي غاشم من كيان صهيوني محتل متطرف، تتبرأ من جرائمه كل الأديان والشرائع والقيم والقوانين، مؤكدًا أن نصرة هذا الشعب المكلوم المظلوم، ليست خيارًا، بل فريضة مقدَّسة في كل الأديان والشرائع، وإنَّ إغاثة جوعاه ليست مساعدةً بل واجب إنساني ثابت في كل الأعراف والتقاليد، والدفاع عن قضيته العادلة في المحافل والمناسبات ليس منَّةً بل مسؤوليَّة أخلاقيَّة على كل من يملك كلمة أو موقفًا أو موقعًا.
وفي ختام كلمته ثمن فضيلته الجهودَ التي تقودها المملكة العربية السعودية عبر لجنتها الوزارية الإسلامية، وجهود الوساطة الحكيمة التي تضطلع بها جمهورية مصر العربية ودولة قطر، متمنيًا أن تُتوَّج بالنجاح والتوفيق، فيندحر الاحتلال، وينقشع الحصار، وتعود البسمة إلى شفاه أطفال فلسطين.