في ذكرى رحيله.. حسن الأسمر ”صوت الشعب” الذي غنّى وجع الناس ورحل فجأة

في مثل هذا اليوم، رحل عن عالمنا الفنان حسن الأسمر، صاحب الصوت الذي أبكى المصريين، وأيقونة الأغنية الشعبية التي اختزلت في ملامحها وطبقات صوتها آهات الشارع وهموم البسطاء، لم يكن حسن الأسمر مجرد مطرب عابر، بل كان وجدان الناس في صورة فنان. غنّى للحزن، وكتب بصوته سطور المعاناة، فاستحق عن جدارة لقب "مطرب العمال"، بل وأكثر من ذلك كان "صوت الشعب".
نشأة من قلب القاهرة.. وجذور في الصعيد
وُلد حسن الأسمر في 21 أكتوبر 1959 بحي العباسية بالقاهرة، بينما تعود أصوله إلى محافظة قنا. نشأ في بيئة بسيطة، لكنها أنجبت موهبة صادقة نادرة، جعلت من صوته جسراً يعبر فوق الفروق الاجتماعية والطبقية.
"كتاب حياتي يا عين"... أغنية صارت وجع بلد
من بين كل ما غنّى، بقيت أغنيته الأشهر "كتاب حياتي يا عين" رمزًا خالدًا للحزن المصري. كانت أكثر من مجرد كلمات، كانت صرخة إنسان موجوع، فغنّاها معه الناس في لحظات الانكسار، وكأنها نُسجت من وجدانهم هم.
فنان شامل.. لم يكتفِ بالغناء
امتلك حسن الأسمر موهبة متعددة الأوجه، حيث شارك في أكثر من 57 عملاً فنيًا بين السينما والمسرح والتلفزيون. ومن أبرز أعماله: : بالو بالو، حمري جمري، جحا المصري، أرابيسك، معاش مبكر، الزنكلوني، ليلة ساخنة، بوابة إبليس، زيارة السيد الرئيس، امرأة وخمسة رجال، درب الرهبة.
كما قدّم أدوارًا تمزج بين العفوية والوجع الشعبي، وترك أثرًا خاصًا في وجدان المشاهد المصري، تمامًا كما فعل في قلوب عشاقه كمطرب.
عودة مفاجئة.. ثم وداع لا يُنسى
بعد غياب لعدة سنوات، عاد حسن الأسمر للظهور في إعلان لإحدى شركات المحمول، أعاد خلاله تقديم أغنيته الشهيرة "كتاب حياتي" بلحن جديد جذب اهتمام الأجيال. لكن العودة كانت قصيرة، فقد وافته المنية بشكل مفاجئ في 7 أغسطس 2011، إثر أزمة قلبية حادة، صدمت محبيه وأوجعت القلوب.
اللحظات الأخيرة... شهادة من القلب
في لقاء مؤثر، روت زوجته السيدة لبنى تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته، قائلة: كان رايح يصلي، وقابل صديق له وابنه كان عايز يروح معاه لكنه رفض اتأخر، اتصلت بيه، قالّي إنه بيشتري زبادي وبعدها ما ردش.
ثم أضافت: رجع فتح التلفزيون، لكن عينيه كانت حمراء. مهمل في علاج الضغط. الساعة 6 الصبح صحيته على صوته بيصرخ، ماسك قلبه وبيجري في الشقة. وديناه المستشفى، بس كانت النهاية أسرع مما نتخيل.
الفن في الدم... وابنه على خطاه
أما هاني الأسمر، نجل الفنان الراحل، فكشف أنه بدأ الغناء سرًا رغم رفض والده دخوله المجال. وفي مفاجأة لوالده يوم عيد ميلاده، غنّى أمامه "كتاب حياتي"، فنال إعجابه، وبدأ مسيرته على خطى الأب، حاملًا اسمه وصوته وشجن الأغنية الشعبية.
حين يسكت الصوت... ويبقى الأثر
رُبما غاب حسن الأسمر بالجسد، لكن صوته ما زال يعيش بيننا، شاهداً على زمنٍ كان فيه الغناء مرآةً للناس، لا زينةً للعرض، في كل مرة نسمع فيها "كتاب حياتي يا عين"، لا نسمع فقط نغمة بل نسترجع وجعاً صادقًا، وصوتًا خرج من قلب الناس وإليهم عاد. رحل الأسمر، لكن بقيت الأغاني تواسي، والصوت يُقاوم الغياب لأن بعض الأصوات لا تموت، بل تتحول إلى ذاكرة وطن.