كيف استخدمت إسرائيل وحماس الأسرى كورقة سياسية للمساومة؟

بدأت إسرائيل الحرب في غزة وهي تضع نُصب أعينها مهمة واحدة ووحيدة، وهي الاستيلاء على كل أراضي غزة والاستيطان فيها، لذا جرت الحرب بمشاركة فعالة ودعم عسكري ومخابراتي ولوجيستي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ورغم عِلم هذه الدول بالهدف وموافقتها عليه إلا أنها كان لديها أهداف ثانوية تعمل لتحقيقها، لعل أهمها الاستيلاء على ثروة غزة من الغاز الطبيعي لتدفئة أوروبا التي كانت تشعر بالبرد، بحسب ما وصفه الدكتور أشرف الشرقاوي في تحليل مُعمق له، وذلك بعد توقف الغاز الروسي نتيجة للحرب مع أوكرانيا.
دعم لا محدود لإسرائيل
بحسب «الشرقاوي» لم تُبد أي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا اعتراضا، ولو شكلياً أو ضمنياً أو سرياً أو جهرياً، فعندما نشرت الحكومة الإسرائيلية يوم 28 أكتوبر 2023، أي بعد ثلاثة أسابيع من بداية الحرب، مناقصة لاستخراج الغاز من سبعة أماكن في البحر المتوسط، منها أربعة أمام شاطئ غزة، حتى ذلك الوقت كانوا يظنون أن الحرب ستنتهي خلال بضعة أسابيع أو ربما بضعة أشهر على الأكثر.
أكد الدكتور أشرف الشرقاوي، أن الحرب الآن أوشكت أن تنتهي من عامها الثاني ولم تنجح إسرائيل في حسمها: "صحيح أنها حددت لنفسها أهدافاً مُعلنة مستحيلة التحقيق، ومستحيلة القياس، وهو ما بدا في نظر الجمهور الإسرائيلي فشلاً، ولكن حتى الهدف غير المُعلن وهو الاستيلاء على غزة والاستيطان فيها لا يزال بعيد المنال، وربما لا يتحقق قبل بضع سنين لو سارت الحرب بنفس معدلات العامين الأخيرين".
حركات المقاومة في غزة
اللافت للنظر، بحسب أستاذ الدراسات الإسرائيلية، أن حركات المقاومة في غزة أبدت استعدادا، منذ اليوم الأول للحرب، لمبادئ تسوية مُرضية، ربما لو كانت إسرائيل وافقت عليها في حينها كانت ستحقق على الأقل جانباً من أهداف الحرب المُعلنة ولكنها لم تكن ستحقق الهدف غير المُعلن الذي لأجله اجهضت كل الصفقات، وتتضمن هذه المبادئ توقف القتال بشكل نهائي، وتبادل أسرى بمعدلات مُرضية، وتأهيل غزة، وحرية تدفق المعونات، وتمسكت حماس بهذه المبادئ ولا سيما على ضوء قتل أكثر من ستين أسير فلسطيني في سجون إسرائيل والتدمير الشامل لغزة.
قادت إسرائيل الآن حركات المقاومة إلى مربع ليس لديها فيه ما تخسره، ولم يعد أمامها سوى قتال حتى الشهادة، إذ فرضت إسرائيل حصار تجويع على غزة لإجبار الفلسطينيين على مغادرتها، ولكن الفلسطينيين المجوعين فضّلوا الموت في أرضهم جائعين على النزوح منها، ثم اكتشفت إسرائيل فجأة أن أسراها أيضا لا يجدون طعاماً يأكلونه وفق تحليل الدكتور أشرف الشرقاوي.
وأكد الدكتور أشرف الشرقاوي، أن الأسرى الإسرائيليين لم يذهبوا إلى غزة بعقود عمل يمكنهم أن ينهوها ويعودوا، ولكنهم ذهبوا كأسرى يعيشون شاء من شاء وأبى من أبى نفس ظروف آسريهم، وكانت الحكومة الإسرائيلية تعتقد أن حركات المقاومة ستوفر علفاً لأسراها في الوقت الذي لا يجد المقاتلون طعاماً سوى بالكاد، ولكن هذا ما كان ليحدث، وما كان حراس الأسرى ليرضوا أن يبيتوا وأهلهم جائعين في ظل تسمين الأسرى.
نقطة التدهور الحتمية
ذكر أستاذ الدراسات الإسرائيلية: "وصلنا إلى نقطة التدهور الحتمية لو كان هناك طعام غير كاف، فالأولوية للمقاتل الذي يدافع عن أرضه وليس للأسير الذي ينتمي لقوة الاحتلال التي تدمر وتحاصر غزة"، وإذا كانت إسرائيل ترغب في تجويع أسراها: "فليكن، وبالمناسبة فهذا غير مستغرب، فقد حاولت قتلهم أكثر من مرة".
بدأت المشكلة الأكبر عندما نشرت حركات المقاومة فيديوهات للأسرى الجائعين، وفق أستاذ الدراسات الإسرائيلية، وحينها تظاهر كل المسئولين الإسرائيليين بأنهم لا يعلمون، لكن إبلاغ حكومة إسرائيل بأحوال الأسرى أكثر من مرة، من خلال الوسطاء، ومن خلال الإعلام: "استمعوا إلى حديث الأسير الأخير المفرج عنه عيدان إلكسندر وستعلمون أن الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية كانتا تعلمان وفضلتا مزيداً من الضغط"، وعندما طلبت المقاومة أدوية للأسرى أرسلوا لها شحنة أدوية بها أجهزة تتبع والآن نتيجة للدرس لا يطلب المقاومون طعاماً للأسرى، ولكن الرسالة واضحة: "إذا شبعت غزة سيأكل الأسرى".