حين يتحول الهاتف إلى كاميرا أمنية.. المواطن في قلب المعادلة

في عصر تتسارع فيه وتيرة الأحداث، وتتعاظم التحديات الأمنية في ظل التقدم التكنولوجي الهائل، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا في الحياة اليومية للمواطنين، فلم تعد هذه المنصات مجرد أدوات للتسلية أو التواصل الاجتماعي، بل تحولت إلى وسيلة رصد وتوثيق، بل ومشاركة مباشرة في دعم جهود حفظ الأمن والنظام.
يعتمد عدد كبير من المواطنين اليوم على منصات مثل "فيس بوك"، "تيك توك"، و"إنستجرام" في توثيق تفاصيل حياتهم اليومية، ولكن اللافت أن هذا التوثيق تجاوز مظاهر الحياة الشخصية، ليشمل تسجيل السلوكيات السلبية، والجرائم الأخلاقية، والمخالفات القانونية التي تقع في الشارع أو الأماكن العامة، هذا التحول اللافت في سلوك المستخدمين دفع وزارة الداخلية إلى تبني نهج أكثر تفاعلية مع ما ينشر على هذه المنصات.
فقد أدركت الوزارة أهمية ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت في التعامل معه كأداة استباقية لرصد أي خروقات أمنية أو تجاوزات سلوكية قد تؤثر على المجتمع، وباتت فرق أمنية متخصصة تعمل على مدار الساعة لرصد وتحليل مقاطع الفيديو المنتشرة، والتأكد من صحتها، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد مرتكبي هذه الوقائع.
وفي أكثر من مناسبة، قامت وزارة الداخلية بفحص فيديوهات توثق جرائم أخلاقية، أو تجاوزات من بعض سائقي النقل أو التوك توك، أو تصرفات غير مسؤولة في الأماكن العامة، وبعد التأكد من صحتها، يتم التحرك فورًا من قِبل الأجهزة المختصة لضبط المتهمين، وإحالتهم إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
هذا التجاوب السريع مع بلاغات المواطنين ومقاطع الفيديو المتداولة خلق نوعًا من الثقة المتبادلة بين المواطن والأجهزة الأمنية، ولم يعد المواطن مجرد متلقي للخدمة الأمنية، بل أصبح شريكًا فعليًا في الحفاظ على الأمن والاستقرار المجتمعي، فبمجرد رصد أي مخالفة أو سلوك مشين، يقوم بتوثيقه بهاتفه المحمول، ثم يرسله إلى الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية على "فيس بوك"، ليبدأ على الفور التعامل معه بكل جدية واحترافية.
الملفت في هذا الإطار، هو أن سرعة الاستجابة من قِبل وزارة الداخلية شجعت مزيدًا من المواطنين على توثيق ونشر ما يشاهدونه من تجاوزات، فأصبحنا نرى مقاطع تنتشر يوميًا توثق مخالفات في الشوارع، أو تجاوزات من بعض الأفراد، ليتم التعامل معها بسرعة من قِبل الأجهزة المعنية، هذه الظاهرة عززت ثقافة "المواطن الرقيب"، وأظهرت مدى وعي المجتمع بأهمية دوره في حماية الأمن العام.
كما أن وزارة الداخلية، بدورها، طورت من أدواتها التكنولوجية، وأنشأت غرف عمليات مزوّدة بأحدث الوسائل لرصد وتلقي شكاوى المواطنين، والتعامل معها في وقت قياسي، هذه الغرف لا تكتفي بمراجعة الفيديوهات، بل تعتمد على تقنيات تحليل الصور، وتحديد المواقع، وتتبع الحسابات التي تنشر هذه المواد، للوصول إلى الحقيقة بكل دقة وموضوعية.
ولا يمكن تجاهل أن هذا التعاون الوثيق بين المواطن والجهات الأمنية ساهم في الكشف عن العديد من القضايا التي ربما لم تكن لتُكتشف لولا هذه المشاركة المجتمعية النشطة، فالصور والمقاطع التي ينشرها المواطنون أصبحت بداية خيط تقود إلى كشف قضايا كبيرة، وضبط عناصر خطرة.